أكد المدير المركزي السابق للتعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، الدكتور عبد القادر فضيل، أن قرار إدراج العامية في المدارس هو مشروع استعماري قديم أعيد بعثه من جديد، ونبّه الدكتور في حوار ل »صوت الأحرار« إلى أن إدراج العامية في التعليم لم تقر به أي دولة، حتى فرنسا التي يتبعونها لم تلجأ إلى هذا الخيار، كما أنه لم يقم به أي مفكر من قبل، ودعا إلى التفريق بين العامية والدارجة، لأن هذه الأخيرة هي لغة يستعملها الناس في الأسواق والشارع، وقال ردا على سعيد سعدي إن تاريخ الجزائر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الامازيغ هم من حمى اللغة العربية ومن ألف بها وهم الذين زاحموا العرب في تعلمها، فكانت هي لغة الجزائر قديما وحديثا. * إدراج العامية في التعليم لم تقر به أي دولة، حتى فرنسا التي يتبعونها لم تلجأ إلى هذا الخيار، هذا أمر غريب لم يقم به أي مفكر من قبل، هناك فرق بين العامية التي تكلم عنها المفكرون وبين الدارجة، فالعامية هي اللغة العربية دون إخضاعها لقواعد الإعراب . * لجنة بن زاغو فيها عدة انحرافات، لو أخذنا التقرير الذي أعدته والذي يتكون من 600 صفحة ونزعنا منها شعار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لجاز تطبيقه في أي دولة كانت لغياب روح البعد الوطني والإسلامي عن مضامينه، لان غايته والصميم الذي جاء من اجله هو التقليل من شان اللغة العربية ودين الإسلام وتاريخ الجزائر، وهذه 3 مجالات واضحة لا غبار عليها . * الإشكاليات التي تعاني منها المدرسة اليوم غياب نقاش حقيقي حول الرهانات التي تواجه المنظومة التربوية حيث لم تطرح هذه المواضيع إلى الآن، على الرغم من جميع المحاولات الإصلاحية التي قامت بها الوزارة . * فرنسا عندما احتلت الجزائر لم تقل أن أطفال الجزائر سيصطدمون باللغة الفرنسية وإنما فرضت التعليم باللغة الفرنسية من السنة الأولى بل جعلته إجباريا في كطل تعاملات التلاميذ داخل القسم فكان ممنوعا على التلميذ التحدث بالعربية أو العامية التي يتحدثون عنها اليوم . * وكان الأجدر بوزارة التربية أن تبحث سبل الارتقاء باللغة العربية، من المفروض أن نطور طرائقها والمعلم الذي يدرسها، التلميذ اليوم بحاجة إلى لغة صحيحة ترتقي بها إلى لغة عربية فصيحة . * فالمشكلة اللغوية في الجزائر لم تدرس ضمن المشكلات المطروحة، حيث بقي المشكل اللغوي معلقا، فلم نسعى إلى اختيار اللغات التي تفيدنا، مثلا الاسبانية لما لها من ارتباط تاريخي مع المسلمين في الأندلس مثلا، وكذا التركية، والألمانية وغيرها من اللغات الحية في العالم. يعيش المجتمع الجزائري اليوم، نقاشا كبيرا حول واقع المنظومة التربوية، هل ترى أن واقع التربية في بلادنا بحاجة إلى فتح مثل هذه النقاشات ؟ حقيقة، النقاش حول المنظومة التربوية وحول واقع المدرسة الجزائرية مهم جدا، لكن يجب أن يكون هذا النقاش محدّدا بجوانب منهجية وغايات معينة، وإذا ما تم تحديد هذه الجوانب والغايات التي نريد الوصول إليها، فإن النقاش يكون مفيدا ومجديا، لكن المشكلة التي تطرح اليوم، هو أن القائمين على قطاع التربية لا يريدون إيجاد حلول لمشكلات المدرسة. والإشكاليات التي تعاني منها المدرسة اليوم تكمن في غياب نقاش حقيقي حول الرهانات التي تواجه المنظومة التربوية حيث لم تطرح هذه المواضيع إلى الآن، وعلى الرغم من جميع المحاولات الإصلاحية التي قامت بها الوزارة انطلاقا من لجنة المرحوم قاصدي مرباح، وصولا إلى لجنة الحزب آنذاك، وبعدها لجنة وزارة التربية، وصولا إلى المجلس الأعلى للتربية والتعليم ولجنة الإصلاح التي حملت اسم بن زاغو، كل هذه المحطات لم تضع يدها على الجوهر في العملية الإصلاحية. في تقديركم، ما هو الجوهر ؟ الجوهر هو مضمون التعليم، هذا الأخير لم يحدد بدقة، حيث يجب أن يجمع هذا المضمون المخزون العلمي والحضاري والثقافي، لهذا نجد أن كل وزير يتولى حقيبة وزراة التربية له مضمون لهذا المخزون، كما نجد هناك مشكل آخر هو المعلم، هذا الفرد الذي يكون ويعلم لم يول العناية الكافية، فبعد أن كان هناك 58 معهد لتكوين المعلمين، جاء وزير التربية بوبكر بن بوزيد وألغاها كلها، بحجة أن المعلمين يجب أن يكونوا خريجي الجامعات وهو ما أخطا الوزير التقدير فيه، لأن الجامعة لن تنجح في تكوين معلمين. وأؤكد أن المنهج الذي تم استحداثه نجح في هدم كل المجهود الذي كانت تقوم به معاهد تكوين المعلمين، والدليل على ذلك هو إخضاع بعض الناجحين في مسابقات التعليم لتكوين مدته 14 يوما، والسؤال المطروح هنا هل 14 يوما كافية لتكوين معلم، كيف يتعلم فلسفة التعليم ومنهجيته. وبعد حل معاهد تكوين المعلمين تم استحداث المدارس العليا للأساتذة، لكن مضامين هذه المدارس لا تستجيب لمتطلبات التدريس، بحيث يدرس الأستاذ مناهج لا توجد في برامج التدريس إضافة إلى نقص الدورات التربصية التي هي ضرورية في مثل هذه الحالات، إضافة إلى المنطق المقلوب الذي تتبعه هذه المدارس، حيث كان الأولى تكوين معلم الابتدائي 5 سنوات بدل أستاذ الثانوي، لأن معلم الابتدائي يدرس 5 سنوات بما فيها من مواد مختلفة من الرياضيات والعلوم وغيرها. ومن هنا نستنتج أن الذين يكونون لا يعرفون البرامج، ومن المفروض أن الذي يختار لتكوين المعلمين يجب أن يكون ملما بفلسفة التعليم ومحتوى التعليم، أضف إلى ذلك، إهمال الجانب التطبيقي الذي ليس محترما في المدارس، حيث يجب على الأقل تخصيص سنة تكوين، ومنه نستنتج أن علاج واقع المنظومة التربوية ما يزال ناقصا. والمناهج هي بمثابة دستور المدرسة، والمدرسة عندما تفتقد لمناهج فإنها تكون بدون نتيجة، والمناهج بها عدد من الاختصاصات، والكل يساهم في بناء هذه المناهج، والمناهج تتبعها الطرائق، أما نحن في الجزائر فنتبع طريقة واحدة اقتبسوها من كندا وهي المقاربة بالكفاءات. باعتباركم مختصا ومسؤولا سابقا في القطاع، ما هو السبيل للخروج من هذا الوضع ؟ أولا تشكيل هيئة علمية عليا يرجع إليها نظام التربية من خلال تحديد التصورات الكبرى، مثلما كانت هناك لجنة خاصة بالتربية والتعليم في زمن الحزب الواحد، التي تلاشت مع ظهور التعددية الحزبية في الجزائر، وألغي المجلس الأعلى للتربية كهيئة عليا، إلى أن جاءت لجنة بن زاغو التي حددت البرنامج الذي يدرس اليوم للتلاميذ . لجنة بن زاغو فيها عدة انحرافات، لو أخذنا التقرير الذي أعدته والذي يتكون من 600 صفحة ونزعنا منها شعار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لجاز تطبيقه في أي دولة كانت لغياب روح البعد الوطني والإسلامي عن مضامينه، لأن غايته والهدف الذي جاء من أجله هو التقليل من شأن اللغة العربية والدين الإسلامي وتاريخ الجزائر، وهذه 3 مجالات واضحة لا غبار عليها. مثلا في اللغة العربية يقولون إن الخطة فاشلة والسبب فيها هو أنها أسندت لغير المتعلمين، أما بالنسبة للغة الفرنسية فإنهم يعتبرونها اللغة الوحيدة التي توصلنا إلى الإلمام بالمفاهيم العلمية، بعد أن أتوا بخبراء من تونس ولبنان وفرنسا يصبون في نفس اتجاههم، من أجل الوصول إلى خلاصة واحدة في التقرير الذي أعدوه وهو أن اللغة الفرنسية هي لغة الاقتصاد وهي لغة الجالية إلى أن وصلوا إلى اعتبارها أنها هي اللغة الأقرب إلى الجزائريين. كثر الحديث آنذاك عن لجنة الإصلاح التي ترأسها بن زاغو، لكن ماذا عن التدريس بالعامية؟ جاءت لجنة بن زاغو لتستهدف مكونات الهوية الوطنية المبنية على العروبة والإسلام، إذ نجد من بين مقترحاتها دمج مادة التربية الدينية بالتربية المدنية، وفي مادة التاريخ يطلب من المدرسين عدم المفاضلة بين حقبة تاريخية وأخرى، ويركزون على البعد المغاربي والإفريقي والمتوسطي متجاهلين البعد العربي الإسلامي. وهم يقولون إنهم يسعون إلى تيسير تعليم الفصحى لأطفالنا، لأن أطفالنا في منظورهم يجدون صعوبة في تلقي اللغة الفصيحة لأنهم حين يدخلون المدرسة يجدون أنفسهم أمام وضع لغوي مختلف عما كانوا قد ألفوه في المنزل وفي المحيط، ولكن ما يهدفون إليه في الحقيقة ليس تيسير تعليم اللغة كما شرح ذلك المفتش العام لوزارة التربية وكذا وزيرة التربية، لأن تلقين الدارجة لا يحقق التيسير لأننا نقدم له مستوى تعبيريا مختلفا تسعى المدرسة إلى نشره، لأن الدارجة أنواع ويختلف معجمها من جملة إلى أخرى ثم إنها خليط ومعظم مفرداتها مستمدة من الفرنسية ولهذا لم تعد الدارجة قريبة من العربية الفصحى. بعض المؤرخين أشاروا إلى وجود مشروع إدراج اللغة الدارجة في الأطوار التعليمية الأولى إلى أيام وجود المستعمر الفرنسي هنا بالجزائر، هل تم إعادة بعث هذا المشروع الاستعماري من جديد ؟ إدراج العامية في التعليم لم تقر به أي دولة، حتى فرنسا التي يتبعونها لم تلجأ إلى هذا الخيار، هذا أمر غريب لم يقم به أي مفكر من قبل، هناك فرق بين العامية التي تكلم عنها المفكرون وبين الدارجة، فالعامية هي اللغة العربية دون إخضاعها لقواعد الإعراب . مسايرة الاتجاه الفرونكوفوني الذي يسعى المتعاطفون معه إلى تهميش اللغة العربية وتضييق مجالات استعمالها والتقليل من شأنها في الحياة العامة بتعويضها باللهجات العامية، ومسعاهم بهذا تكوين أجيال ناشئة بهذه اللهجات التي لا ترقى إلى مستوى اللغة الأساسية التي هي لغة المعرفة ولغة الفكر، ألا وهي اللغة العربية، وهي التي يجب أن تعلم في المدرسة . وهم بتصورهم هذا يريدون بهذه العودة إلى الأطروحات الاستعمارية، نحن في التعليم الأساسي نسعى إلى التسيير، وهذا له فلسفته ورجاله ومضمونه، ننطلق من مكتسبات الطفل، والذين ينادون بالعامية يجب أن يفرقوا بين مكتسبات الطفل وبين أن نعلمه الألفاظ التي درج عليها في بيئته، والدارجة هي ما درج عليه الناس في الشوارع والأسواق. حجة دعاة إدراج العامية في المدرسة، هو تفادي اصطدام التلاميذ بصعوبة اللغة العربية وفق تصورهم، ما هو مفهوم الصدمة التي يتحدثون عنها ؟ إن وضع المناهج التعليمية يفرض وضع لغة عربية خاصة بالمدرسة وهي ليست لغة البحتري أو امرئ القيس، وإنما عبارات عربية سهلة الاستيعاب، وأنا بدوري كنت مشرفا على نصوص الأطفال، كنا وقتها نقضي منتصف يوم كامل من أجل وضع مفردة واحدة لما لذلك من أهمية في تكوين التلميذ، ونعمل على اختيار الألفاظ السهلة، ونختار الطرائق التي تناقش. أما من يقولون إن الطفل يصاب بصدمة من تعلمه العربية الفصحى، فما هو هذا الوضع، فالتلميذ قبل دخوله المدرسة يعرف اللغة العربية ويحفظها ويشاهد أفلاما كرتونية باللغة العربية الفصحى، كان ذلك مقبولا لو طرحت الفكرة مباشرة بعد الاستقلال نظرا للوضعية التعليمية لكثير من أبناء الجزائر في ذلك الوقت، لكن وبعد 53 سنة من استقلال الجزائر، فهذا أمر غير مقبول تماما. أما مضمون الطرح الذي خرجت به الوزارة في أعقاب أعمال الندوة الوطنية التي عقدت لتقييم الإصلاحات المدرسية، فإن ما يجدر بنا ذكره هنا هو أن هذا الطرح الغريب الذي جاء بعد أكثر من نصف قرن من بناء الدولة المستقلة هو وجه من السياسة التي طبقتها الإدارة الاستعمارية في مجال التعليم أثناء الاحتلال، فهل المسؤولين عندنا يريدون بهذا الطرح العودة إلى ذلك العهد وإلى تلك السياسة، لأننا حينما نحلل الفكرة التي جاء بها هؤلاء المسؤولين نجدهم لا يريدون بهذا الطرح أن تبقى الأجيال مرتبطة بلغتها وتراثها وتاريخها الثقافي، وإلا فما هو الداعي إلى هذه الفكرة الغريبة التي لم نسمع أن هناك دولة مستقلة وتملك أمرها طالبت بإبعاد اللغة الأساسية وتعويضها باللهجات التي درجت على الألسن، لأن موضوع اللغة لا يعالج وفق نزوة فكرية أو اهتمام شخصي، فاللغة بها روح المجتمع ورمز شخصية الأمة، والدستور قد حدد ذلك، فهل يجوز أن يتطاول المسؤولون في وزارة التربية على هذه الجوانب. وكان الأجدر بوزارة التربية أن تبحث سبل الارتقاء باللغة العربية، من المفروض أن نطور طرائقها والمعلم الذي يدرسها، التلميذ اليوم بحاجة إلى لغة صحيحة ترتقي به إلى لغة عربية فصيحة، وأحيلهم هنا إلى شيء تاريخي مهم، وهو أن فرنسا عندما احتلت الجزائر لم تقل إن أطفال الجزائر سيصطدمون باللغة الفرنسية وإنما فرضت التعليم باللغة الفرنسية من السنة الأولى بل جعلته إجباريا في كل تعاملات التلاميذ داخل القسم، فكان ممنوعا على التلميذ التحدث بالعربية أو العامية التي يتحدثون عنها اليوم. هل اللغة العربية مستهدفة من طرف تيار معين يمتد إلى دواليب السلطة في الجزائر؟ لقد أدرجنا أيام تولي الأستاذ محمد الميلي وزراة التربية سنة 1989 مشروعا يهدف إلى إدراج اللغة الانجليزية في التعليم، وتحركنا من أجل ضبط خطة تسهل انتقال التعليم من الفرنسية إلى الانجليزية، ودرسنا كيفية الوصول إلى تعريب المناهج التي درت بالانجليزية إلى العربية في الجامعة . وخطونا في المشروع واتصلنا بدولة بريطانيا وتلقينا ردودا إيجابية، وبعدها جاء الأستاذ علي بن محمد على رأس وزارة التربية وتحمس للمشروع وعمل على تطبيقه، لكن بعض المسؤولين المتغلغلين في الوزارة عرقلوا المشروع واختلقوا عدة أعذار من أجل إبطال المشروع . إن المشكلة اللغوية في الجزائر لم تدرس ضمن المشكلات المطروحة، حيث بقي المشكل اللغوي معلقا، فلم نسعى إلى اختيار اللغات التي تفيدنا، مثلا الاسبانية لما لها من ارتباط تاريخي مع المسلمين في الأندلس مثلا، وكذا التركية والألمانية وغيرها من اللغات الحية في العالم. إن ما دفعهم إلى طرح موضوع العامية هو أن اللغة العربية بالنسبة إلى بعضهم تعقد وجودهم وتحسسهم بضعف ذاتيتهم أمام المتمكنين منها، ولهذا نجدهم يميلون إلى زيادة العناية باللغة الفرنسية ويسعون بكل جهودهم إلى فسح المجال أمام انتشار هذه اللغة لتسترد مكانتها التي كانت عليها في السابق ولتبقى لغة التدريس وأداة نقل المعرفة في كل المراحل. إن الاهتمام بالتدريس بالعامية في بداية التعلم يترك المجال فسيحا أمام امتداد اللغة الفرنسية وهيمنتها، ووفق هذا الوجه نجد أن بعض المسؤولين يتحمسون لإبقاء الفرنسية في مكانتها وترشيحها للتدريس وللعمل في الإدارة، وهذا الاتجاه هو الذي كان سببا في تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية وتجميد الاهتمام الذي ظل يدفع إلى تعريب المواد العلمية في مناهج التعليم العالي ومازال هذا التجميد متواصلا. هل المدرسة الجزائرية منكوبة ؟ يجب الإعتراف بأن التعليم الابتدائي مريض، به خلل، هذا الخلل يحتاج إلى علاج، والوضع ليس سويا ولا سليما في كل المستويات، ليس هناك هيئة مرجعية تقرر، واللجان التي تكلفها الوزارة بوضع البرامج ليست متخصصة، وميل المسؤولين في وزارة التربية إلى التخلي عن العربية الفصحى واعتماد الدارجة أو العامية في تعليم أطفال السنوات الأولى هو مجرد خطوة تمهيدية تقودهم إلى أهم إجراء يسعون إليه وهو جعل الفرنسية لغة تدريس المواد العلمية في التعليم الثانوي، ويصلون إلى هذا الإجراء حينما يتقرر ترسيم التعليم بالعامية في بقية السنوات وعند ذاك يتهيأ المجال لإقرار اللغة الفرنسية كمادة أساسية في تعليم مختلف المواد العلمية، لأن الدارجة ليست مؤهلة لتدريس هذه المواد والعربية مبعدة عن ذلك، وهكذا يصبح المجال مهيأ أمام الفرنسية لأن الدارجة لا تستطيع أن تنافس الفرنسية أو تزاحمها. اللغة الأمازيغية اليوم تدرس بالحرف اللاتيني، إلى أي مدى يشكل ذلك خطرا على أحد رموز الهوية الوطنية وهي الامازيغية ؟ دسترة اللغة الأمازيغية يؤدي إلى لغتين رسميتين، وعليه يقع هناك لبس بين التفاضل بين اللغتين، في الوقت الذي تفتقر اللغة الامازيغية لقواعد واضحة، لذا يجب العمل أكثر على ترقية هذه اللغة وإثرائها وتوحيدها، من خلال البحث عن الحروف التي تكتب بها وتؤلف لها قواعد بلاغية، مع الإشارة إلى أن هناك محاولات تهدف إلى عرقلة العربية والأمازيغية وإفساح المجال أمام اللغة الفرنسية. وبالعودة إلى محاولات المستعمر تجاه العربية نجد عدة كتب ألفوها بالدارجة، لأنهم يعلمون أن التلميذ يتقن العربية وهم لا يريدون لغة تنافس لغتهم، وقد نجحوا في تعليم اللغة الفرنسية في الجزائر لأنهم فرضوها، وبعض المسؤولين الجزائريين يريدون فرض العامية لأن لهم عقدة تجاه اللغة العربية . وهذا الطرح الغريب الذي استمعنا إليه والذي اعتبروه توصية من توصيات الندوة الوطنية، لا يعتبر في الحقيقة توصية تعبر عن اهتمامات المشاركين في الندوة وتلخص ما دار في النقاش في الجلسات وفي الورشات وهذا لم يتم بشهادة معظم من شاركوا في الورشات العشر، أو في تتبع المحاضرات وقد استقبل كل من سمع هذا الاقتراح باندهاش كبير، لأن المجتمع قد اختار اللغة حين حدد ذاتيته وعبر عن هويته وعناصر هذه الهوية، لأن موضوع اللغة يتعلق بالسيادة وباهتمامات المجتمع، كل المجتمع، ولا بد أن تعالج القضايا اللغوية من خلال المبادئ العامة التي تحدد وجهة المجتمع وأركان ذاتيته وعناصر شخصيته. سعيد سعدي صرح مؤخرا أن الجزائريين لو لم تفرض عليهم العربية لما تعلموها أو تكلمها أحد، خاصة في منطقة القبائل، ما رأيكم؟ إن نظرة بسيطة إلى تاريخ الجزائر تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأمازيغ هم من حمى اللغة العربية، فهم من ألفوا بها وهم الذين زاحموا العرب في تعلمها، فكانت هي لغة البلد قديما وحديثا، حيث اعتمدتها كل الدول التي مرت على الجزائر من الدولة الفاطمية إلى الزيانية إلى تاريخنا الحديث . وإذا كان سعيد سعدي يقصد بفرض اللغة العربية في الدستور فنفس الدستور هو من أعطاه الحق في ممارسة السياسة وتأسيس حزب سياسي والتكلم بالأمازيغية، وممارسة كل حقوقه وحرياته، فهنا أرى بأنه متناقض في تصريحاته ويتنكر للحقائق الثابتة التي تؤكد بأن الأمازيغ صانوا اللغة العربية وعملوا على تدريسها والتأليف بها، ولنا في هذا السياق ألف مثال ومثال، وهو ما يفند تصريحات سعيد سعدي.