تأليف : محمد صادق الهاشمي مركز العراق للدراسات : 2005 يقول صاحب الكتاب في مقدمته إنه منذ التسعينات من القرن العشرين والعالم بأسره يعيش تحولات جذرية في العلاقات الدولية، وأن خارطة الطريق التي طبختها المطابخ الأمريكية حسب ما يتجلى في الواقع العملي، لم تكن مختصرة ومحددة للمشكل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما العالم بأسره تعاد صياغته صياغةً قد ظهرت بوادرها في العراق، إلا أنها زماناً قد أُعد لها منذ ربع قرن ومكاناً تشمل مساحة العالم بأسره، ابتداءً من العراق والمنطقة العربية والإسلامية وتلقي بظلالها هذه التحولات على أوربا والتوازنات الدولية كلّها، كما أن هذا النظام الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وأنهى العصر الأوروبي للسيطرة، وأتسم بتقسيم النفوذ وتقاسم التركات والمناطق في مؤتمر مالطا (فبراير 1945م) على غرار طريقة البابا الاسكندر السادس الذي أصدر في عام (1493) قراراً قسم بموجبه القارة الأمريكية المكتشفة بين إسبانيا والبرتغال. حقيقة أمريكا يختم الدكتور الهاشمي في هذا الفصل كتابه بالتأكيد على أن الموقف الأمريكي وخاصة إدارة بوش الابن أكثر تشدداً إزاء الشرق الأوسط وممارسة العمل العسكري والتدخل في المنطقة من خلال غزو العراق, فقد تبنّت في حملتها الانتخابية لهجة متشددة ضد العراق، وكان فريق إدارة بوش (نائب الرئيس، ووزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي) من أنصار توجيه ضربة أمريكية للعراق بهدف الاطاحة بنظام صدام المخلوع. وكان الاقتراح الذي قدمته الولاياتالمتحدة وبريطانيا إلى مجلس الأمن في 2001م والمعروف بنظام العقوبات الذكية ضد العراق قد أخفق، لعدم اقتناع بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن بهذا المشروع وبعد النصر السريع الذي تحقق للولايات المتحدة في أفغانستان، تصاعد الخطاب الأمريكي بشأن القيام بعمل عسكري ضد العراق، ورأت أن العراق خطر وأن الإرهاب المتصاعد في الشرق ومن الإسلام المتطرف، لابد من ضربه بضربة استباقية سواءً تحت مظلة الأممالمتحدة أو بصورة منفردةٍ ولقد رأت الإدارة الأمريكية أن احتلال العراق سيفتح الطريق أمام تطورات إيجابية كبيرة في الشرق الأوسط، وكان الخطاب الأمريكي يركز على أن تأسيس نظام ديمقراطي في العراق يمكن أن يؤدّي إلى تغيير شكل الشرق الأوسط بالكامل، بمعنى تغيير موازين القوة السياسية بين القوى المتشددة والمعتدلة، وتسهيل التقدم باتجاه تسوية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تخفيف المعارضة التي تواجهها التسوية السلمية. ويضيف الدكتور أن واشنطن كانت تعتقد أن هيمنة النظام الدولي الجديد سوف تؤدي بدول المنطقة إلى الاعتراف بإسرائيل، وهذا يحقق هدفين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وهما: تدفق النفط وضمان أمن إسرائيل وهذا تكريس سياسي لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الذي تستفيد منه أمريكا في حسم هيمنتها وبسط نفوذها على العالم، وعلى أي دولة محتمل أن تلعب دوراً قطبياً بديلاً عن الاتحاد السوفيتي، وتستفيد منه إسرائيل في صراعها مع العرب في بسط نفوذها وإنهاء مشاكلها ورفع العقبات التي تقف في طريقها وهذه هي (الامبريالية الديمقراطية). في نفس السياق يشير الدكتور إلى أن هذه الحرب جاءت مخالفة للشرعية الدولية ولمقررات الأممالمتحدة فهي حرب عدوانية بكل وضوح و تريد فرض ثقافة جديدة أولاً وبالذات، ثقافة غربية منافية الثقافة الإسلامية، تنهي هذه الثقافة بدورها الموقف العقائدي الراسخ لدى المسلمين ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضد سياسات أمريكا، ومن ثم تقتنع هذه الشعوب بأن الولاياتالمتحدة مصدر الديمقراطية وهذا يؤمن للطرفين الاستقرار الدائم كما أن السبيل الأوحد لمواجهة المشروع الأمريكي هو الموقف الإسلامي الوطني الموحد، والسعي لأن يكون هناك مشروع إسلاميّ أكبر لمواجهة تحديات الغزو العسكري والسياسي والثقافي، وبناء الأمة من الداخل، لأن تماسكها وتمسكها بمبادئها سبيلان لطرد المحتل وحفظ الإسلام وإفشال المخططات الأمريكية الصهيونية، والبناء على الثوابت الأساسية التي منها يتم الإعتقاد بعمق الخلافات والصراع مع إسرائيل الغاصبة. كذلك يرى الكاتب أن المشروع السياسي في العراق خيارٌ اختارته المرجعية الدينية العليا وآمنت به، وفعّلت دوره القوى السياسية والوطنية، واستجابت له الأمة بأسرها، وهو فاعل في رسم المستقبل السياسي للعراق فيما لو استكمل كل مفرداته ابتداءً بالانتخابات وفرز حكومة منتخبة ووضع دستور شرعي نابع عن إرادة الأمة وتصويتها، وحافظ لإسلامها وحقوقها وهويتها، وانتهاءً بالبرامج التي وضعت لهذه الفصائل والقوى المنتخبة وهي: استقلال البلاد، وطرد المحتل و إرجاع العراق إلى علاقاته مع الأسرة الدولية والإسلامية والعربية. يقول الدكتور أيضا أنه في هذه الدراسة ركز على أن أمريكا لم تأت الى العراق والمنطقة لأسباب اقتصادية فقط، بل كان هدفها الأساس آيديولوجياً سياسياً يتعلق بها وبإسرائيل وأمريكا اليوم حقيقةٌ على الأرض الإسلامية، وقد خلص بالبحث إلى حقائق هامة، هي الترابط الإسرائيلي الأمريكي في المصير في هذا المشروع وهذا تطلب منه عرض بعض الحقائق عن تاريخ أمريكا في العالم، كي يستشرف الشعب العراقي ما ستؤول إليه الأحداث من خلال معرفة الواقع الذي مارسته أمريكا مع بعض شعوب العالم ومن ثم يحدد مصيره وهي: فيتنام منذ عام 1940 وأمريكا تحاول دخول الحرب ضد فيتنام، إلا أنها دخلت الحرب علنياً عام ,1961 واستمرت إلى عام ,1975 في هذه الحرب شارك 540ألف جندي أمريكي، وكانت الخسائر الأمريكية في هذه الحرب أكثر من 211 ألف جنديّاً، وبما أن الاستراتيجية الحربية كانت ترتكز على القصف، وعلى سبيل المثال ألقت القوات الأمريكية على الشعب الفيتنامي نوعاً من القنابل الكيميائية تحتوي على مادة بلون برتقالي(1) تسمى (Agent Orange) لا يزال العديد من الجنود الأمريكيين الذين أصيبوا بها يعانون من تبعاتها المرضية وفي إحدى المقابلات قال جندي أمريكي كان في فيتنام: كنت مع جنود آخرين نجلس في مؤخرة شاحنة مررنا بعدد من الصبية الفيتناميين، أشار بعض الصبية إلينا باصبعه الوسطى (علامة سب)، فاطلقنا النار عليهم وقتلناهم جميعاً، ثم بكى هذا الجندي بعد أن روى جريمته. غرينادا قامت أمريكا في 25 أكتوبر 1983 في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بالهجوم على دولة صغيرة اسمها غرينادا، وبسبب المجازر التي ارتكبتها القوات الأمريكية هناك لم تسمح لمدة اسبوعين حتى لمراسليها بدخول تلك الدولة والرئيس الأمريكي ريغان الذي ارتكب تلك المجازر بدم بارد بحق شعب كرينادا، كان يتصل هاتفياً باستمرار من ولاية آلاسكا ليتابع أخبار ثلاثة حيتان حاصرتها الثلوج، وكلفت عملية انقاذ هذه الحيتان 5.8 مليون دولار وعلى مدى أسبوعين كانت محطات التلفزة الأمريكية المعروفة مثل NBC وNNC تخصص جزءاً كبيراً من أخبارها وتقاريرها لعملية انقاذ الحيتان، في حين أنها كانت تتجاهل ما يدور في كرينادا ولبنان وفلسطين. كولومبيا لأسباب استراتيجية ارتأت الحكومة الأمريكية ربط المحيط الهادي بالمحيط الاطلسي من خلال قناة في مكان من أرض كولومبيا، وهي منطقة كيب هورن، واقترحت أمريكا لهذا الغرض على كولومبيا بيع هذا المكان بعرض 6 أميال بقيمة 10 مليون دولار، إلا أن البرلمان الكولومبي طلب (25) مليون دولار بدل العشرة المقترحة من قبل الحكومة الأمريكية وصار هذا سبباً لأن تدبر أمريكا عملية عصيان ضد الحكومة الكولومبية بواسطة بعض العسكريين، أسفر عنها فصل الجزء الشمالي من كولومبيا وإقامة دولة أخرى فيه باسم باناما وحفرت القناة في هذا الجزء، وتولت شركة فرنسية حفر هذه القناة ومندوب الشركة فيليبي بونا وفاريلا صار سفيراً لباناما في أمريكا، وبدلاً من الستة أميال المقترحة، أخذت أمريكا من خلال فاريك منطقة بعرض عشرة أميال. باناما تسع سنوات وباناما تعيش تحت الهيمنة الأمريكية، وتشهد أنواع البطش والجرائم من خلال الجنرال نورييغا، وهو أحد مرتزقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نورييغا حكم باناما بوصفه رئيس جمهورية، إلا أن أمريكا ولأسباب خاصة بها أرادت استبداله بآخر، فتمرد عليهم كما حصل لصدام حسين، فادعت أمريكا أنه يتاجر بالمخدرات، وكانت هذه الأحداث زمن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وتبنت أمريكا مشروع معاقبة نورييغا؛ لأنه مهرب ومتاجر بالمخدرات، ووضعت السي آي أيه خطة جرى خلالها إطلاق نار من قبل الجواسيس الأمريكيين على الجنود الأمريكيين المستقرين في باناما، وتحت هذه الذريعة قامت امريكا على الفور بإنزال قواتها في باناما، وقتلت 4آلاف بانامي، واعتقلت نورييغا، ونقلته إلى سجن في ولاية فلوريدا الأمريكية وكانت أمريكا تمارس هذه الجرائم الدموية مع شعوب العالم بدم بارد؛ لأنها لا تفكر إلا في مصالحها ومصالح الصهاينة معها، وهي مستعدة من أجل ذلك أن تضحي بجميع القيم من أجل المصالح، وأن مقولات مثل حقوق الإنسان (Human Rights) والحرية (Liberty) وتقرير المصير (Mani Fest Dastiny) وحرية السوق (Free Market) وإقامة الحكومة الديمقراطية (Democratic-Covermment) وغير ذلك، هي مجرد شعارات خادعة تطلقها أمريكا، انطلت وللأسف الشديد على العديد من شعوب العالم، وحينما تتحدث امريكا اليوم عن النظام العالمي الجديد (The New World Ordor) فإنها تتحدث بلا شك عن الهيمنة الجديدة التي تسعى لتحقيقها على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً. كوبا أمريكا مارست ظلماً ومجازر بشعة في كوبا بواسطة عملائها، إلا أن المحامي فيدل كاسترو استطاع في الأول من يناير 1959 إسقاط حكم الدكتاتور فولنجستو المدعوم من أمريكا ومنذ ذلك التاريخ وأمريكا تمارس كل أنواع الحصار الاقتصادي والإعلامي والهجمات العسكرية ضد كوبا، وفي عام 1961 في عهد الرئيس الأمريكي جون أف كندي، هاجمت أمريكا بواسطة بعض العملاء الفارّين إليها وهذه طريقتها، فهي تجعل من اللاجئيين في بلدها عملاء لها، تدخل بهم البلاد، وتنفّذ بهم المشاريع، وتحولهم إلى دعاة للحرية والديمقراطية وساندت وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) المتمردين على هذا البلد في منطقة خليج الخنازير Bay of pigs، إلا أن تحركهم باء بالفشل. تشيلي العالم كله يعترف فضلاً عن أمريكا ذاتها بأن السيد سلفادور اللندي غوسنز فاز في انتخابات رئاسة الجمهورية بشيلي عام 1970 بأغلبية الأصوات وقبل الإعلان عن النتائج بعث هنري كيسنجر رسالة إلى إدوارد كوري وهو سفير أمريكا لدى تشيلي فيها: (...إذا ما وصل اللندي إلى السلطة فإننا سنعمل كل ما في جهدنا لإدانة شيلي وجعل الشعب الشيلي يعاني أشد مستويات الفقر..). Once Allende Comes to power in chile we Will do in our power to Codemn child and chileans to the utmot depriration and poverty. وفي النهاية قتل اللندي عام 1973 في انقلاب عسكري وجيء بجنرال عميل عسكري وهو بينو شيه. السلفادور خلال بضع ساعات قتل في السلفادور عام 1932 اكثر من 30.000 شخص أي 2% من عدد سكان البلاد حينها وهناك تفاصيل مروعة ذكرت في كتاب (وجه الثورة في السلفادور) الذي يتحدث عن ادق التفاصيل في سلوك الاستبداد واسناد الدكتاتورية، إلى درجة يقول: إن العملاء كانوا يرتدون قمصاناً رسم عليها جمجمة وعضام متقاطعة، وأنهم كانوا يمسكون بالاطفال ويرمون بهم في الهواء ثم يمزقون أجسادهم بسكاكين كبيرة. وقد ارتكبت أمريكا جرائم في أجزاء عديدة أخرى من العالم، مثلاً في كواتيمالا والصومال وهايتي ولبنان وزائير، والفلبين. أمريكا وحرب الخليج الثانية كانت حرب الخليج الثانية حرباً نووية؛ لأن النفايات المكدسة لدى أمريكا منذ 50 عاماً بلغت أكثر من مليار و100 مليون رطل و(500) مليون كغم من اليورانيوم المنضب (النفايات النووية) في مخازنها واضافت أمريكا مليارات الدولارات إلى الميزانية لغرض تطهير البيئة من النفايات النووية، إلا أن قسم حماية البيئة في وزارة الطاقة الأمريكية صرف تلك الميزانية على نقل تلك المواد إلى دول تستخدمها بوصفها مادة مكررة في إنتاج الأسلحة، وأن أحد برامج التطهير في وزارة الدفاع هو وضع اليورانيوم المنضب تحت تصرف مصانع السلاح مجانا، واليورانيوم من المواد النووية المشعة والسامة جداً و هذه المواد تحترق عند الاصابة وتتحول إلى ذرات صغيرة في الجو يمكنها تلويث عشرات الأميال وفي العراق استخدم هذا السلاح، وهناك العديد من الاشخاص في مختلف المناطق العراقية أنجبوا أبناء يعانون من تشوهات جسمية، لأن أمريكا في حرب الخليج قامت بإلقاء (50.000) صاروخ من صواريخ توما هوك كروز وقذائف معبأة باليورانيوم المنضب على العراق بواسطة 110.000 غارة جوية، كما أن الطائرات الأمريكية ألقت أكثر من 88.000 الف طن من القنابل على العراق أي 7.5 أضعاف ما ألقت به أمريكا على هيروشيما، وأطلقت مقاتلات (فاير تشايلد أي 10) (Fair child A-01) ما يقارب من (940) الف طلقة من عيار 30 ملم معبأة باليورانيوم المنضب، أي ما مجموعه 255.860 كغم من اليورانيوم المنضب. والسؤال المنطقي: إذا كان (90.000) عسكري أمريكي أصيبوا بتبعات المواد المشعة عام ,1997 فما هو عدد العراقيين الذين لحقتهم أخطار هذه المواد المشعة، وهم الذين تعرضوا للقصف من هذه الذخائر التي تحتوي يورانيوم، دون أي واقيات. وهناوبعد هذه الحقائق عن أمريكا يختم الدكتور كتابه بأن أمريكا مارست إجراماً وقهراً للشعوب، ونهباً لخيراتها، وسفكاً لدمائها، ما لم تمارسه أعتى الدكتاتوريات، بل فرضت وانجبت وكالاتها المخابراتية إرهاباً وإرهابيين صدرتهم إلى بلدانهم ليمارسوا دوراً من القمع بعد المجيء الدموي الانقلابي، كما لاحظنا في العديد من البلدان. أمريكا التي تريد نزع السلاح النووي من البلدان الإسلامية، هي التي قامت (67) عملية اختبار للقنابل الذرية الهيدروجينية في جزر مارشال، وأبادت شعوب جزيرة بكيني؛ إذ ألقت فيها قنبلة برانو الهيدروجينية التي تعادل قدرتها التفجيرية 15 مليون طن، بما يساوي (1000) قنبلة ذرية من النوع الذي ألقي على هيروشيما و هذه هي بعض الحقائق عن أمريكا، فعلى شعوب العالم الإسلامي أن تدرك أن لا سبيل أمامها إلا الاتحاد والعمل الجاد تحت مشروع إسلامي وحدوي سياسي، لطرد المحتل، سيما وأن الشرعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن هي سند نستطيع الإفادة منها في إنجاز مشروعنا الاستقلالي وإفشال مشروع الاحتلال ومشروع إسرائيل الكبرى (مشروع الشرق الأوسط الكبير).