تكشف الحرب الدموية في سوريا عن مزيد من التناقضات، فقد اعتبر وزير الخارجية الأمريكي مثلا أن القصف الروسي تسبب في سقوط كثير من المدنيين، وهذا يكفي للمطالبة بوقف الغارات، ومن الغريب أن يأتي هذا التنبيه من الأمريكيين وهم الذين قتلوا أكبر عدد من المدنيين في مختلف الحروب التي خاضوها، وحتى لا نعود كثيرا إلى الوراء فإن الحرب على العراق وأفغانستان شهدت مجازر أمريكية في حق المدنيين، وحتى الغارات التي تشنها الطائرات الأمريكية من دون طيار في مناطق مختلف من العالم لا تستثني المدنيين. الإعلام بدوره يواصل تغطيته المنحازة لما يجري في سوريا، فالحديث عن المآسي الإنسانية لا يكون إلا في اتجاه واحد، ولا تصبح هذه القضايا مهمة إلا عندما يتقدم الجيش السوري وحلفاؤه كما يحدث في حلب الآن، وحتى الحديث عن حصار بعض المدن والقرى يتم تناوله بشكل منحاز وغير موضوعي فيتم إغفال القرى التي يحاصرها طرف آخر. الانتهاكات ترتكب من كل جانب، وأطراف الصراع كلها متورطة في قهر المدنيين وقتلهم وإرغامهم على النزوح، وفي حصارهم وتجويعهم واستعمالهم ورقة ضغط في صراع لا يعنيهم، لكن هناك طرف يملك المال ووسائل الإعلام والنفوذ هو الذي يسوق الصورة التي يراها في صالحه. إن المفارقة العجيبة في الحرب الدائرة في سوريا هي أن الذين دعوا إلى استعمال السلاح، وروجوا لأكذوبة قرب انهيار الجيش السوري، ووعدوا المعارضة بدعم عسكري ومالي حاسم يعجل بسيطرتها على البلاد، وبعد أكثر من خمس سنوات على بدء الحرب لا يزال هؤلاء يهللون للنصر العسكري للمعارضة حينا، وينددون بقتل الجيش السوري وحلفائه للمدنيين أحيانا كثيرة كما يحدث في هذه الأيام حيث تختزل الحرب كلها في نزوح سكان حلب نحو تركيا. لا وجود لحروب نظيفة، وكان من المفروض أن يتوقع الذين حرضوا على الحرب هذه المآسي الإنسانية، وما يجري يقتضي محاسبتهم، خاصة وأن سجلهم في خرق حقوق الإنسان أسود، والأمر هنا يتعلق أولا بأمريكا وأتباعها، كما يتعلق بكل من استهدف مدنيا.