المشادات الكلامية لا تتوقف، وسائل الإعلام تنقل لنا جدلا حول الثورة، وتفتح الباب أمام مسؤولين سابقين لتبادل الاتهامات بخصوص مرحلة التسعينيات، هذا يحدثنا عن حزب فرنسا المتجذر في دواليب الحكم، وآخر يخبرنا بمهمة تقشير البطاطا والجزر التي كان يتولاها جنرال متقاعد أثناء الثورة، ومعركة قضائية أخرى بين جنرالين متقاعدين قد تتصدر نشرات الأخبار في القنوات الخاصة، والصفحات الأولى للجرائد لوقت طويل. الحياة السياسية في الجزائر تعاني من ركود تام، والأزمة الاقتصادية التي كان يفترض فيها إثارة نقاش وطني جاد حول الوضع القائم، والخيارات الممكنة لتصحيح الاختلالات على مختلف المستويات، أنتجت لنا هذا الهروب نحو الماضي، القريب والبعيد، واختارت وسائل الإعلام التهريج والبحث عن الإثارة بدل الاهتمام بالقضايا الحقيقية التي تهم المواطن. لا أحزاب سياسية تنشط على الأرض، ولا وسائل إعلام جادة تعالج قضايا المجتمع، وكل ما بقي لنا هو متابعة نشاطات المشعوذين الذين ينتحلون صفات كثيرة، فمنهم من يقدم نفسه على أنه عالم دين، ومنهم من يلبس لباس رجل السياسة، ومنهم من يدعون أنهم كانوا في فترة ما صناع تاريخ، أو رجال دولة. في النهاية صارت لنا حروبنا التي تجري على صفحات الجرائد وفي استديوهات القنوات الخاصة، حروب كلامية حافلة بالشتائم ولا نستفيد منها شيئا، في تعوم الحقائق، وتشوه الوقائع، وتتعامل معها بمكر، وتجعل التاريخ في خدمة الشخص أو العصبة التي يتحدث باسمها ويدافع عنها، وبعد حين يكتشف الناس أن كثيرا من الوقت قد ضاع، وأن البلاد تغرق في مزيد من الفوضى، وأن المستقبل رهنته قرارات اتخذت في غفلة من ملايين الجزائريين. ما الذي استفاده الجزائريون من الحرب القضائية التي وضعت، قبل أكثر من عقد ونصف، خالد نزار في مواجهة الراحل علي كافي، وما الذي خرج به الجزائريون من تبادل الشتائم بين نزار ومحمد عطايلية، بل من منا يذكر تلك المواجهات الآن؟ نفس المصير ستنتهي إليه المعركة الحالية بين محمد بتشين وخالد نزار، وكلام عبد الحميد براهيمي وعبد السلام بلعيد وغيرهما عن حزب فرنسا لا يمكن أن يقدم أي خدمة للجزائر اللهم إلا إضاعة مزيد من الوقت في الدجل الذي يزحف على حياتنا ويجعلها بلا معنى.