مسيرة الأساتذة المتعاقدين من بجاية إلى العاصمة هي رسالة تحذير على السلطة أن تحسن قراءتها، وبصرف النظر عن السجال الدائر بين النقابات والوزارة حول حق الأساتذة في الإدماج دون المشاركة في المسابقة، فإن فعل السير على مسافة 250 كيلومترا هو تعبير عن ميلاد شكل جديد من الاحتجاج من أجل تحصيل الحقوق، شكل يعكس كثيرا من العزم والتصميم، وقد يمثل تحديا لكل الحلول الوسط التي عادة ما تلجأ إليها السلطة تحت الضغط. التظاهر هو إعلان عن فشل كل آليات فض النزاعات، إنه إقرار بفشل التفاوض في الأطر التي يحددها القانون ، وتعبير واضح عن عجز المتوفر من القوانين والهيئات، وهو تشكيك في عدالة القواعد التي يجري الاحتكام إليها، ومن هنا كان الشارع في الدول التي يحكمها القانون، وتسود فيها أنظمة ديمقراطية، الورقة الأخيرة التي يتم اللجوء لفرض توازنات جديدة بعد أن تكون كل محاولات التحكيم الأخرى قد وصلت إلى مأزق. في الحالة الجزائرية تحول الاحتجاج إلى الوسيلة الوحيدة لتحصيل الحقوق، أو انتزاع المطالب، فخلال السنوات الماضية تكرس تقليد قطع الطريق، والتخريب والحرق، للتعبير عن رفض بعض القرارات، سواء تعلق الأمر بتوزيع السكن الاجتماعي، أو فتح وظائف في القطاع العام، أو للمطالبة بتحسين الخدمات وظروف العيش في بعض المناطق، وقد كانت السلطات جاهزة في كل مرة من أجل حل هذه الخلافات بتلبية المطالب اعتمادا على أموال الخزينة العمومية. لقد أصر الخطاب الرسمي طيلة السنوات الماضية على القول بأن الاحتجاجات في الجزائر لها طابع اجتماعي وليس لها أي بعد سياسي، غير أن إخماد الاحتجاجات عن طريق توزيع المال وصل الآن إلى حده، ولا يمكن للخزينة العمومية تحمل هذه الأعباء في ظل الأزمة التي يمر بها اقتصاد البلاد، وعندما يتزامن هذا العجز مع تصاعد الاحتجاجات فإن دور السلطة سيتعرض لامتحان عسير، وهذه هي نقطة التحول التي قد تجعل الاحتجاج الاجتماعي يأخذ طابعا آخر في المرحلة المقبلة.