يتحدث جمال بن عبد السلام رئيس جبهة الجزائر الجديدة في هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار" عن دوافع انسحابه من حركتي النهضة والإصلاح وظروف تأسيس حزبه الجديد، كاشفا في الوقت نفسه عن موقفه من مبادرة حزب جبهة التحرير الوطني، كما تطرق بن عيد السلام إلى مستجدات الساحة السياسية والإقليمية، مؤكدا على بعد النظر الذي تمتعت به الدبلوماسية الجزائرية في تعاطيها مع ما سمي ب "الثورات العربية". بداية حدثونا عن دوافع وظروف تأسيس جبهة الجزائر الجديدة؟ تأسست جبهة الجزائر الجديدة على ضوء الانفتاح السياسي الذي أعقب إصلاحات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في سنة 2012، من طرف مجموعة من الوطنيين المخلصين، وكان الدافع لذلك مجموعة مسائل أهمها، ما لاحظناه من قصور في بعض الأحزاب الموجودة في اعتماد مرجعية وطنية جزائرية شاملة ومتكاملة، فهناك من رأيناه يتبنى البعدين الإسلامي والعربي مهملا البعد الوطني الأمازيغي، كما رأينا آخرين يتبنون البعد الأمازيغي ويهملون البعد الوطني الإسلامي. ولذا رأينا أن الأحزاب الوطنية مهما كانت توجهاتها لا بد أن تبني نفسها انطلاقا من المرجعية الجزائرية بجميع مكوناتها. كما رأينا أن الطبقة السياسية الكلاسيكية التي كانت في الحزب الواحد والتي ترسمت على ضوء دستور 1989 قد تآكلت بفعل عوامل كثيرة. ومن هذا المنظور رأينا أن الساحة في حاجة إلى جيل جديد ودم جديد من رجال السياسة لتفعيل الساحة ومواكبة المتغيرات والمستجدات الطارئة، كما ظهر آنذاك أن الساحة تحتاج إلى أحزاب تتمتع بالواقعية السياسية أكثر منها إيديولوجية. نفهم أنكم تبنيتم مرجعية وطنية وقومية متكاملة الأبعاد؟ بالطبع، وذلك من خلال استكمال تبني جميع أبعاد المرجعية الوطنية، فأنا كمواطن لا يمكنني إلا أن أكون مسلما وجزائريا وعروبيا وأمازيغيا وإنسانيا، وإلا كيف أكون جزائريا بدون هذه الأبعاد التي تشكل أسس وأركان الشخصية والهوية الوطنية، فقد كنا في أحزابنا السابقة نركز أكثر على البعد الإسلامي وقد لاحظت ضمور الأبعاد الأخرى بدرجات متفاوتة، ولذا كان لزاما علينا ردم هذه الهوة وسد هذه الثغرة. هل تعتقد أن استبعاد الأحزاب الإسلامية للأبعاد الأخرى التي تكلمتم عنها هو سبب تراجعها في الساحة السياسية؟ التراجع يحمل أسبابا كثيرة، أدت بالتيار الإسلامي إلى التراجع في بعض المواقع، بعضها ذاتي والبعض الآخر من إكراهات الواقع، ومن بين الأسباب الذاتية عدم استيعاب المرجعية الوطنية بجميع أبعادها وتبنيها بصدق ووضوح وبعيدا عن ازدواجية الخطاب السياسي. هل يمكن أن تكشفوا لنا أسباب انسحابكم من حركتي النهضة والإصلاح؟ انسحابنا من حركة النهضة كان لأسباب سياسية بحتة، وذلك بعد أن مالت الأغلبية داخل الحزب إلى فكرة ما سموه آنذاك »الشراكة السياسية مع السلطة« والذي أنبنى عنه دعم الرئيس بوتفليقة، فقد كنا نرى أن حزبا أو تنظيما له 25 سنة من الممارسة السياسية لا خيار له إلا تقديم مرشح للرئاسيات وإرجاء موضوع التحالفات إلى الدور الثاني. أما في حركة الإصلاح فقد قررت أن أعيش قناعاتي الفكرية والسياسية والفكرية، بعيدا عن حزب له مرجعيته وله رصيده وله اصطفافه، لأن القضايا التي لي عليها مآخذ ليست جزئية ولا شكلية، ومنها كما أسلفت موضوع المرجعية. كيف تعلقون على الحراك السياسي الذي تشهده البلاد حاليا؟ المشهد السياسي يمر بمخاض وبتحولات ولا شك أنها تترك إفرازات على شاكلة ما نرى ونشاهد من تراشق إعلامي وتدافع سياسي، فمنظومة الحكم التي استمرت منذ توقيف المسار الانتخابي والى غاية اليوم وجدت نفسها أمام تحديات ومستجدات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية يصعب التكيف معها والاستمرار في نفس القوقعة والانغلاق على الذات، حيث أن في مراحل التحول تظهر الهزات والارتدادات، بعضها عنيف والبعض الآخر ضعيف، ريثما تستقر الأمور على خيار جديد يكرس في الساحة السياسية. كيف تنظرون إلى مشروع تعديل الدستور؟ تعديل الدستور حتمية يفرضها المرور إلى خيار سياسي، ولكن ما لم يتضح إلى حد الآ هو أي خيارات تسلكها الجزائر لنعرف ما هي طبيعة الدستور الملائمة والمستوعبة لهذا الخيار. وما نتطلع إليه هو وضع دستور للدولة الجزائرية، دستور لا يتأثر بالظروف الآنية ولا بالتغيرات المرحلية، دستور يكرس دولة الحقوق والحريات والعدالة والكرامة، يرتكز على الثوابت الوطنية وقيم الشعب الجزائري، ويهدف إلى بناء نظام سياسي جمهوري ديمقراطي مدني ويسمح للجزائريين بأن يواصلوا مسعى بناء دولة قوية مستقرة مهابة الجانب، ولها مكانتها الإقليمية والدولية في هذا العالم الذي لا يرحم الضعفاء. شهدت الساحة السياسية عديد المبادرات، بينها مبادرة الجبهة الوطنية التي أعلن عنها الأفلان، هل تلقيتم دعوة للانخراط في هذا المسعى، وكيف كان ردكم؟ تعدد المبادرات في الساحة السياسية قرينة قوية والجزائر بحاجة إلى مبادرة سياسية جادة وعميقة وشاملة ومانعة تجمع الجزائريين بكل مكوناتهم وتوجهاتهم على مشروع وطني طموح يحقق تطلعات الشعب الجزائري وينأى بالجزائر عن المؤامرات والمخاطر والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية. أما بخصوص مبادرة حزب جبهة التحرير الوطني فقد اتصل بنا إخواننا من قيادة الأفلان وأرسلوا إلينا هذه الوثيقة وقد كلفنا أعضاء من المكتب الوطني بدراستها، وقد خلصنا إلى مجموعة ملاحظات ايجابية، ولدينا بعض الملاحظات التي نرى أنه يجب تداركها ومعالجتها وقد عرضنا هذا الأمر على الأخ الأمين العام للأفلان عمار سعداني، ونحن بصدد إرسالها إليهم. لكن بعض قادة الأحزاب تهجموا على المبادرة، في صورة رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، ما تعليقكم؟ أي مبادرة من الناحية المبدئية »سلطة أو معارضة أو من أحزاب الموالاة« ستجد من يقبلها ومن يرفضها، ونحن في جبهة الجزائر الجديدة أمنيتنا أن يتم ذلك في إطار قواعد الاحترام واللياقة والدبلوماسية، بعيدا عن السلوك الذي يعمق الخلافات بين أبناء الجزائر خصوصا ونحن نمر بهذه الظروف جد الحساسة. ما موقفكم من مجموعة ال "19-4"؟ من الناحية المبدئية يحق لكل مواطن مراسلة رئيس دولته ويطلب منه اللقاء، لكن ما أثار دهشتنا وجود بعض الأعضاء في هذه المجموعة كانوا إلى وقت قريب يتحدثون باسم الرئاسة وباسم قيادة الأركان دون تفويض من المؤسستين، وبقدرة قادر تحول هؤلاء في زمن قياسي إلى مطالبين بملاقاة رئيس الجمهورية للكشف عن حالته الصحية ومدى قدرته على أداء مهامه، وهم من ظلوا يهاجمون ويخونون كل من كان يطالب الرئيس بذلك، وهؤلاء يصدق فيهم قول الشاعر »لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم«. من تقصدون تحديدا؟ أفصد السيدتين لويزة حنون وخليدة تومي. ما قراءتكم لرسالة الجنرال توفيق؟ الفريق محمد مدين أحس بواجب التكلم والدفاع عن مساعده الجنرال حسان الذي حوكم في المحكمة العسكرية، ويبقى مضمون الرسالة فانا شخصيا لا أملك المعطيات لأحكم على الجنرال حسان إن كان ظالما أو مظلوما. لكن الرسالة صنعت جدلا سياسيا وإعلاميا كبيرا؟ بالفعل رسالة الفريق توفيق تركت آثارها، وكانت لها ردود فعل كثيرة، بعضها مؤيد والبعض الآخر مستنكر، ولكن أخطر أثر للرسالة هو حالة الخوف التي انتشرت بين المواطنين على خلفية أن الرسالة التي جاءت من شخصية كانت مؤثرة على الحكم مؤشر على صراع محتدم بين أجنحة السلطة وهذا يشكل في حد ذاته نوعا من الخوف إلى انزلاق لا قدر الله. والشعب في عمومه لا يريد العودة إلى سنوات الدماء والدموع ولا يريد أن يرى مشاهد الاقتتال التي يشاهدها في بلدان عربية كثيرة. ما تعليقكم حول ما سمي ب "الربيع العربي"، خاصة وأنكم أبديتم موقفا مساندا لنظام يشار الأسد؟ نظرتنا ليست من منطلق هوى في نفس وإنما قراءة لما سمي "الربيع العربي"، فقد كنا متحفظين بعد الثورة التونسية مباشرة وأنا أعني الأزمة الليبية. لأن ما نريده هو انتقال ديمقراطي وإصلاح سياسي واقتصادي سلس وهادئ ونكون نحن الفاعلين الحقيقيين في الميدان أنظمة وشعوبا. أما وقد دخلت على الخط قوى الاستعمار والمشروع الصهيوني وأصبح هنري ليفي الصهيوني عراب الثورات العربية وأصبحت دول تفقد لأبسط قواعد الممارسة الديمقراطية، عندئذ لابد من وضع عشرات علامات الاستفهام حول هذه الثورات. وأخطر شيء حدث خصوصا في ليبيا وسوريا هو انزلاق ما سمي بالثورات إلى العنف والعمل المسلح والإرهاب وتدخل قوى الناتو مباشرة، عندئذ لا يمكننا أن نستبشر خيرا بثورات مسلحة ويدعمها الغرب الاستعماري وإسرائيل. إذن، أنتم مع المقاربة الجزائرية التي تتبنى لغة الحوار لحل الأزمات الأمنية؟ مقاربات الجزائر لما حدث في المنطقة هي مقاربة نموذجية وتعبر عن بعد نظر وعن نضج سياسي وإدراك لمآلات الأمور، فكل انخراط في مسعى المواجهة المسلحة في المنطقة العربية هو خدمة جليلة للمشروع الصهيوني. نحن لا ننكر وجود أنظمة استبدادية وخلافات بين مختلف القوى السياسية في الوطن الواحد، لكن لا نرى لها حلا إلا عبر الحوار الداخلي وبمساعدة عربية وإسلامية وأممية، فخارج هذا الخيار هو الخراب والدمار، هو الدماء وهو الأشلاء وهو ما لا نرضاه لا للجزائر ولا لأشقائنا العرب. إلى ماذا تتطلع جبهة الجزائر الجديدة؟ جبهة الجزائر الجديدة ترى بأن الظروف التي تمر بها البلاد صعبة وخطيرة بجميع الأبعاد، تتطلب من كل الوطنيين الشرفاء والنزهاء الالتفاف والتعاون والتعاضد سواء أكانوا في السلطة أو في المعارضة لإيجاد مخرج وطني عبر حوار سياسي جاد يفضي إلى التوافق على مشروع وطني استراتيجي نتعاون فيه إلى غاية الخروج من هذه الوضعية ونحافظ به على إنجاز آبائنا الشهداء والمجاهدين وننطلق به إلى جزائر جديدة. أما على صعيد الأمة العربية فأدعو كل الدول العربية إلى تبني المقاربة الجزائرية إذا كان الهدف فعلا هو البحث عن مصلحة الشعب العربي، وإلا فان كل الخيارات الأخرى مدمرة وتتركنا نواصل حرب داحس والغبراء في القران الواحد والعشرين.