أخيرا اكتشفت القوى الكبرى أنها متفقة على الطريق الذي سيؤدي إلى إنهاء الصراع الدموي في سوريا، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع ينص على وقف إطلاق النار وبدأ مباحثات سلام بين حكومة دمشق والمعارضة بهدف التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ستة أشهر، وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأممالمتحدة خلال سنة ونصف. قد تبدو الخطوات التي تضمنها قرار مجلس الأمن صعبة التجسيد، لكنها تمثل إعلانا بالإجماع على أن الحل الوحيد يجب أن يكون سياسيا، وهذا في حد ذاته تحول كبير بيد أنه جاء متأخرا، فالحرب مر على اندلاعها قرابة خمس سنوات، وخلفت إلى حد الآن 250 ألف قتيل وملايين المتشردين واللاجئين في الداخل والخارج، فضلا عن دمار تام في البنى التحتية، وشرخ طائفي لا يمكن تجاوزه بسهولة. كاتب الدولة الأمريكي جون كيري يقول بأن هناك تطابقا بين الموقفين الأمريكي والروسي حول سوريا رغم أن الخلاف حول مصير الرئيس الأسد لا يزال قائما، ولا نعرف كيف حدث هذا التطابق، لكن المؤكد أن ثمنه كانت هذه الدماء التي سفكت، وهو مصير هذه البلاد الذي صار محل استفهام كبير، ولعل التدخل العسكري الروسي أعطى إشارات باستحالة حسم الصراع عسكريا. الآن صدر قرار مجلس الأمن، وهذا لا يعني أن الخطة سيتم تنفيذها حسب الجدول الزمني الذي يحدده القرار، فالصراع سيطول، وستستمر الحرب التي هي وسيلة التفاوض الأساسية، ولا يعني استبعاد داعش والنصرة، باعتبارهما تنظيمين إرهابيين حسب القرار، من المفاوضات، أنهما لن يجدا دولا تقدم لهما الدعم المالي والسلاح لمواصلة الحرب، ولعل التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد الإعلان القرار، وما تعلق منها بمصير الأسد خاصة، تؤكد أن المفاوضات الحقيقية تجري على الميدان وبلغة السلاح. الثمن سيدفعه السوريون وحدهم، فمنهم سقط القتلى، وتشرد الملايين، وببلدهم لحق الدمار، أما الآخرون الذين كانوا يدفعون المال ويقدمون السلاح لإشعال الحرب، فلن يلتفتوا إلى مستقبل سوريا، لأن الذي يهمهم هو هذه التوازنات التي ترسم خططا على الورق قبل أن تتحول إلى دم ونار تأكل شعوبا أخرى قدر لها أن تكون وقودا لحروب الهيمنة التي يخوضها الكبار.