هممت أن أجعل لهذه الكلمات عنوانا آخر، هو »صخرة سيزيف«، ثم عدلت عن العنوان لسببين، أولهما أني قد أجد نفسي مجبرا على سرد قصة »سيزيف« بتفاصيلها في الأساطير الإغريقية، واللعنة التي حلت به في دحرجة الصخرة من أسفل جبل إلى أعلاه، ورجوعها في كل مرة إلى الأسفل، لأن كثيرا من شبابنا المتعلمين أصيب بداء أمية المتعلمين، ولم يعد ما كنا نعتقد أنه بديهي حين نكتب إلا ضبابا عند أغلب هؤلاء الشباب. الأمر الثاني الذي جعلني أعدل عن ذلك العنوان، أنه من واقع ثقافة أخرى وأنا من الذين يعتقدون أن قوة الفكرة في نبوعها من الموروث الذاتي، وفي القرآن الكريم صورة في آية تشبه صورة سيزيف، في قوله تعالى: »وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا« (النحل: 92)، وأعجب من احتفاء الوزيرة بن غبريط ومصالحها بالثقافة والأدب الشعبي على صورة فولكلورية، بمعنى أن ننزل إلى وهاد التخفف والاسترخاء، بدل أن نرتفع بهذا الموروث إلى الاستثمار عند طريق التفكيك والتحليل ثم التركيب المجدي. والمجتمعات تنفق أموالاً طائلة من اجل تجسير الهوة بين الدارج العامي والاستعمال العالم المهذب للغة، لا بالنزول في وهاد العامية بل بالارتقاء إلى مستويات اللغة المحكمة، فالاستعمال الدارج العامي هو حالة استرخاء طبيعي يرفع التكلف، والاستعمال العالم هو حركة "دينامكية" تتطلب اليقظة وبذل الجهد والجدية. إن سياسة الإمبراطورية الأمريكية مثلاً، اتخذت من القصة الشعبية للقرصان مورغان سبيلاً لرسم حالة من السلوك العام لسياسات الإمبراطورية على اختلاف إداراتها، وقصة القرصان مورغان أنه كان يقف على الشاطئ يرصد حركة القراصنة الصغار، فإذا عادوا إلى الشاطئ محملين بالغنائم صادرها هو ومن معه، وشعرهم هو شعار طاولة القمار: »الرابح يأخذ كل شيء«، The winner take all. من القصص التي تحكى في موروثنا الشعبي، ويرددها مريدو الطرق الصوفية عن شيوخهم، ولاحظ أنني أقول الطرق لأن القصة تروى بأكثر من طريقة وعن أكثر من شيخ، وتروى على أنها من كرامات ومكرمات الشيخ، أنه استطاع أن يقف في سكة الحديد ويوقف حركة القطار دون أن يصاب بأذى، بل إن القطار أصيب بعطل دائم فلم يتسنى له بعدها أن يقوم من مكانه! أحد أصدقائنا المشاكسين قال لي يومًا، ألم يكن أجدر ببركات الشيخ ومكرماته أن يعمد إلى قطار عاطل فيجعله يسعى على سكته؟ هذه القصة على بساطتها فيها من الدلالات التي يجب أن نقف عندها، فعندما يكون من الكرامات أن نعطل سير المتحرك، وأن نوقف عجلة تدور، وأن تكون حالة السكون هي »البركة«، وإيقاف الفعل »الديناميكي« مطلب نفسي يعبر عن قدرة خارقة فإن ذلك بعد نفسي جدير بالتأمل، لاحظت بعض آثاره المدمرة في مواقف بل قررات لبعض المسؤولين.
فغداة تعيين أحد المثقفين الكهول على رأس هيئة ذات طابع ثقافي، أسر إلى أحد مقربيه أنه يسعى في قابل أيامه إلى تكسير كل تلك الأقلام التي تنشر، لأنها بزعمه دون المستوى، بدل البحث في الموجود عن المستوى المنشود.