رحل الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل بعد مسيرة طويلة في الصحافة، حصد الإجماع على كونه من رموز الصحافة في البلاد العربية، ولأنه كان رجل سياسة أيضا فقد تباينت المواقف منه، خاصة وأن الرجل ظل يبدي رأيه وموقفه من قضايا ساخنة تركها مفتوحة ورحل. كتب هيكل قبل عقود كتابه بين الصحافة والسياسة، وقد تحول هو نفسه إلى رمز لذلك الصحافي الذي وضعته ظروفه بين الصحافة والسياسة، سواء عندما تولى رئاسة تحرير الأهرام التي كانت ولا تزال صحيفة حكومية، أو عندما كلفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بوزارة الإرشاد القومي، وفوق ذلك عندما انبرى للدفاع عن المواقف المصرية انطلاقا من قناعته بأنه ينهض بواجب قومي. بعد ممارسة صحافية امتدت على ستة عقود يرحل محمد حسنين هيكل الذي اعتزل الكتابة قبل أكثر من عقد، لكنه ظل متابعا للأوضاع في بلده، وفي البلاد العربية والعالم أجمع، وقد شارك في النقاشات التي ثارت حول التحولات التي تشهدها المنطقة، وأثار غضب البعض وإعجاب البعض الآخر، لكنه يرحل دون أن يفك تلك العقدة التي تربط الصحافة بالسياسة، بل يكون قد ساهم في استحكامها من خلال تجربته الشخصية. اليوم تبدو الصحافة العربية أكثر انقساما من أي وقت مضى، ففي عصر الفضائيات والإعلام الإلكتروني صار من الصعب القبض على شيء من الحقيقة، والتنقل بين محطات تلفزيونية، أو مواقع إلكترونية صار يشعرنا أن الخبر الواحد يأخذ أبعادا متناقضة حتى ضاعت الحقيقة بين وجوه كثيرة ومتناقضة، ومن المفارقات العجيبة أن هيكل الذي تحول إلى مرجع مهم في تحليل الوضع السياسي العربي تحول إلى مادة للفضائيات التي صارت تتسابق للاتفاق معه على تقديم برنامج عبر شاشاتها، وقد كانت التجربة فاشلة وحافلة بالدروس والعبر، وحتى خبر وفاة هيكل انتهى إلى تلك المعالجة الذاتية التي تعكس موقف كل جهة من الرجل، أو ربما رد تلك الجهة على ما صدر من هيكل من مواقف اتجاهها يوم كان حيا. رحل الهيكل والعرب لا يملكون وسيلة إعلام يمكن أن تدافع عن وجهة نظرهم، أو تمثل مصالحهم، أو حتى تقدر على تمثل أحلامهم، فكل ما بقي على الساحة أدوات حرب يوجهها بعض العرب إلى بعض، ويسخرونها في كثير من الأحيان في خدمة مصالح غيرهم. رحم الله هيكل، وعظم الله أجر الصحافة في فقيدها الكبير.