طرقات مغلقة ، تجمهرات ومقرات إدارية محتلة الخروج إلى الشارع .. لغة الجزائريينالجديدة اتخذ الجزائريون في السنوات الأخيرة أشكالا جديدة للاحتجاج تؤثر وبشكل مباشر على الحياة العادية للمواطنين حيث أصبح الخروج إلى الشارع وغلق الطرقات والإدارات فعلا يوميا نصادفه كل صباح يلجأ إليه دون تفكير بالعواقب فيكفي أن يجد هذا أو ذاك نفسه في مواجهة مشكل مهما كان بسيطا يخرج إلى الطريق العام ويحتله بكل بساطة. صحيح أن مظاهر الرفض والمطالبة بالحقوق الجماعية والشخصية تعد من أهم مبادئ الديموقراطية لكن عندما يتعدى الأمر حدود الحرية الشخصية ليمس بحقوق الآخرين يخرج عن إطار المطلب المشروع ليتحول إلى خرق للحقوق، وتتداخل بذلك مفاهيم الحق والواجب في تشابك عادة ما نجده في الثورات او حالات العصيان المدني، لكن عندما يتعلق الأمر بمطالب بسيطة قابلة للمناقشة ضمن أطر أقل عنفا وحدة علينا أن نتوقف عند ما يجري ونطرح الكثير من التساؤلات بداية من دور المجتمع المدني في تهذيب أساليب التواصل وصولا إلى التعاطي السلبي للمسؤولين مع هكذا طرق ومساهمتهم بشكل أو بآخر في تفشي الظاهرة.. الكثير من الملاحظين يرون في الحراك الحاصل جنوحا نحو العنف بينما يراه آخرون نتاج هوة بين المسؤول والمواطن، وقد كانت أحداث ما يعرف بثورة الزيت والسكر بداية السنة الماضية منعرجا فارقا صنع مشهدا مغايرا لما قبل تلك الأحداث، حتى وإن كانت الجزائر قد شهدت قبل ذلك بسنوات أحداث عنف وتخريب جماعي في عدد من الولايات بخلفيات قيل أنها سياسية ومغلفة بمطالب اجتماعية، كأحدث 5 أكتوبر التي توضع ضمن خانة السياسي المحض وتعتبر ثورة مصغرة، وقد عرفت الجزائر في العشرية السوداء وما بعدها هدوء فرضه وضع امني متشنج وحالة طوارئ وحظر للتجوال، لتشهد البلاد بداية من 2001 أحداثا أخرى بدأت بانتفاضة سكان ولاية خنشلة جماعيا للمطالبة بالتنمية والشغل والعدالة في توزيع المشاريع ولحق بهم سكان مناطق عدة في شرارة تطلب التحكم فيها أياما وفي تبعاتها سنوات، وهي نفس السنة التي ظهرت فيها أحداث القبائل ما جعل الملاحظين يربطون بين ما جرى بخنشلة من تخريب وما عرفته منطقة القبائل من عنف غير مسبوق، وتواصلت طرق التعبير بالخروج إلى الشارع بشكل متقطع وفي فترات متباعدة ما جعلها ذات تأثير نسبي لكن ذلك لم يلغ من خطورتها، حيث تفشت ثقافة جديدة لم تكن موجودة لكن الجهات المتدخلة آنذاك كانت تتعاطى مع التجمهرات بنوع من الحزم بتوقيف المخربين ومحاكمتهم وحبسهم في حالات كثيرة . من 5 أكتوبر إلى.. الزيت والسكر ولا تعتبر بلادنا حديثة العهد بثقافة غلق الطريق والتخريب لكنها كانت محصورة في حالات معينة وبمعدل يمكن تقبله لكن ما يجري منذ حوالي سنتين جر البلاد إلى حالة شبه عامة من الانفلات إلى درجة أننا أصبحنا نشهد أطفالا يشاركون في غلق الطرقات وهم لا يعرفون السبب، بل حدث وأن أغلقت طرقات لمجرد التسلية، حيث تشترك معظم المدن والقرى يوميا في مظاهر حرق مجموعات أو أفراد للعجلات المطاطية وجذوع الأشجار ووضع الحجارة بطرق داخلية وبلدية و ولائية إلى جانب تنظيم إعتصامات و تجمهرات أمام دواوين الولاة ومرافق خدماتية وإدارية و حتى مدارس وجامعات بمطالب لا تخرج عن نطاق السكن والشغل والماء والغاز والكهرباء والتهيئة ولم يتوقف الأمر عند فئات قد تفتقد إلى الوعي المطلوب كالشباب الذين قد يدفعهم تهورهم وظروف اجتماعية إلى الترويح عن النفس بالاحتجاج لكن نجد أن فئات كثيرة احتلت الشارع وتعدت على المرفق العمومي إما بالغلق او التخريب للحصول على حقوق فئوية لا علاقة لباقي المواطنين بها، كعمال بلديات او إدارات أخرى وطلبة جامعات . كانت أحداث السكر والزيت في جانفي 2011 بداية لسلوك جماعي جديد وأصبح الاحتجاج أمر تلقائي أو قرار يتخذ دون تفكير و لأي سبب إلى درجة أن غلق الطرقات والمرافق لم يعد حدثا يسترعي الاهتمام لكثرة ممارسته، و أصبح المتضررون لا يبالون لكثرة تعاطيهم مع عوائق السير والخدمات المتوقفة، يوميا تسجل لعشرات أو المائات من حالات غضب منها ما هو حقيقي ومنها ما هو مفتعل، ومنها المبرر وغير المبرر، وفي كل الحالات ترتسم معالم حالة حراك غير منطقي، يرى الملاحظون أنه نتاج ما يجري حولنا من ثورات وان الأمر لا يعدو مجرد بحث عن شرارة تلهب الشارع تحركه أيد خفية تحرض وتدعو وتنظم، لكن تلك الأيدي تبقى مجهولة وممتدة إلى كل مكان، بينما يستبعد محللون وجود محرك لغضب الشارع و يفسرونه باختلالات في تسيير ملفات شائكة كالسكن وعجز واضح في توفير مستوى خدمات مقبول رغم الوفرة المالية وما يصرف من أموال على المشاريع. السكن الشغل و المرافق.. مطالب تمرر عبر طرقات مغلقة ونلاحظ أن المواطن ورغم تآلفه مع أزمات الماء و الإنقطاعات الكهربائية لم يعد يتقبلها إما لوعي تجذر في النفوس أو لتراكمات انتهت بانفجار لا حدود له، ويعتبر مشكل السكن من أكثر أسباب الخروج إلى الشارع، قوائم مرفوضة ومطعون فيها وأخرى معلقة لسنوات، إقصاءات، سكنات دون مرافق، إعانات سكن ريفي تمنح عشوائيا وصيغ شبه اجتماعية معطلة كالتساهمي والبيع بالإيجار، أراضي تسيل اللعاب، منكوبون في الشارع، كلها أسباب جعلت السلطات تعطي الملف اهتماما خاصا بإقرار برامج مكثفة ومتنوعة ومع ذلك يبقى السكن غير متوفر او متوفر بشكل خاطئ، إضافة إلى مشكل البطالة الذي يحتل نفس المساحة من الغضب و الماء و مطالب التهيئة ونقص المرافق و الإنقطاعات الكهربائية صيفا، التي كانت الاحتجاجات عليها الصائفة الماضية استثنائية بتسجيل أعمال تخريب وحرق لمراكز توليد الكهرباء و سيارات تابعة لسونلغاز، كما صنع الحدث عمال خرجوا وبكثافة إلى الشوارع للمطالبة بالزيادة في الرواتب كالأطباء وعمال الميكانيك وعمال النظافة وعناصر الحرس البلدي والجنود الاحتياطيين والمتقاعدين شرائح مختلفة من المجتمع استساغت الطريقة واستسهلتها لتشارك بذلك في أفعال الاحتلال والغلق والقطع والمنع وتقول ما يمكنها قوله عبر لائحة أو إضراب سلمي أو حتى جلسة استماع لدى هذا المسؤول أو ذاك. 2011 .. سنة التجمهرات واحتلال السكنات والتهديدات بالإنتحار حرقا وتفيد الأرقام المعلن عنها من مصالح الدرك الوطني أن بداية سنة 2011 كانت استثنائية من حيث حالات الإخلال بالنظام العام، حيث ورد في حصيلة سداسية للدرك الوطني أن الجهة الشرقية عرفت تضاعف عمليات التجمهر والإضراب و الإعتصامات وغلق الطريق العام و تضمن التقرير معطيات لم يسبق تسجيلها لها علاقة بما شهدته البلاد من اضطرابات وحراك اجتماعي بداية من شهر جانفى، حيث سجلت أكثر من 2200 حالة إخلال بالنظام العام، من تجمهرات وإضرابات وعمليات غلق للطريق، عرفت ارتفاعا يقارب 250 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، و قامت مختلف الوحدات عبر 15 ولاية ب435 تدخلا، كما تم التدخل لإخلاء 2697 سكنا تم احتلالها بطرق غير قانونية من طرف طالبي السكن مع حصر عدد كبير من عمليات ومحاولات الانتحار الاستعراضية التي وصفت في تقرير الدرك بالغريبة عن المجتمع ولاحظت مختلف الوحدات من خلال نشاطها تسلل عصابات الإجرام في أوساط المتجمهرين والمحتجين للقيام بعمليات سلب و اعتداء، وبولاية قسنطينة سجل ارتفاع تعدى نسبة 370 بالمائة في الأربعة أشهر من السنة الجارية. وهي مؤشرات خطيرة تضع الشارع رهينة حراك يفترض أن تحتويه حركة جمعوية غائبة تماما عن الساحة وما هو موجود منها فقد مصداقيته مما حول عمليات طرح المطالب إلى معارك تعتمد على منطق القوة سواء في الطرح أو الاستجابة، لأن طريقة تعاطي المسؤولين مع الأمر شجعت على التمادي في أساليب غير حضارية من التعبير بلغت حد التهديد بالانتحار وسكب البنزين على الأجساد، وزادت حالة اللاإستقرار التي تشهدها المنطقة في خلق أجواء من الحذر التقطها المواطن ليمارس لعبة الابتزاز لمقايضة حقوقه بالسلم الاجتماعي ليتطور الأمر فشيئا إلى ثقافة شبه عامة لم تستثن لا الأستاذ ولا الطبيب ولا الطالب.. الكل أصبح يجنح للفوضى في التعبير في ظل تلاشي تام للمجتمع المدني الذي نجده يكتفي بالمشاركة في تلك الأشكال ولعب دور المتحدث بإسم... وأحيانا كثيرة يحذر من غضب وانفلات لم يعلب أي دور في احتوائه. نرجس/ك الاضطرابات الاجتماعية تخل بالنظام العام وتستنفر الدرك والأمن شرق البلاد منطقة ساخنة والسكن أول أسباب الخروج إلى الشارع حذرت القيادة العامة للدرك من تفشي أعمال عدوانية تجاه السلطات العمومية وما خلفته من اضطرابات اجتماعية تخل بالأمن العام بينما أوردت المديرية العامة للأمن الوطني حصيلة ثقيلة تشير إلى أن أغلب الاحتجاجات كانت مدن الشرق الجزائري مسرحا لها وأن السكن في مقدمة أسباب الخروج إلى الشارع. العقيد بن نعمان محمد الطاهر قال في آخر تدخل له أمام ولاة الشرق أن الوضعية الأمنية ببلادنا تبقى موسومة بالاضطرابات الاجتماعية التي يعبر عنها بأشكال متعددة من الاحتجاجات والتي خلفت أعمالا عدوانية تجاه السلطات العمومية المتهمة في نظر المواطن بأنها ادني من طموحات السكان عندما يتعلق الأمر بالتكفل بالانشغالات، وسبق للقيادة الخامسة للدرك وأن تطرقت في حصيلة سنة 2011 إلى انتشار رهيب لقضايا الإخلال بالنظام العام وجاء في تقريرها آنذاك أن حالات التجمهر لها ما يبررها من مطالب اجتماعية محضة. اللواء عبد الغاني الهامل قدم من جهته حصيلة تخص الفترة الممتدة من جانفي إلى سبتمبر 2012، بتسجيل 4536 حالة تجمهر واحتجاج تخللت 66 بالمائة منها أحداث عنف مشيرا أن شهر جانفي يعتبر الفترة الأكثر اضطرابا ب942 . وتبين من خلال الأرقام المعلن عنها أن شرق البلاد يعد بؤرة للاحتجاجات بمختلف أشكالها بنسبة تقدر ب 40.78 بالمائة، ما يعادل 1850 حركة احتجاجية، لنجد منطقة الوسط في المرتبة الثانية ب 1541 احتجاجا بينما يظل الجنوب الجهة الأقل عرضة للاضطرابات. وتعد بجاية من أكثر الولاياتالشرقية التي عرفت منذ بداية السنة حراكا اجتماعيا إلى جانب عنابة و ميلة، وبالوسط تحتل العاصمة الصدارة بنسبة 27.82 بالمائة متبوعة بتيزي وزو و بالبويرة، وفي الغرب نجد وهران بنسبة متقاربة مع العاصمة فتلمسان وسعيدة وفي الجنوب ولايات غرداية و بسكرة و ورقلة. المديرية العامة للأمن الوطني حذرت من تبعات أزمة غاز البوتان وطالبت الولاة بإجراءات لتحاشي ما حدث أثناء العاصفة الثلجية التي ضربت شمال البلاد في جانفي 2012 وقدرت نسبة الخروج إلى الشارع بسبب السكن ب 26.37 بالمائة، وهو انشغال يعد أول أسباب الجنوح إلى الشغب يليه مشكل الماء ب 11.26 بالمائة ، و عن ظاهرة الانتحار حرقا التي ظهرت في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي قال اللواء الهامل أنها تطرح أكثر بشرق البلاد، أين سجل وفاة تسعة أشخاص بولايات سطيف ، خنشلة ، ميلة ، أم البواقي، جيجل و عنابة مقابل 245 محاولة تم إحباطها بمختلف ولايات الجهة. نرجس/ك مختصون ومنتخبون يعتبرون دوافع الظاهرة اجتماعية وآخرون يتحدثون عن تحريك أثارت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المجتمع الجزائري في الفترة الأخيرة تساؤلات كثيرة بسبب نوعيتها، طرق و مواعيد تحريكها و الأطراف الفاعلة فيها، لتشكل جملة معطيات وضعت نقطة استفهام كبيرة و أخلطت الحسابات في عملية الفصل بين الأسباب الحقيقية للاحتجاج و المفبركة الهادفة إلى تمرير رسالة ما أو إلى تحريك الشعب للانتفاضة بطريقة تلحق الجزائر بركب الدول العربية لتكون ضمن سلسلة ما يعرف بثورات الربيع العربي. و بين قراءة المواطن البسيط و الأكاديمي و السياسي اختلف الأمر، ففيما يعتقد بعض المواطنين بأن الأسباب الاجتماعية كالسكر و الزيت و الكهرباء و غيرها هي الأسباب الرئيسية و الوحيدة لهذه الحركات، فإن البعض الآخر ينظر إليها كونها مؤشر يعبر عن اتساع هامش الحريات و التعبير في البلاد، و يصنف منتخبون بعضها في خانة الحركات غير البريئة المفتعلة من قبل أطراف معينة داخلية كانت أم خارجية تسعى إلى إشعال ما يصطلح عليه بنار الفتنة، أو للإطاحة مثلا بحزب معين كالتحركات التي تتزامن و الحملات الانتخابية و تسبق التشريعيات أو الانتخابات البلدية، أما بالنسبة لرجال السياسة و الأساتذة المختصين، فإن التصنيف محكوم بعدة معطيات، و تعود بالدرجة الأولى إلى ضعف قنوات الاتصال التي أخرجت هذه الحركات من طابع الحضرية إلى اللاحضرية، في حين حمل آخرون الحكومة السابقة و المنتخبين المحليين المسؤولية في ذلك. فالبروفسور في العلوم السياسية و الأستاذ و الباحث بجامعة منتوري بقسنطينة بوريش رياض، يرى بأن أغلب الحركات الاحتجاجية بالجزائر أسبابها اجتماعية بحثة، إذ يقول بأنه من العادي جدا أن يخرج المواطن إلى الشارع للمطالبة بالماء مثلا أو الشغل أو السكن، و هذه تطورات سلوكية أو تحركات أرجعها إلى متغيرات كثيرة يأتي في مقدمتها التفتح على العالم الخارجي بفضل وسائل الاتصال الجديدة، و كذا عدم بقاء الدولة المتغير الوحيد بعد انضمام حقوقيون و سياسيون و جماعات محلية أشركوا جميعا في رسم سياسة الدولة كما يضاف إلى ذلك سلسلة الإنجازات التي غيرت من محتوى مطالب الشعب. و يضع البروفسور نقطة توقف و يقول بأن هناك مجموعة من الاحتجاجات المفبركة و هو النوع المعروف في العالم منذ القدم، و هي التي تسبق الانتخابات مثلا، متحدثا عما يعرف بالاحتجاجات المبرمجة و هي التي سجل عدد منها بالجزائر كتلك التي وقعت شهر جانفي من العام الماضي، حيث قال بأن أطرافا معينة استغلت أسبابا حقيقية تمثلت في أزمة السكر و الزيت و حاولت استثمارها لتفجير ثورة في الجزائر و ضمها إلى دول عربية أخرى ما تزال تدفع ثمن ذلك، و هنا يشير إلى أن إمكانية تحريك المحتجين أمر وارد، حيث تقوم الأطراف المعنية بدس أشخاص وسط المحتجين أو المتظاهرين لتأجيج الاحتجاج و تشجيعهم على عدم التراجع عن الفعل. و عن تحول مجرى الاحتجاج و خروجه من خانة السلمي المعروف، و تحوله إلى احتجاج عنيف ينتهي بأعمال التخريب و التحطيم، يرى الأستاذ بوالريش بأن السبب الحقيقي في ذلك هو عدم استجابة الجهات الحاكمة و المسؤولة إلى طلبات المواطن التي يرفعها عديد المرات بطريقة سلمية، ما يدفعه إلى الأخذ بخيار العنف لمحاولة إسماع صوته كطريقة يرى بأنها الأفضل، الأمر الذي يخرج هذه الحركات من طابعها الحضري إلى اللاحضرية، و هي التي باتت تشكل نسبة تقارب ال50 بالمائة من الاحتجاجات المسجلة بالجزائر في الفترة الأخيرة، و هو ما وصفه بالسلوك الخاطئ. غياب قنوات التواصل العام وراء تنامي ظاهرة الاحتجاجات في نظر المنتخبين أما المنتخبين الذين يبقون أقرب عنصر في مسلسل الاحتجاجات و في علاقة الاتصال بالمواطن للاستماع لانشغالاته و مطالبه المرفوعة، فهم يرون بأن غياب الإتصال بين المواطن و المسؤول هو السبب الرئيسي في تغيير طرق رفع المطالب و إخراجها إلى الشارع عبر الانتفاضات، و هذا ما يحدث في أغلب الأحيان بالجزائر في نظر رئيس بلدية ديدوش مراد بقسنطينة بوالشحم الطاهر، الذي يقول بأن كل شئ ناتج عن غياب الإعلام بالمستجدات و نقص الاتصال بين الطرفين، فأحيانا حتى المسؤول يفتقر إلى المعلومة السليمة، ما يضطره إلى تقديم تعهدات ربما تتجاوز صلاحياته، و هنا يؤكد على أن لا حرج في الفصل في المهام و الاعتراف بما يتجاوز صلاحيات المسؤول المحلي إلى السلطات الولائية مثلا أو من الولائية إلى مستوى أعلى. السيد بوالشحم يضيف بأن للمواطن دور أيضا في تطور المشهد، حيث نجد في الكثير من الأحيان كما قال بأن جهله لميكانيزمات العمل الإداري لتحقيق بعض الأهداف و التي غالبا ما تتطلب وقتا معينا قبل الشروع في انجاز مشروع ما، لذلك نجد بعض الاحتجاجات كما يضيف تتكرر في وقت قصير رغم تعهد المسؤولين بالتكفل بها كمشاريع التحسين الحضري مثلا. و حمل المسؤول وسائل الإعلام خاصة الخاصة منها نسبة من المسؤولية في تأجيج الأوضاع أحيانا، حيث قال بأنها تشجع المواطن على إتباع سلوكات غير حضارية و هو ما خلق ثقافة الاحتجاج السلبي بالجزائر، مؤكدا بأن على الإعلام لعب دور أكثر إيجابية و ذلك من خلال العمل على تهذيب أسلوب الحوار بين المواطن و المسؤول لا العكس. أما عن القراءة العامة لموضوع الاحتجاج في الجزائر في الفترة الأخيرة، فيرى السيد بوالشحم بأنها ناتجة في معظمها عن الحراك الحاصل في بعض الدول العربية التي اندلعت بها ثورات، و هو ما قال بأنه ليس بالضرورة أن يوصل الجزائر إلى نهاية مماثلة لتلك التي كانت بمصر أو بتونس، لكون الجزائر تعرف حركة تنموية تصنف في خانة المعقولة حسب قوله، خاصة و أن الفرد تمكن من افتكاك مجموعة كبيرة من المطالب التي رفعت في سنوات مضت و حتى الوصول إلى مستوى معين من المعيشة ما كان ليحلم به في فترات سابقة، و هي حقيقة يضيف لا يجب إغفالها، و بالنسبة لما هو حاصل في هذه الفترة على المستوى المحلي ببعض البلديات، فيمكن تصنيفه ضمن قائمة الانتخابات المبرمجة التي تقوم بتحريكها أطراف معينة تسعى لاستثمار مشكل المواطن للوصول إلى السلطة أو من أجل الإطاحة بمنتخبين معينين. الحكومات المتعاقبة في قفص الاتهام و السابقة وصفت بالعاجزة أما بالنسبة لممثلي الشعب على مستوى المجلس الشعبي الوطني، فلديهم تفسير آخر للظاهرة، فالنائب بالبرلمان بن خلاف لخضر من حزب العدالة يصف الوضع بالخطير و يتهم الحكومات المتعاقبة في وصول الأوضاع إلى ما آلت إليه خاصة في الصائفة الماضية، و يصف الحكومة السابقة خاصة بالعاجزة عن التكفل بانشغالات المواطن الأساسية، حيث يقول بأنها تركت فراغا كبيرا و عجزت حتى عن توزيع الكهرباء و الماء في فصل الصيف، و لم تتمكن من إطفاء الحرائق المفتعلة منها و العفوية حسب قوله. النائب بالبرلمان اعتبر عجز الحكومة عن التكفل بانشغالات المواطنين في حينها الدافع إلى بحثهم عن تحقيقها بطرق أخرى أثبتت نجاعتها في تلبية المطالب و ذلك بالخروج إلى الشارع أو غلق الإدارات أو بطرق أخرى، فسياسة الحكومة عن طريق إسكات كل من يرفع صوته عبر الاحتجاجات بمنحه ما يريد، أسالت لعاب شريحة واسعة من المواطنين و ساهمت في تكريس المعاملة السلبية مع قضايا مهمة كان حريا بأن يكون التعامل معها بإيجابية لأن لا تتكرر مجددا. و وصف المسؤول طريقة معالجة هذه المشاكل بالخاطئة و قال بأنه كان حريا بالحكومة السابقة القيام بإجراءات تحفظية لسد الطريق أمام هذه الاحتجاجات، و اللجوء إلى ما يعرف بالحلول الاستباقية لأي مشاكل لإحباط أي محاولة للإخلال بالنظام العام أو زعزعة استقرار الشارع، و كل هذا يضيف ذات المسؤول خلق تراكمات و ورث الحكومة الحالية قنابل موقوتة عليها التعامل معها بحذر خاصة و أن المواطن فقد كل الثقة في الحكومة و أصبح لا يؤمن بغير الملموس لدا على الحكومة الحالية ترجمة مخططها الذي جاءت به إلى واقع لامتصاص غضب الشعب. الظاهرة سببها تجاهل المواطن، غياب الثقافة القانونية و لا مبالاة المنتخبين حسب حقوقين تقول المحامية بغدادي ترعي فتيحة المندوبة الجهوية للشرق للجنة الوطنية الاستشارية لترقية و حماية حقوق الإنسان بأن اجتماع جملة من العوامل السلبية و تأخير أخذ انشغالات المواطنين بعين الاعتبار أو حتى الرد عليها، كلها عوامل تساهم في إحداث خلل بالمجتمع الجزائري و هو ما تعكسه كثرة الاحتجاجات في الفترة الأخيرة التي أرجعتها إلى الجهل بالقانون في أوساط المواطنين الجزائريين و الذي ورثوه عن العشرية السوداء، ما جعلهم يستمرون في المضي في حركات احتجاجية غير مرخصة يعاقب عليها قانون العقوبات بصرامة. و ترجع المحامية تنامي الظاهرة في الآونة الأخيرة إلى اعتماد المسؤولين على الحلول الارتجالية و السريعة لتكميم أفواه الشعب، ما وسع رقعة الطامعين الذين أيقنوا بأن لا شئ يتحقق بدون احتجاج، و تحول الأمر إلى وسيلة ضغط يستعملها كل من يرغب في الحصول على حق ما، أضافت بأن غلق أبواب الحوار و غياب قنوات الاتصال بين المواطن و الإدارة من بين العوامل التي ساهمت أيضا في ذلك، حيث تقول بأن رفض استقبال المواطنين في المواعيد المخصصة لذلك و كذا عدم الرد على شكاويهم المكتوبة يدفعهم إلى البحث عن طريقة أخرى لإيصال انشغالاتهم و التي غالبا ما تكون بالاحتجاج بمختلف أنواعه التي تعرف تطورا غريبا في الفترة الأخيرة. المحامية حملت من جانب آخر المنتخبين و جمعيات الأحياء المسؤولية في الموضوع، فدور المنتخبين خاصة المحليين يكاد يكون منعدم حسب قولها لعدم قيام جمعيات الأحياء و المجتمع المدني بالدور المنوط بها، فعوضا عن نقل انشغالات المواطن، تقوم جمعيات كثيرة باستغلال الصفة لقضاء مصالح شخصية مثلما يحدث في عمليات إعادة الإسكان التي غالبا ما تفرز احتجاجات كبيرة، كما أشارت أيضا إلى عدم فعالية خلايا الإصغاء التي تم استحداثها عبر كل الإدارات الجزائرية، ما يعني أن انشغالات المواطن تبقى بدون تكفل. و بين اختلاف القراءات في نقاط عدة باختلاف التخصصات، نجد بأن الاتفاق كان حول نقطتين، الأولى تكمن في أن الجزائر تمكنت من امتصاص الغضب و نجحت في إحباط محاولات كثيرة لتفجير ثورة كانت جد وشيكة في أوقات معينة، و الثانية أن غياب أو ضعف القنوات الوسيطة و ارتباكها في مجال تمثيل المواطن و دخوله في مفاوضات مع المسؤول لامتصاص الغضب يبقى السبب الرئيسي في الاحتجاجات التي تكون نتاجا مباشرا في غالب الأحيان لغياب الثقة في المسؤول، ما يفتح أحيانا الأبواب لأطراف معينة لتغيير مسار الاحتجاج أو تحريكه بطرق محددة لتحقيق أهداف تتنافى و ما يطمح إليه المواطن البسيط أو العامل، و يبقى في الأخير الرهان حول قدرة الحكومة الجديدة على إعادة الاستقرار للشارع و محو كل مخلفات الحكومة السابقة و تغيير سياسة المنتخبين المحليين و المجتمع المدني في التعامل مع المواطن الذي يعتبر أساس المجتمع. إيمان زياري المقدم حابن محمد قائد المجموعة الولائية للدرك بقسنطينة الإحتجاجات يتم تصويرها ومدتها لا تتعدى 3 ساعات الدرك تحول إلى وسيط بين مواطنين غاضبين و مسؤولين وهذا يستهلك من عملكم الكثير كيف تتعاملون مع الأشكال الاحتجاجية على تعددها؟ التقرب من المواطن والتواصل الدائم معه عقيدة الدرك الوطني و هو أمر يتم تلقائيا لأن المواطن المحتج جزائري ويحتج فوق تراب جزائري، والدرك جهاز أمني يتدخل لحماية المنطقة أولا ثم نحمي المواطن الذي يعبر الطريق ونبحث مع العقلاء لتجنب تلك الأساليب غير اللائقة بأن نشرح للمحتجين بأن ما قاموا به ليس فعلا حضاريا و هو أمرغير قانوني وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وعادة ما نوفق في ذلك. كيف يتم التدخل لفض الاحتجاجات ومن يحدد الطريقة؟ قانونا هناك ثلاث تسخيرات تسلمها السلطة الإدارية المخولة قانون وهي الولاية ، الأولى هي الانتشار وإظهار القوة حتى يحس المواطن بوجود حضور أمني يشعره بهيبة الدولة وأنه عليه التراجع عن الاحتجاج، التسخيرة الثانية تستعمل فيها كل الوسائل العضوية للتدخل من عصي وقنابل مسيلة للدموع باستثناء الأسلحة القاطعة و الذخيرة والثالثة يكون التدخل بالسلاح. لكن نلاحظ أن التسخيرة الأولى هي الأكثر حضورا ميدانيا نحن نتدخل باحترافية وعادة تدخلنا يكون بالأولى لأننا نقنع المواطن الذي يتراجع و يلغي الاحتجاج بتلقائية لأننا في تواصل مستمر مع العقلاء والأشخاص الأكثر نضجا. لكن الاحتجاجات يقوم بها شباب ومراهقون وعادة ما يحدث انفلات كيف تتصرفون صحيح المراهقون والقصر من أكثر المحتجين لذلك نلجأ إلى الراشدين للإقناع والحوار ثم نقوم بتوجيه نداء لتفريق الجموع ، ونحن لا نتدخل تلقائيا يكون ذلك بناء على نوعية التسخيرة التي تطلبها السلطات وهي من تقرر على حسب درجة الحدة. ما هي أشكال الاحتجاجات الأكثر حضورا؟ غلق الطرقات والمقرات الإدارية الطرق الأكثر غلقا بقسنطينة هي الوطني ا رقم 3 وطريق القرزي وأغلب المطالب المرفوعة هي اجتماعية محضة كالسكن والسكن الريفي خصوصا. لكن دائما نجد من يندسون وسط الجموع للسرقة و الابتزاز من الطبيعي أن أي احتجاج يستغل من طرف منحرفين يندسون داخله و يحاولون تهييج جموع المتظاهرين كي يستغلوا أجواء العنف لكن المواطن واع ولا يتمادى و نادرا ما يلجأ إلى العنف حتى وإن كان يقوم بحرق أطر العجلات المطاطية و استعمال الحجارة والحجارة و جدوع الأشجار، لكنه لا يستعمل طرقا أخرى تخريبية أو تعرض حياة الناس إلى الخطر. في حالات معينة يتم توقيف عدد معين من الأشخاص رغم أن من يشاركون في الاحتجاجات يعدون بالعشرات وربما بالمئات. الدرك جهاز يقوم على التواصل داخل المجتمع و عناصره متواجدون بين الناس بحكم عملهم وأكيد أنهم يكونون صورة عن الحي أو المنطقة ويعرفون سكانها، ثم أن التدخل يكون بواسطة عناصر الفرق الأقرب لموقع التجمهر والتي من المؤكد أن تتوفر على ما يكفي من المعلومات..ولا ننسى أن أي جهاز امني لديه عمل أساسي، وهو المراقبة و الاستعلام في حالة الشك لتجنب الاحتجاجات أو تطور أشكالها، أي أن لدينا المعلومات الكافية التي تساعد على معرفة من يقفون وراء أي تحرك، زيادة على أننا نصور مجريات الاحتجاجات وفي حال حدوث إنزلاقات أو أعمال منافية للقانون يمكننا بسهولة تحديد المحركين وتوقيفهم في حال استعمال التسخيرة . لكن بعض الاحتجاجات تتواصل لساعات وربما لأيام وتؤثر على حياة المواطنين الاحتجاجات لا تزيد مدتها عن ثلاث ساعات لأننا نتدخل باحترافية و بسرعة فائقة نقنع المواطنين بضرورة فتح الطريق أو المرفق العمومي ونقوم بعمل تواصلي دائم كما لدينا عمل استباقي يحول دون حدوثها في حالات كثيرة. حاورته: نرجس كرميش وزير الداخلية يحمل الإدارة و المنتخبين جزء من المسؤولية و يؤكد "الشباب الجزائري عنيف والتغيير يتطلب جيلا كاملا" وصف وزير الداخلية والجماعات المحلية الشعب الجزائري بالمزاجي وقال أنه أصبح يميل إلى الخروج إلى الشارع بسبب أو بدون سبب كما وصف الشباب بالعنيف وأكد أن الانتقال إلى مجتمع متحضر يتطلب جيلا كاملا وعملا اتصاليا وإداريا مدروسا. تشخيص ولد قابلية للحراك الجاري في المجتمع الجزائري جاء خلال ندوة ولاة الشرق المنعقدة مؤخرا بقسنطينة وتحديدا بعد أن تطرق ممثل القيادة الوطنية للدرك الوطني إلى قضية الاضطرابات الاجتماعية، وتقديم اللواء عبد الغاني هامل لحصيلة عبرت عن وجود حراك غير عادي، حيث عقب الوزير بالقول"أسباب هذه الاحتجاجات معروفة و لها علاقة مباشرة بالإدارة والمنتخبين" وهو ما فيه تحميل للسلطات لجزء من المسؤولية، حيث أضاف أن هناك حالة من عدم الرضى لدى البعض لكنه قال أن بعض الاحتجاجات لها طابع صبياني، كأن يخرج سكان "للمطالبة بممهلات" معلقا أن الشعب الجزائري أصبح "متقلبا" " متهورا" "متطلبا" و"عنيفا"، وهي عبارات تحمل أكثر من دلالة ولها أبعاد نفسية و اجتماعية وحتى اقتصادية، تعبر عن تحولات في السلوكات الجماعية والفردية ومستوى المعيشة لدى شعب لم يعد يقبل السكوت عن أي نقص حتى وإن كان يتعلق بكتلة إسمنتية توضع وسط الطريق لكبح سرعة السائقين. وقد قدم وزير الداخلية حلولا تتمثل في العمل على حل مشاكل المواطنين ووضع سياسة اتصال وإعلام وتشاور مدروسة، وهو ما فيع اعتراف ضمني بأن المشكلة الأساسية تتمثل في غياب قنوات تواصل بين السلطات والمواطنين إضافة إلى وجود ما يحرك تلك الاحتجاجات، لكن المسؤول عن الجماعات المحلية اعترف بأن بعض المتطلبات من الصعب التحكم فيها كالسكن، الذي دعا الولاة إلى توزيعه وكسر حاجز الخوف من غضب الشارع إضافة إلى الإنقطاعات الكهربائية التي اهتزت لها المدن والقرى الصائفة الماضية. كما يتوقع ممثل الحكومة تسجيل تجمهرات وعمليات غلق للطرقات بسبب الفيضانات حتى وإن كان يرى في بعضها مجرد تهويل، حيث علق قائلا " وقفت أثناء تنقلاتي إلى بعض الولاياتكغرداية ، البيض و الطارف على حالات لم يتعد فيها علو الماء 20 سنتيمتر ومع ذلك كان أصحابها يحتجون بعلو صوتهم"، معقبا بأن الشعب الجزائري أصبح يحب الخروج إلى الشارع "لكن مع الوقت تتغير الأمور" كما يضيف. الظاهرة يراها ولد قابلية مزعجة ومؤثرة على الحياة اليومية لكنها لم تبلغ حد تهديد أمن المواطنين، وفي إجابة على طرح والي ولاية بجاية لإشكالية أعمال الشغب التي تتبع مباريات كرة القدم قال أن هناك إجراءات لخلق أمن داخلي للملاعب لأن تواجد قوة عمومية تجعل الشباب المتحمس يحاول أن يدخل في نزال مع تلك القوة ما أدى إلى التفكير في خلق أمن مدني خاص بالملاعب يتم دعمه بجهاز الشرطة، وذهب الوزير بعيدا في تحليله بالقول" شبابنا عنيف غير متحضر وغير منضبط " ويرى أن الأمور لن تتغير إلا بعد جيل كامل قائلا" لقد انتقلنا من مواطن متحضر إلى واطن غير متحضر بعد جيل ونحتاج جيلا آخر كي ننتقل من مواطن غير متحضر إلى مواطن متحضر وشباب جزائري يأتم معنى الكلمة". نرجس/ك الباحث في تاريخ علم الاجتماع عبد المجيد مرداسي ثقافة الريوع وغياب الوساطة حولا العنف إلى لغة حوار أرجع الباحث في علم الاجتماع الأستاذ عبد المجيد مرداسي اللجوء إلى أساليب عنيفة في طرح المطالب إلى عوامل تاريخية اجتماعية وسياسية وقال أن ثقافة الريوع جعلت المجتمع يستميت في الحصول على حصته من الثروة قبل فوات الأوان، متحدثا عن غياب الوساطة وتعويضها بلغة العنف . يقول الأستاذ عبد المجيد مرداسي أن الشعب الجزائري نشأ على العنف الذي تحول لأسباب تاريخية و اجتماعية وخيالية إلى مرجعية وحل محل الوساطة كون المجمتع عانى من العنف عبر مراحل تاريخية متتالية ولم يعرف فترات استقرار، ولاحظ أن الأمر تحول من مجرد شكل تعبيري إلى ما يشبه المنافسة على أشكال الاحتجاج بحثا عن الصدى الأكبر و توسيعا لمجال نشر المعلومة عبر وسائط الإعلام المختلفة، وقال الباحث أن المطالب تكاد تكون منحصرة جنوبا في العمل وشمالا في السكن وهي استهلاكية محضة. المتحدث أكد أن احتفاظ الدولة بعملية توزيع السكن يمكنها من مراقبة المجتمع، ما جعل الأمر يتحول إلى توزيع للريوع وفي نفس الوقت وسيلة رقابة اجتماعية ليزيد بذلك الطلب وتبعاته بسبب تحولات جذرية تعرفها العائلة التي انكمشت إلى أسرة نووية، وهو تقسيم اجتماعي يرى أنه غذى التهافت على السكن ورفض أساليب تسيير الملف خاصة ما تعلق بالتوزيع، الأستاذ مرداسي وصف الاقتصاد الجزائري بأنه لا يعتمد على القوالب المعروفة وقال أن القدرة الشرائية غير مرتبطة بالاقتصاد ما يتيح المضاربة ويعرض العائلة إلى هزات اقتصادية مفاجئة. وسجل المختص في تطور الشعوب غياب نظم وساطة بوصف الأحزاب والنقابات باللاشرعية والمجتمع المدني بالخاضع لرقابة الإدارة ما فرض وفق تحليله أسلوبا واحدا ، وهو التحاور عبر العنف بين السلطة والمجتمع، مؤكدا بأن بلادنا تفتقر إلى مناخ ديموقراطي مؤسساتي ما يفقد الوسيط الشرعية ويجعل الجهات المحتجة تتفاوض مباشرة مع الحكومة أو ما يمثلها من إدارات، متحدثا عن تفشي هوس الريوع في المجتمع كون الناس، حسب ما أضاف، تبحث عن اكبر قدر من الاستفادة قبل فوات الأوان وترى أنه من حقها المطالبة وبكل الطرق الاحتجاجية، لشعورها أن مصدر الثروة في بلادنا مآله الزوال. الحل برأي الأستاذ مرداسي يكمن في القطيعة السلمية مع الممارسات الحالية و انتهاج ديموقراطية صحيحة و اقتصاد مبني على أسس قانونية وشفافة وتوفير مناخ وساطة فعالة تخدم المجتمع وغير خاضعة للسلطة الإدارية كون الأمر مرتبط برأيه بمشكل سياسي. نرجس/ك غلق، إحتلال وتخريب أشكال احتجاج غريبة بمطالب أغرب يلجأ المحتجون إلى طرق انتقائية في اختيار الأماكن التي يستهدفونها بالغلق أو التجمهر بحثا عن التأثير الأكبر و الاستجابة الأسرع في تجاذبات وضعت المواطن رهينة مساومة جعلت مدننا وقرانا في حالة تأهب دائم. ثقافة الاحتجاجات في بدايتها كانت تتم عشوائيا قبل أن تصقل مع الوقت والتجربة لتتخذ أشكالا لم تتخلص من الفوضوية لكنها أصبحت تخضع إلى منطق انتقائي وحساباتي لضمان نتائج أسرع ، فبدل غلق طريق القرية أو الحي أصبحت جموع المحتجين تلجأ إلى الطريق الولائي أو الوطني وفي أسوأ الحالات يكون طريقا بلديا مهما، ونقطة الغلق عادة ما تكون مفترق طرق او طريق لا بديل له، وإن كان هناك أكثر من طريق قد يلجأ إليه المواطنون تغلق كل المنافذ في سلوكات تعبر عن غياب ثقافة التحضر و التفكير في الآخر وعن نية التأثير على الغير وبحدة تضمن التحرك السريع دون إكثرات لما قد يخلفه غلق الطريق من تأثيرات على تنقلات المواطنين، وهي طرق منعت الكثيرين من الالتحاق بأماكن عملهم واضطرت البعض إلى الترجل عشرات الكيلومترات وجعلت البعض الآخر يدخل في مناوشات بل ويلجأ إلى العنف للحصول على حقه في استعمال طريق عمومي. وبعيدا عن الطرقات نجد أن أكثر الأماكن المستهدفة هي دواوين الولاة ومقرات الدوائر والبلديات ومقرات هيئات خدماتية كمؤسسات الماء والكهرباء ووكالات التشغيل، وذلك بالتجمهر والغلق والرشق بالحجارة وحتى التخريب و الاحتلال و احتجاز المسؤولين داخل المكاتب زيادة على منع أشغال و احتجاز وسائل مقاولات، وفي مجال السكن سجلت حالات احتلال لسكنات انتهت بها الأشغال ولم توزع لسبب أو لآخر، ومدراس ومقرات عمومية حولها منكوبون إلى سكن. ولا يخلو الأمر من الاجتهاد مثلما فعل مؤخرا مواطنون بقرية بوتلة بالطارف الذين قاموا ببناء سور وسط الطريق وقام آخرون باستعمال حاويات المزابل أو وضع أثاث المنازل بالنسبة للمعنيين بالسكن و استخدم آخرون أطفالهم ونساءهم في غلق الطرقات وبلغ الأمر في بعض الحالات درجة استعمال الرضع لاستجداء عطف السلطات، وفي الآونة الأخيرة نلاحظ توجه نحو التجمهرات النسوية مثلما يلاحظ بولاية قسنطينة أين تتجمع يوميا نساء أمام ديوان الوالي للمطالبة بالسكن في مشاهد تعطي إشارات واضحة بأن الخروج إلى الشارع يتخذ أشكالا أكثر تطورا وغرابة في نفس الوقت. وخارج المطالب التي يمكن وصفها بالمشروعة بالنظر لمعاناة الكثيرين مع البطالة والسكن تبقى أخرى بعيدة عن أي منطق وتعبر عن مبالغة في الخروج إلى الشارع و استسهال خرق القانون، كأن يغلق الطريق لغلق محل لبيع الخمور أو تحدث معركة بالسيوف لطرد امرأة مشبوهة من عمارة مثلما حدث بخنشلة، أو غلق مصانع الفوسفات بعنابة للمطالبة بالعمل أو التجمهر للمطالبة بإطلاق سراح تاجر مخدرات بأم البواقي، أو تخريب سيارات الآخرين لأن الفريق المحلي خسر مباراة في كل القدم، وهي حالات لا تعد ولا تحصى وتشكل مادة إعلامية تملأ صفحات الجرائد يوميا وتستهلك من وقت الجهات الأمنية الكثير كما تكاد تكون الفرصة الوحيدة التي ينزل فيها هذا المسؤول أو ذاك للشارع ليتحاور مع المواطنين وهو يرسم ابتسامة عريضة ويظهر عليه صبر غير مألوف نقل الحوار من المكاتب إلى الشوارع.