يتحدث رئيس اللجنة الانتقالية لمحافظة حزب جبهة التحرير الوطني بسطيف فيصل قماز في لقاء مع »صوت الأحرار« عن العديد من المسائل الحزبية التي ميزت انعقاد المؤتمر العاشر والمرحلة التي أعقبته، والمنتظر من الحزب، وطنيا وعلى مستوى هيئاته وهياكله في ظل التحولات الحاصلة داخليا ودوليا. عرفت محافظة سطيف، أواخر العام الماضي، هيكلة جديدة، ما تقييمكم لهذه العملية وما مدى أهميتها؟ الحديث عن التنظيم الهيكلي الجديد للحزب على مستوى محافظة سطيف، يتطلب في المقام الأول الحديث عن الولاية في حد ذاتها، فهي مقسمة إداريا إلى ستين بلدية وعشرين دائرة، وتعرف باتساع مساحتها التي تزيد عن 6500 كلم مربع، كما أنها تعد الولاية الثانية بعد العاصمة من حيث عدد الساكنة بتعداد يقارب مليوني نسمة، فهل يعقل لولاية بهذا الحجم الجغرافي والتعداد السكاني، أن تتوفر على محافظة واحدة للحزب وهي الولاية المعروفة بانتمائها السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني؟ لا يمكن للعاقل والفطن الكيّس إلا أن يجيب بالنفي عن هذا السؤال للاعتبارات المذكورة ولتباعد المناطق عن عاصمة الولاية وكذا للرغبة في تفعيل الأداء الحزبي وترقيته عبر مختلف ربوعها، انطلاقا من هذه المعطيات لا غير. وبقرار من الأمين العام عمار سعداني، تمت، شهر أكتوبر 2014، هيكلة المحافظة بأسلوب يختلف عن التقسيم الإداري الساري، وانبثقت عنها أربع محافظات للحزب عبر كل من سطيف، العلمة، عين ولمان وبوقاعة. ويجب التأكيد في هذا المجال، بأن هذا التنظيم الجديد للحزب على مستوى الولاية، تم على أساس جغرافي لا غير ومن أهدافه الأساسية، مثلما أبرزها الأمين العام، تقريب هياكل الحزب وهيئاته القاعدية من المناضلين والمواطنين على حد سواء وتوسيع انتشار الحزب في الأوساط الشعبية والعمل على استقطاب المنخرطين من الكفاءات ومختلف الشرائح الاجتماعية وكذا تأطير المجتمع سياسيا بإشاعة الثقافة السياسية في أوساطه، بما يمكن من الحفاظ على دعائم ومقومات الثوابت الوطنية والقيم المثلى للأمة وترسيخ أسس المواطنة الحقة، فضلا عن القضاء على الاحتكار في تولي المسؤوليات الحزبية وحتى الانتخابية. والواقع، أن هذه الهيكلة الجديدة لهياكل الحزب على مستوى الولاية، أعطت نتائج هامة مجسدة ميدانيا، وقد وقف الأخ الأمين العام للحزب في زيارته الميدانية للمحافظات الأربع بداية شهر أفريل الماضي، من خلال المعاينة ولقاءاته بالمناضلين والمواطنين، على أهميتها الكبيرة في تجسيد الأهداف المذكورة وكذا قدرة هذه الهياكل في استقطاب مزيد من المنخرطين في صفوف الحزب، وقد سطرت لهذه الهيكلة الجديدة أهداف رئيسية في مرحلة آنية، تتمثل أساسا في لم شمل جميع المناضلين ورأب الصدع بينهم بعيدا عن الإقصاء والتهميش، وتحقيق الانتشار والاستقطاب إلى جانب إعادة تأهيل مقرات الحزب، وهي المهام التي نعكف على بلوغها وتجسيدها بنسب معتبرة في ظل التنسيق التام بين أمناء المحافظات الأربع، مما مكن المحافظات المعنية من تكريس النضال الحزبي في تناغم كبير، وبهذه الروح سيتواصل النشاط الحزبي بغاية تفعيله وترقيته نحو الأحسن والأفضل بما يفضي إلى تحقيق تطلعات المناضلين. صنع المؤتمر العاشر حدثا سياسيا بارزا في مسار الأفلان، ما تقييمكم لنتائجه؟ لقد شكل المؤتمر العاشر للحزب، مرحلة حاسمة ومفصلية في المسار التاريخي للحزب من أجل تثبيت دوره الريادي في المجتمع ومن ثمة تحقيق تطلعات الراهن وكسب رهانات المستقبل، ولقد فضح المؤتمر زيف محاولات المناوئين للحزب الرامية إلى ضرب استقراره ووحدة صفوف أبنائه والتأثير سلبا على دوره القيادي في المجتمع، لقد جرى المؤتمر العاشر بشهادة الجميع، في أبهى أعراس الديمقراطية حضورا ونقاشا وإثراء، وتحقق ذلك بفضل الأسلوب الجديد الذي اعتمدته قيادة الحزب في التحضير والإعداد للمؤتمر، وذلك بإشراك المناضلين عبر القواعد النضالية، في إثراء مختلف مشاريع لوائحه وانتخاب المندوبين ديمقراطيا، والأخذ بالاعتبار اثراءات القاعدة من قبل اللجنة الوطنية المكلفة بتحضير المؤتمر. ولا بأس أن أنوه في هذا المجال، بأن العديد من مقترحات مناضلي محافظة سطيف بخصوص مشاريع اللوائح، تم تبنيها على غرار - مثالا لا حصرا- المبادئ الكبرى للمرجعية التاريخية والمنطلقات الفكرية للحزب، إعداد ميثاق شرف على شاكلة مدونة أخلاقية وحزبية يخضع لها منتخبو الحزب، العديد من الآليات الهادفة إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتحسين التنمية البشرية والاجتماعية، ناهيك عن تعديل بعض المواد المتضمنة في القانون الأساسي السابق ، هذا ما يدل على أن القيادة السياسية للحزب كانت خلال الإعداد للمؤتمر في إصغاء إلى مقترحات القاعدة. إن من عوامل نجاح المؤتمر العاشر، ذاك السند القوي الذي أحاط به رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، أشغال المؤتمر من خلال رسالته القوية إلى المؤتمرين وما تضمنته من حرصه الشديد على ضمان مصلحة الحزب لصواب رؤيته الثاقبة، بأن مصلحته هي من مصلحة الوطن برمته. كما أن نضج المناضلين السياسي وحسهم النضالي الرفيع والتزامهم الحزبي القوي، كل ذلك ساهم في إنجاح المؤتمر، الذي زكى بالإجماع رئيس الجمهورية، رئيسا له وفي ذلك للرغبة الجامحة للمناضلين على مواصلة مسيرة الحزب دون قطيعة مع أطواره وأجياله، في نطاق استمرار شعلته مضيئة في سياق خدمة الجزائر- وطنا وشعبا- وكسب رهانات الحاضر وتحقيق تحديات المستقبل، في نطاق إرساء مرتكزات الدولة الجزائرية الجامعة بين ماضينا المجيد في إطار هويته وثوابته، وبين قيم العصر ومتطلبات الحداثة، كما أن تزكية عمار سعداني من قبل اللجنة المركزية، المنتخبة ديمقراطيا والجامعة بين صفوفها، إطارات وكفاءات حزبية من المناضلين والمناضلات وطاقات من فئة الشباب، أمينا عاما للحزب تنم عن حرص المناضلين على تمكينه من مواصلة جهوده الجادة في تطوير الحزب وعصرنته بما يتلاءم والتحولات الحاصلة على أكثر من صعيد. تعقد اللجنة المركزية دورتها العادية في أكتوبر المقبل، ما المنتظر منها؟ لا شك أن الدورة العادية للجنة المركزية، المقررة في الثالث أكتوبر القادم، سيكون لها تأثير إيجابي كبير على نشاط الحزب وكذا الساحة السياسية الوطنية على حد سواء، ودعني في البداية أشير إلى أن الحزب لم يعرف فراغا أو قطيعة في نشاطه منذ المؤتمر العاشر على خلاف، ما فتئت تذكره بعض الأوساط الإعلامية وبعض الأطراف المناوئة، ذلك أن الحزب ظل متواجدا في الساحة من خلال قيادته ممثلة في الأمين العام ومناضليه في القواعد وكذا منتخبيه في المجالس الشعبية المحلية والوطنية، لاسيما وأن الحزب يحوز الأغلبية فيها، ثم أن دعوة اللجنة المركزية إلى الانعقاد، ينبغي أن تكون بعيدا عن التسرع وإنما يتطلب الأمر الإعداد الجيد لأشغالها واختيار الظرف المناسب لعقدها، حتى لا نقع تحت طائلة القول المأثور من استعجل خبزه أكله عجينا. الواضح أن الدورة القادمة للجنة المركزية بتركيبتها الجديدة المنبثقة عن المؤتمر العاشر، ستمثل الانطلاقة الجديدة للحزب في ثوبه الجديد بعد المؤتمر، وستفضي كذلك إلى تحديد آليات تطبيق مختلف لوائح المؤتمر، من خلال المصادقة على النظام الداخلي للحزب، إلى جانب المصادقة على أعضاء المكتب السياسي الذي سيتولى، بإشراف الأمين العام السهر على ضمان حسن تسيير شؤون الحزب خلال العهدة الجديدة. ومن المؤكد، أن مبادرة الأمين العام بتشكيل جبهة وطنية واسعة لمساندة رئيس الجمهورية والالتفاف حول تجسيد برنامجه الجاد والناجع، سيكون لها الأثر البارز على الساحة السياسية الوطنية، ومن نافلة القول إن هذه المبادرة الهادفة، ترمي إلى إشراك كافة أطياف المجتمع بشقيه السياسي والمدني وكذا الشخصيات والكفاءات الوطنية في هذه الجبهة الوطنية، دون اقتصارها على الأحزاب السياسية فقط، مما يبعد عنها خاصية التقزيم وأساليب الإقصاء والتهميش، ذلك أن حاجتنا اليوم إلى هذه الجبهة الموسعة الجامعة بين كل الجزائريين، أضحت ملحة، من أجل صون الوحدة الوطنية في ظل ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية وأمنية، وفي هذا الصدد فإن من مبادئ الحزب، ترسيخ فضائل حب الوطن والتمسك بمقدساته ورموزه، وتعزيز الرغبة في خدمته بما يضمن الاعتزاز بالانتماء للوطن وبما يمثل حصنا منيعا ومتينا ضد ثقافة خطابات اليأس والتشاؤم والانهزامية الصادرة من بعض أطياف الطبقة السياسية، ومن البديهي أن يكون الأفلان بفعل رصيده وتجربته الطويلة وقوته الشعبية في الساحة، قائدا لهذه الجبهة الوطنية وطرفا فاعلا فيها ومؤطرا لها. تتميز المرحلة القادمة بإعادة هيكلة الهيئات القاعدية للحزب، ما هي نظرتكم لها وما السبيل لتجسيدها؟ صحيح أن إعادة هيكلة الهيئات القاعدية للحزب ستكون ضمن أولويات المرحلة القادمة بغية جعلها مطابقة لنتائج المؤتمر العاشر وقانونه الأساسي وتنظيماته ذات الصلة، وفي اعتقادي أن تجديد هذه الهيئات، ممثلة في مكاتب القسمات ومكتب المحافظة، ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة للارتقاء بالنضال الحزبي وتفعيله ليدعم الحزب مكاسبه ويواصل قيادته للمجتمع وريادته للساحة السياسية الوطنية? وفي هذا المجال، سأحرص بمعية الإخوة أعضاء اللجنة الانتقالية لمحافظة سطيف، على توفير كافة الظروف المواتية لعملية التجديد وإعادة الهيكلة، في كنف الديمقراطية والشفافية وأسس الرزانة والرصانة، لنصل إلى هيئات تتماشى والمرحلة الجديدة للحزب، القائمة على عصرنة أساليب التسيير والانفتاح على مختلف الفئات والأوساط الشعبية، والقضاء على المظاهر المقيتة والمشينة التي لطالما ميزت أداء الحزب في مراحل سابقة من مساره، ذلك أن زمن الإقصاء واحتكار المسؤوليات والإبقاء على السلطة الأبوية والأبدية على المناضلين، وغلق الأبواب أمام الشباب والكفاءات من الجنسين، قد ولى إلى غير رجعة، وأهيب في هذا المجال بالمناضلين عبر قسمات المحافظة، إلى الاندماج في هذا المسعى والاحتكام إلى نضجهم السياسي ووعيهم الحزبي، في انتخاب قياداتهم المحلية، بعيدا عن الأهواء الشخصية والتكتلات السلبية، خدمة للمصالح العليا للحزب الذي يستند في مبادئه إلى العديد من الفضائل، بينها نكران الذات والتفاني من أجل خدمة الصالح العام وتهذيب الممارسة السياسية وأخلقة النضال الحزبي وتقويمه والتداول على المسؤولية الحزبية، وسأخضع - قبل غيري- إلى هذه القيم النبيلة لقناعتي الراسخة دائما بضرورة التداول على المسؤولية وعدم احتكارها، مع البقاء في الصفوف النضالية لا خارجه. ثم أن من أولويات المرحلة القادمة، ما يتعلق بانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، سنعمل معا بتضافر جهود المناضلين ومنتخبي الحزب عبر المحافظات الأربع، على الظفر بالمقعد المخصص للولاية. في ظل الرهانات الداخلية والدولية الجديدة، ما الدور المنوط بالأفلان؟ يمثل المؤتمر العاشر انطلاقة جديدة ومحطة مفصلية في مسار الحزب، في ظل ظروف داخلية تتسم بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب أوضاع دولية جديدة تتميز بالتعقيد والأزمات، إن التأكيد على المرجعية الفكرية والتاريخية للحزب، والمتمثلة أساسا في بيان أول نوفمبر 1954 وثوابت الأمة، يعد خاصية بالغة الأهمية في توحيد الخطاب السياسي للحزب، مع العمل على جعله مواكبا للتطورات التي تطال الدائرة الاقتصادية والاجتماعية والمنظومة المؤسساتية للدولة الجزائرية? إن التحديات المستقبلية ذات الصلة بالتنمية البشرية والاقتصادية، تتطلب من الحزب إعداد استراتيجيات دقيقة، يجب أن تبنى على التكفل بالتطلعات المشروعة لمختلف شرائح المجتمع وخاصة تلك المتعلقة بالشباب، كما أن المحافظة على النسق والتماسك الاجتماعيين تعد من أهم متطلبات المرحلة. إن الأفلان وهو يتطلع دائما إلى مواصلة قيادة الأمة وتسيير شؤونها الوطنية والمحلية، يستلزم عليه تطوير أساليب تسييره وعصرنتها، بالإضافة إلى الإصغاء المستمر والدائم لمتطلبات المجتمع المتجددة وبلورتها في برامج قابلة للتنفيذ وكذا للمراجعة كلما تطلب الأمر ذلك.