مازالت المأساة السورية تتمدّد، منذ خرج- قبل أربع سنوات- مراهقون مسالمون، هزّتهم رياح ما سُمِّي آنذاك بالربيع العربي، ينادون بديمقراطية حلموا بها في وطنهم، على غرار ما هو موجود في بلادٍ كثيرة، قد تكون أقل إمكانيات وكفاءات وطموحا من بلادهم،، وتوزّع السوريون- بفضل تحالف الأشرار- إلى موتي في البحار، أو بسلاح حكامهم في بيوتهم وعلى الطرقات، ومُشرَّدين في بعض دول الجوار بفعل تآمر "الأشقاء"، ولاجئين في مختلف دول العالم، بفضل سلام دولي مزيَّف، وبعد كل الدماء التي سالت والأرواح التي سقطت، ما زال الإخوة المتقاتلون- حُكْمًا ومعارضة- بعيدين أن يُحكِّموا عقولهم المُعطَّلة، ويخرجوا من عباءات مَن جعلوهم أوصياء عليهم بدون حق، سواء كانوا من أولئك الذين غوّلوا عليهم الإدارة الصهيونية، من خلال إغراقها بالسلاح، أو من أولئك الذين موّلوها بالعنصر البشري الذي يُعَدّ أكثر إضرارًا بالعرب والمسلمين. إذا كان النظام الحاكم في سوريا، هو أول مَن أشعل الحرب الظالمة على نفسه، من خلال الرد غير الحكيم، الذي أفرط به في استعمال العنف المشروع للدولة، حتى تحوّل إلى قمع مقيت، فإن دولا عربية "شقيقة" أرادت أن تدخل نادي العظماء، على ظهر الشعب السوري المجروح، فأقامت حلفا شرِّيرًا جمع بين الخصوم الدينيين، وأعداء الإنسانية، وأرباب المال، ممّن لا صديق لهم إلا مصالحهم الحيوية، وكلما ارتفع صوت المطالبين بالديمقراطية، زاد المتآمرون في تأجيج الصراع، وزاد معه إصرار النظام، على رفض أيِّ تحوّلٍ قد يوحي بانهزامه، حتى ولو بقي بلا سيادة، فضاعت سوريا في الحسابات الخاطئة. لقد اختلقت الدول العازمة على إعادة تشكيل الشرق الأوسط، ممّن يظنون أنهم حُماة الأخلاق الإنسانية، وأن الله بعثهم لتمدين العالم، كثيرا من الجيوب الدينية المقاتلة والمتقاتلة، في واحدة من أشرس التطاحنات الدينية، وعملت على رفْع وتيرة تطرّف كل جيب، لتضرب مجموعة من العصافير: الإطاحة بنظامٍ تعده من الأنظمة المارقة، وآخر قلاع »الممانعة«، تشويه صورة الدِّين الإسلامي، وتنفير الناس منه، بعدما شهد إقبالا لافتًا من طرف بعض النخب، من الديانات الأخرى، ثم تقسيم ما قسّمه سايكس وبيكو، كي يستجيب للحاجيات الغربية المستجدّة، ويلبِّي الحاجات التاريخية الأيديولوجية القديمة، ويبدو أن كل هذه الأهداف وغيرها، هي في طريقها إلى التحقيق بأقل تكلفة، نتيجة الغباء المُركَّب في عقول الحكام العرب والإسلاميين . يكون الروس قد اغتاظوا من انفراد أمريكا بالمسألة السورية، وأحسوا أن سقوط نظام الأسد أو استبداله، سيعمل على تحجيمٍ أكثر لروسيا، التي تمّ تطويقها بدول »الرٍّدَّة« الأيديولوجية، التي مسّت تلك الدول التي كانت تسير في فلك الاتحاد السوفييتي، الذي ورثته عن حقبة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، فاتخذوا قرارهم بالدخول إلى ميدان الحرب بقوة، ولا يهم أن يُقاسِموا الغرب، تدمير ما بقي من سوريا، والقضاء على كل متحرِّكٍ خارج قصر الرئاسة، فهم يريدون أن يحجزوا مكانًا لهم على أنقاض الباقي من هذا البلد، الذي فقد في أربعة أعوام فقط رُبُع سكانه، إذن فروسيا وأحلافها، كما هي أمريكا وأتباعها، يراهنون على سلامٍ زائف، يتميّز بتدمير المُدمَّر وتشريد المُشرَّد وتهجير المُهجَّر وقتْلِ المقتول، وربما ينجح هؤلاء وأولئك، في تفكيك تلك الجغرافيا التي قاومت القضم على مر السنين، وجعْلِها مقاطعات قابلة للاشتعال متى أرادوا . العرب- كحضارة وليس كَسُلالة- أُكِلوا يوم أُكِل الثور الأبيض، بدأوا في التّدحرج نحو الهاوية، حينما أشعلوا نار الفتنة، بين عراقٍ ازدهرت فيه العلوم والمعارف، وبدأ يتبيّن طريقه خارج التخلّف، وبين ثورةٍ إسلامية فتيّة إيرانية، أسقطت شاها كان دركيّ الغرب الكولونيالي، وقامعا للطموحات العربية في الحرية والتطوّر، فأسقطوا الاثنين معا، وراحوا يؤجِّجون الحرب في العراق، ولم يهنأ لهم بال حتى جعلوه محتلا، وقد شاركوا في تدميره وإعادته إلى ما قبل التاريخ، غير أنهم إلى حدِّ الساعة، لم يحسوا أن النار التي أشعلوها، ونقلوا شرَرَها إلى بقية الدول العربية، ستأتي على مَن بقي منهم "آمنًا" اصطناعيا عاجلا أو آمنًا، وقد يكون حكام العواصم العربية، أكثر إجرامًا في حق تاريخهم، وحق أمتهم، وحق أجيالهم، ربما أكثر من أعداء شعوبهم التاريخيين أنفسهم.