باتت الجزائر قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أبرز إنجاز كروي في تاريخها الحديث بعد سنوات طويلة من الإخفاق والمعاناة، إذ لم تعد تفصلها سوى مباراة واحدة لتذوق حلاوة المشاركة في نهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، إضافة إلى فرصة احتلال أفضل مرتبة لمنتخب محاربو الصحراء في تاريخ تصنيف الفيفا. ويتصدر الجزائريون مجموعتهم الثالثة في التصفيات المؤهلة لمونديال جنوب أفريقيا، إذ يتقدمون على المنتخب المصري بفارق ثلاث نقاط، وسيدخل أبناء المدرب رابح سعدان موقعة القاهرة اليوم وهم يدركون جيداً أن مصيرهم مازال بين أيديهم، وذلك أنهم سيحجزون بطاقة التأهل إلى أول عرس كروي عالمي في القارة السمراء وقد بلغ محاربو الصحراء هذه المرتبة بعد مشوار حافل ضمن مرحلة التصفيات الأفريقية، مما جعل الفريق يتسلق درجات سلم الترتيب العالمي بسرعة البرق، حيث ارتقى بما لا يقل عن 15 مركزاً في تصنيف الفيفا ليجد نفسه بين الثلاثين الأوائل باحتلاله المركز التاسع والعشرين، وهو أفضل إنجاز في تاريخ كرة القدم الجزائرية حتى الآن. وجاء هذا الصعود الباهر بفضل انتصارين تاريخين خلال آخر معركتين خاضهما أبناء سعدان، حيث تغلب رفاق كريم زياني على زامبيا في سبتمبر وفازوا على رواندا في أكتوبر الأول، مما جعل الفريق يواصل تربعه بثبات على عرش المجموعة. ويعود تاريخ آخر مشاركة مونديالية لنجوم الجزائر إلى دورة المكسيك 1986، مما يعني أن التأهل إلى نهائيات جنوب أفريقيا سيشكل نهاية عقدين من الإحباط والاكتئاب، لاسيما وأن الفريق فشل في التأهل لآخر دورتين من نهائيات كأس الأمم الأفريقية. وبالرجوع إلى سجل منتخبنا الوطني ، نجد أن الخضر أحرزوا اللقب القاري عام 1990 عندما استضافوا البطولة على أرضهم وبين جماهيرهم، ثم واصلوا تألقهم بشكل مثير للإعجاب لينهوا موسم 1993 في المركز الخامس والثلاثين ضمن تصنيف الفيفا العالمي، لكن الفريق تعرض لانتكاسة بعد أخرى منذ تلك الفترة، ليتراجع بشكل مهول على سلم الترتيب الدولي، إلى أن انتهى به الأمر في المركز 88 بحلول عام 1999 قبل أن يتهاوى بشكل كامل العام الماضي ليجد نفسه خارج نادي المائة الأوائل في جوان 2008. لكن سرعان ما استرجع أبناء الجزائر عافيتهم، فعادوا إلى الساحة العالمية بقوة خلال الموسم الحالي، معلنين بذلك عن ميلاد نهضة كروية جديدة أعادت إلى الأذهان أيام المتألق رابح ماجر والأسطورة لخضر بلومي. وشاءت الأقدار أن تكون الانتفاضة الجزائرية على يد المدرب الداهية رابح سعدان الذي قاد المنتخب الوطني في آخر ظهور مونديالي له، عندما شارك بنهائيات المكسيك 1986 ومن المؤكد أن المدير الفني وجد لاعبين من نوع خاص في تشكيلة 2009 مقارنة مع تلك التي خاض بها منافسات كأس العالم قبل 23 سنة، فبينما كان نجوم الفريق آنذاك يتألقون في الدوري المحلي مع أندية العاصمة ومنطقة القبائل وغيرها، فإن المنتخب الحالي يعتمد بشكل كبير على لاعبين دوليين. صحيح أن لاعبين أمثال كريم زياني وعنتر يحيى وجمال عبدون ورفيق جبور ينتمون إلى بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة تماماً عن بيئة الجماهير العريضة التي يمثلونها، وهذا الاختلاف الثقافي واللغوي والاجتماعي كان يسبب بعض المشاكل على مستوى التواصل والتفاهم بين أعضاء الفريق ومحيطهم، إلى أن جاء سعدان بحكمته وفطنته، فجلب معه مفاتيح النجاح الكفيلة بفك جميع الألغاز وتذويب كل الفوارق، فكانت النتيجة أن بلغ المنتخب الجزائري أعلى المراتب وحقق أفضل النتائج في وقت وجيز. وها هي الجزائر اليوم تجد نفسها على موعد مع التاريخ بعدما عاشت في الظل لسنوات طوال، إذ شد أبناؤها الرحال إلى القاهرة وكلهم عزيمة وإرادة للعودة بتذكرة العبور إلى العرس الكروي العالمي.