وصفت وسائل الإعلام المغربية الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي محمد السادس في الذكرى ال 34 لما يسمى ب»المسيرة الخضراء« التي انتهت كما هو معروف باحتلال الصحراء الغربية، ب»التاريخي«، وهذا بالنظر إلى المفردات التي تضمنها فيما يخص قضايا حقوق الإنسان، بحيث أعطى محمد السادس الضوء الأخضر للسلطات المغربية لقمع الناشطين الصحراويين تحت ذريعة الدفاع عن »الوحدة الترابية للمملكة«، وبالنظر أيضا إلى التهجم الصريح والمباشر على الجزائر التي صنفت كدولة عدوة، بشكل مناقض لخطابات »الأخوة« وحسن الجوار التي كان يتغنى بها النظام المغربي طمعا في إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين. الوصف الذي أطلق على خطاب العاهل المغربي محمد السادس هو وصف مستحق لسببين رئيسيين السبب الأول هو أن ملك المغرب، ورغم أن التهجم على الجزائر ليس بالأمر الجديد، سواء كان بلسان ملك المغرب أو أعضاء حكومته، أو عبر الوسائط الإعلامية والجمعوية التي تدور في فلك المخزن، صنف لأول مرة علنا وبشكل مباشر وبمفردات صريحة الجزائر كدولة عدوة، وأما السبب الثاني فيرتبط بتلك اللهجة التي استعملها محمد السادس بخصوص الصحراويين لما ادعى إلى مواجهة من أسماهم بالخونة بشكل صارم، وهي دعوة صريحة بالأجهزة الأمنية والقضائية المغربية لمواصلة التعاطي مع قضايا الناشطين السياسيين والناشطين الحقوقيين الصحراويين عبر أساليب القمع التي وصلت مداها في الآونة الأخيرة. لقد أوضح الملك المغربي وهو يتحدث عما يسميه الخطاب المغربي ب » مغربية الصحراء«: »أما خصوم وحدتنا الترابية ومن يدور في فلكهم، فهم يعلمون أكثر من غيرهم، بأن الصحراء قضية مصيرية للشعب المغربي الملتف حول عرشه، المؤمن على سيادته ووحدته الوطنية والترابية، وحينما يجعلون منها محورا لإستراتيجيتهم العدائية، فإنما يؤكدون أنهم الطرف الحقيقي في هذا النزاع المفتعل، ضدا على مشاعر الأخوة المتبادلة بين الشعبين المغربي والجزائري، كما أنهم يرهنون مستقبل العلاقات الثنائية، وتفعيل الاتحاد المغاربي في الوقت الذي يحرص فيه المغرب على الاندماج والتكامل، لرفع التحديات الأمنية والتنموية الحاسمة للمنطقة.« لقد عاد العاهل المغربي إلى تلك الأطروحات المغربية القديمة التي حاول من خلالها الرباط إقناع العالم بأن الجزائر هي طرف في النزاع القائم في الصحراء الغربية وأن جبهة البوليساريو ما هي إلا أداة في يد الجزائر، وكان على الملك المغربي أن يوضح موقفه، فإذا كانت جبهة البوليساريو لا وجود لها، وإذا كانت القضية الصحراوية هي قضية مفتعلة، وإذا كان أغلب الصحراويين كما يدعي العرش العلوي، مع الاندماج في المملكة، فما الذي يرغم المغرب على الدخول في مفاوضات مباشرة مع هذا التنظيم الذي يصفه بالانفصالي، ومن الذي أرغم الرباط على التوقيع على اتفاقية هيوستن، وما الذي يجعلها اليوم تلهث دون توقف من أجل تمرير مخططها المتعلق بمنح الحكم الذاتي للصحراويين بدلا من التسليم بحقهم في تقرير المصير الذي يناضلون من أجله منذ عقود. ويحاول الملك المغربي في كل مرة مخادعة الراي العام الدولي وحتى المحلي من خلال تكرار نفس الخطاب الذي يوحي وكأن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تقف في صف جبهة البوليساريو، في حين يعرف الجميع أن هناك أكثر من 80 دولة في العالم تتبنى نفس الموقف ولا يتجرا النظام المغربي على اتهامها بشكل مباشر، فهبل يعقل أن تكون الجزائر هي عدوة الوحدة الترابية للمغرب، واسبانيا التي تحتل سبتة ومليلية وتدوس على المغاربة بالنعال وتواجه المغاربة الفارين إلى هاتين المدينتين بالقمع والرصاص، هي دولة صديقة للمغرب، ودولة شريكة للمملكة في كل صغيرة وكبيرة؟ ثم ما الذي يجعل الجزائر تعادي الوحدة الترابية للمغرب، فهل نبذ الاستعمار والاضطهاد هو تعدي على الغير، علما أن الجزائر ليست دولة توسعية وما يهمها من مساندة النضال الصحراوي هو أن تجتث أخر بؤرة للاستعمار من القارة الإفريقية، وهذا خلافا للمغرب الذي لو استقر به الحال في الصحراء الغربية لسعى إلى التهام أجزاء من تراب جيرانه، ومطالب المغرب في الجزائر وموريتانيا لا تخفى على أحد. وتعتبر اللهجة التي استعملها محمد السادس بمثابة إعلان حرب على الجزائر، وهو ما يتناقض بشكل كلي مع خطابات »النوايا الحسنة« التي نسمعها من حين لأخر والتي تأتي في الغالب في سياق البحث عن إقناع الجزائر من أجل أن تعيد فتح حدودها البرية مع المملكة، لكن من اللازم أن نبين أيضا بأن هذه اللهجة المغالية في التهجم على الجزائر، تحولت منذ فترة إلى خط سير بالنسبة للنظام المغربي ودبلوماسيته وبالنسبة للوسائط الجمعوية والإعلامية بالمغربية، فمؤخرا فقط هددت جمعية تسمى » جمعية المغاربة المرحلين من الجزائر« بمقاضاة الجزائر في المحاكم الدولية، وطالبت في رسالة وجهتها إلى الأمين العالم للأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي حول ما أسمتها ب » جرائم « ارتكبها النظام الجزائري ضد مغاربة سنة 75. وخلافا لما كان ينتظره المجتمع الدولي الذي ألح على الرباط من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين والنشطاء الحقوقيين الصحراويين، تبنى محمد السادس خطابا أعطى من خلاله الضوء الأخضر لأجهزة القمع المغربية لمواصلة الانتهاكات الخطيرة ضد حقوق الإنسان في الصحراء الغربية وحتى داخل المغرب، فالمفردات التخوين لما يقول العاهل المغربي » لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع; فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي، وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن، ولما يضيف قائلا: »هل هناك بلد يقبل بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مطية لتآمر شرذمة من الخارجين عن القانون مع الأعداء على سيادته ووحدته ومصالحه العليا«، هي في الواقع إعلان حرب دون رحمة ضد كل الناشطين السياسيين والحقوقيين الصحراويين تحت غطاء الوحدة الترابية وهو ما حذرت منه العديد من المنظمات الحقوقية على غرار منظمة العفو الدولية وهيومن رايت ووتش. والأخطر مما سبق أن المشروع الذي أعلن عنه بخصوص تفعيل الحكم الجهوي في الصحراء الغربية يعتبر كتجاوز خطير للشرعية الدولية، و بمثابة إلحاق الأراضي الصحراوية المحتلة بالمغرب، علما أن المغرب يعتبر كمكلف بإدارة هذه الأراضي، باعتباره قوة احتلال ليس له أي سيادة على الصحراء الغربية بمقتضى القانون الدولي، وهو ما يعني بأن الخطوة التي أعلن عنها الملك محمد السادس هي بكل المقاييس دفع بالأوضاع في المنطقة نحو المجهول.