الحرب في سوريا ستستغرق مزيدا من الوقت، والمفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وكل ما يقال عن أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد أمام أطراف النزاع مجرد كلام للاستهلاك يقذف به ممثلو القوى التي تحارب فعليا في وجوه الصحافيين. صحيح أن مصير أي حرب هو المفاوضات، وصحيح أيضا هو أن المفاوضات ليست إلا انعكاسا لموازين القوى التي فرضتها الحرب على الأرض، فالذين يقاتلون ويسيطرون على الأرض هم المفاوضون الحقيقيون، ومن غير المتوقع أن تقبل المعارضة المسلحة في سوريا التفاوض في هذه الفترة بالذات والجيش السوري وحلفاؤه يحققون مزيدا من التقدم على الأرض، ويفرضون واقعا جديدا. السعودية تقول إنها مستعدة لإرسال قوات برية إلى سوريا، وليس غريبا أن يأتي هذا التصريح متزامنا مع الإعلان عن انهيار مفاوضات جنيف، فلابد من عمل عسكري يعيد بعض التوازن حتى تستطيع الأطراف الأخرى أن تجلس إلى طاولة المفاوضات، فالمتقدم على الأرض هو من يملي شروطه، وخطوط التماس في الميدان هي التي ترسم حدود أي اتفاق سياسي اليوم أو غدا. الخلاصة الأولية لما يجري تدفع إلى الاعتقاد بأن الحرب سيطول أمدها، وأن الحل السياسي لن يأتي غدا، والإشارات الروسية إلى إمكانية تدخل تركيا بريا شمال سوريا، توحي بأن فصولا جديدة ومثيرة من المواجهات بين القوى المتورطة في الحرب السورية تنتظر الشعب السوري. في الأثناء تشير التقديرات إلى أن الحرب السورية كلفت إلى حد الآن حوالي 35 مليار دولار، ويضاف إليها شرخ عميق بين مكونات الشعب السوري لا يمكن تجاوزها، وكل ما أمكن تقديمه لملايين السوريين في الداخل، الذين أطبقت عليهم الحرب، هو وعود بمساعدات إنسانية قد تصل قيمتها تسعة مليارات، والوعود قد تبقى وعودا إلى الأبد كما كان مصير كل التوصيات التي أفضت إليها مؤتمرات المانحين التي خصصت في السابق لفلسطين، والعراق، وليبيا، وغيرها من الدول المنكوبة بالحروب. الذين اختاروا الحرب بديلا لا يهمهم مصير الشعب السوري، والذين يواصلون اليوم التعويل على الخيار العسكري يصرون على التقدم على طريق الخراب الذي لن يترك أي أمل في الحفاظ على الكيان السوري موحدا، وبعد هذا كله سيصبح كل نصر عسكري مجرد وهم.