خلال حرب الخليج الأولى، كنت منتسبا لمجموعة بحث حول رهانات الاتصال بإحدى الجامعات الفرنسية، وفي إطار نشاطات البحث قامت المجموعة بتسجيل كل ما بث في القنوات الست الفرنسية التي كانت موجودة وقتها حول الحرب لمدة تفوق الستة أشهر. ما لاحظناه، هو أنه ولا قناة فرنسية واحدة تعرضت بالشتم أو السب للعراقيين، رغم أن فرنسا شاركت في الحرب ضد العراق. القنوات التلفزيونية الفرنسية أكتفت بمهاجمة »الدكتاتور« صدام حسين و»همجية« النظام العراقي. لا أحد من الصحفيين الفرنسيين تجرأ وهاجم الشعب العراقي كله لأن القانون، في الدول المتحضرة، يجرم التعرض للشعوب والأمم بالسب والشتم والقدح، كما يحرم نشر كل ما له علاقة بالدعاية في وسائل الإعلام العمومية والخاصة. الإعلاميون الغربيون، يتجنبون الدعاية، التي أصبحت محرمة منذ الحرب العالمية الثانية، لكنهم يمارسون الاتصال، بمعنى أنهم يبنون خطابا حول أحداث معينة ويعتمدون استراتيجيات للتأثير على الجمهور لكن بدون كذب أو تلفيق للتهم. هذه بعض أخلاقيات الإعلام الغربي فما هي أخلاقيات الإعلام المصري؟ من يسمون أنفسهم بالإعلاميين المصريين لازالوا يعيشون في مرحلة الإعلام وفي مرحلة الحملات الدعائية الكبرى، مع أن العالم تطور وتغير. الجامعات العالمية لم تعد تحتوي على معاهد للإعلام أو الدراسات الإعلامية بل معاهد واختصاصات في الاتصال والدراسات الاتصالية . الجامعات المصرية هي من آخر الجامعات التي لازالت تدرس الإعلام، وحتى البحوث التي تنجز بها، على مستوى الماجستير والدكتوراه، لم ترق بعد إلى مستوى الدراسات في الاتصال الذي هو أعمق وأشمل من الإعلام. السبب في ذلك مرتبط بحرية البحث وحرية التعبير. المعروف أنه لا يمكن أن تنشأ وتتطور الدراسات الاتصالية إلا في المجتمعات التي تتمتع بحيز كبير من الحرية، وعندما ندرك أن عمداء الكثير من الكليات المصرية يسيرها ألوية وعمداء سابقون بالجيش – عشرة عمداء متقاعدون من الجيش هم حاليا عمداء لكليات الحقوق- فلا ننتظر من هؤلاء أن يسهلوا عملية البحث في الاتصال. السلطة المصرية المدركة لدور الجامعة في المجتمع ولقدرتها على تحريك الجماهير باعتبارها (الجامعة) مصنعا للأفكار، عملت، منذ عهد السادات على مراقبة الجامعة والتحكم في نوعية البحوث التي تقدم بها. التخلف في مجال الدراسات الاتصالية، جعل المصريين لا يدركون بأن العالم حولهم يتغير بسرعة كبيرة وأنهم وحدهم الذين لا يتغيرون، هم لا يعلمون بان العالم وضع الكثير من الضوابط الأخلاقية لوسائل الاتصال خاصة الثقيلة منها وأن الهيئات الدولية تمنع نشر، أو بث كل ما يدعو إلى التفرقة والعنصرية والكراهية والحقد وشتم شعوب بأكملها؛ وهي كلها أخطاء ارتكبتها القنوات التلفزيونية المصرية؛ فطوال عدة أسابيع، وكل القنوات المصرية، العامة منها والخاصة، ترغي وتزبد وتسب وتشتم ولم تترك صفة قبيحة إلا وألصقتها بالشعب الجزائري. الأمر ليس صدفة كما أنه ليس صادرا من إدارات هذه القنوات، بل مدبر ومنظم ومقصود وبأمر من أعلى السلطات. في مصر لا يمكن لأي صحفي أن يتنفس أو يدلي برأيه دون علم وموافقة من يسموها عندهم بالجهات الأمنية. لقد أفرغوا كل حقدهم وكراهيتهم على الشعب الجزائري، وبلغ الأمر بأحدهم (الغريب أنهم يقولون عنه أنه دكتور) بأن وصف كل الجزائريين باللقطاء وأبناء عاهرات، مع أن التاريخ يثبت بأن الجزائر، هي من بين الدول العربية الأكثر محافظة، وأن الجزائري، البربري والخشن والعنيف، كما وصفوه، لا يأكل من عرق النساء. بهذا الكلام العنصري والذي يمس بقيمة شعب كامل، تكون القنوات المصرية قد تجاوزت القانون والنصوص المنظمة للمارسة الاتصالية عبر العالم وكذلك تلك التي تحكم الهيئات الدولية. القنوات المصرية التي تحولت، بمناسبة مجرد انهزام في كرة القدم، إلى أبواق دعائية تجاوزت في حدتها وفي عنصريتها حتى دعاية النازية، وهو ما يسهل على رجال القانون الجزائريين المدعمين بمختصين في الاتصال مهمة التوجه بالتسجيلات الكاملة مع ترجمات لها باللغات المختلفة لكل ما قيل في حق الجزائر في هذه القنوات، إلى الهيئات الدولية خاصة منظمة الأممالمتحدة واليونسكو والأليسكو ومختلف اتحادات الإذاعات والتلفزيونات العالمية للمطالبة بتوقيف عمل القمر الصناعي المصري »نايل سات« لأنه تحول إلى قمر حامل للكراهية والحقد والعنصرية والتشجيع على العنف والدعوة إلى القتل وإهانة شعب كامل، وهي كلها تهم ثابتة ويعاقب عليها القانون الدولي، وإن تعذر ذلك، فمن الممكن جدا إنزال القنوات المصرية من كل الأقمار الصناعية. هناك سوابق في هذا المجال، فقد أنزلت قناة المنار اللبنانية من القمر الصناعي »هوتبارد« بسبب بثها لمسلسل عن اليهود اعتبر أنه يدعو إلى العنصرية، كما أنزلت مؤخرا قناة العالم من »النايل سات« فقط لاعتبارات سياسية متعلقة بالاختلافات القائمة بين مصر وإيران. إنه من السهل جدا إقناع كل الاتحادات الدولية بإنزال القنوات المصرية لأن ما بثته يتنافى وكل أخلاقيات المهنة الإعلامية ويتنافى مع كل الأعراف والقوانين الدولية الصادرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. إن شرف أمهاتنا وقداسة تضحيات شهدائنا الذين قالوا عنهم أنهم »مليون جزمة« يفرض على السلطات الجزائرية ورجال القانون والاتصال السعي بكل جد، وفي إطار القانون الدولي، من اجل معاقبة الترسانة البالية للدعاية المصرية. إنها مهمة وطنية لابد من القيام بها حتى لا تتكرر المهزلة المصرية سواء معنا أو مع أية دولة عربية أخرى.