نقرأ أحيانا بعض التصريحات السياسية وبعض الكتابات الإعلامية، تصدر من نفس النبع الذي عارض تعديل الدستور، تركز على ضرورة تعديل حكومي تماشيا مع روح الدستور، وراحت تخلق منها أزمة. إن الدستور الجديد ينص فعلا على ضرورة استشارة الأغلبية البرلمانية من طرف رئيس الجمهورية لتعيين الوزير الأول، هذه الإستشارة تعمل بعض الأطراف على استغلالها لتفريخ أزمة وهمية. والحقيقة أن المادة 77 جاءت لتصحيح وضع لم يكن سويا، فالدستور السابق لم ينص على كيفية اختيار أو تعيين الوزير الأول، فحدث أن تم تعيين وزير أول يبلغ عدد نوابه ثلث عدد نواب حزب الأغلبية البرلمانية وهي جبهة التحرير الوطني، وبالتالي لم يكن ذلك منطقيا حتى لو كان النظام الجزائري رئاسيا وليس برلمانيا، وكان ممكنا لنواب الأغلبية تعطيل عمل الحكومة، بمعنى إدخال البلاد في أزمة على طريقة أزمات الحكومة في الأنظمة البرلمانية، ولاحقا حدث ذلك فعلا عندما هدد نواب جبهة التحرير بتوظيف "ملتمس الرقابة على الحكومة" وأدت إلى استقالة الوزير الأول أحمد أويحي. فالمفروض سياسيا ومنطقيا أن الحزب أو "التكتل" الذي يملك الأغلبية في البرلمان تتم استشارته في تعيين الوزير الأول على الأقل. لابد من الإقرار أن السيد عمار سعيداني هو أول من جهر بصوته ضد تعيين الوزير الأول من الأقلية البرلمانية، ولقي صوته آذانا صاغية من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتم الأخذ بها في تعديل الدستور. بل كان عمار سعيداني هو من رجح الكفة لصالح "ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية" وكان هنالك تجاوب مع الرئاسة ومع مختلف الفعاليات السياسية. بعض المنتقدين للتعديل الدستور يقولون أن بوتفليقة لم يأخذ باقتراح سعيداني لأن نص التعديل لم يقل بتشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، بل باستشارة الأغلبية البرلمانية في تعيين الوزير الأول. يبدو لي أن هذا هو الأصح لأنه في حالة تعيين الحكومة من الأغلبية البرلمانية نكون قد دخلنا في نظام جديد هو نظام برلماني أو شبه برلماني، وهو نقاش آخر عن مدى صلاحيته للجزائر. حاليا، تم تصحيح الوضع بالشكل الذي رآه المشرّع، والأغلبية البرلمانية حاليا تميل لصالح حزب جبهة التحرير الوطني على اعتبار أنه يحتل المرتبة الأولى في البرلمان من حيث عدد النواب، لذلك بات منطقيا أن يستقبل رئيس الجمهورية الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني لاستشارته، بدون أن ننسى أن الرئيس بوتفليقة هو أيضا رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، بمعنى أنه يستطيع الإبقاء على الحكومة بدون بروتوكولات أخرى إذا لم تسمح له أجندته بذلك. والأكثر من ذلك أن الوزير الأول عبد المالك سلال هو مناضل في حزب جبهة التحرير الوطني وجدد اشتراكه في الحزب أمام مرأى وسائل الإعلام، كما حضر في المؤتمر الأخير للحزب. وعلى الرغم من أهمية الشكليات والبروتوكولات في العمل السياسي، فإن الإصرار الإعلامي على جعل من هذه القضية أزمة وطنية هو أمر غير مفهوم إلا من زاوية لجوء الكثير من المحللين والسياسيين تحويل رغباتهم إلى مؤشرات أو معلومات ويبنون عليها توقعات سياسية. لذلك نسمعهم يرددون أحيانا إشاعات على أساس أن التيار لا يمر بين الرئاسة وجبهة التحرير، ويسوقون إشاعات تتعلق بإنهاء مهام الوزير الأول عبد المالك سلال وتعيين وزير الأول من حزب يحتل المرتبة الثانية في البرلمان، وغيرها من القضايا، في حرب نفسية دعائية تستهدف التشويش على تطبيق الدستور الجديد، وتستهدف المساس بسمعة وهبة ومكانة جبهة التحرير الوطني ومن خلال ذلك الأمين العام للحزب السيد عمار سعيداني الذي أخذ زمام المبادرة في انتقاد العديد منم الوجوه السياسية والمبادرات الحزبية. لكن هناك سؤال يكتسي بعض الأهمية، ويتعلق الأمر بمفهوم »الأغلبية البرلمانية«، هل الحزب الذي يملك أكثر عدد من النواب، أم الحزب الذي يملك أكثر من 50 بالمئة من المقاعد؟ ومنه هل يكتفي بوتفليقة باستشارة عمار سعيداني باعتباره أمين عام جهة التحرير صاحب المرتبة الأولى في البرلمان، أو يستشير أيضا رؤساء أحزاب أخرى إذا لم يتعد عدد النواب نصف أعضاء البرلمان.؟ وتبقى هذه من صلاحيات وتقديرات رئيس الجمهورية. وفي المحصلة يمكن القول، أن كثير من زارعي اليأس والقنوط، لا يترددون في استغلال كل فرصة تتاح لهم أو يختلقونه للتشكيك في المستقبل من خلال التحامل على حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان ولازال وسيظل رقما صعبا في المعادلة السياسية للجزائر حاليا ومستقبلا.