التصريح الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط لوزير الخارجية مراد مدلسي ليس ذلك التصريح الذي أعادت نشره وكالة الأنباء الجزائرية ونقلته معظم الصحف أمس، وبين التصريحين فرق واسع لا يحتاج إلى ذكاء خارق حتى يتم تبينه. نشرت الشرق الأوسط أن الوزير قال "من خلال جريدتكم (الشرق الأوسط) كوسيط حب واحترام نتمنى كل الخير لمصر ونرغب في طي الصفحة"، وجاء في الخبر تأكيد مدلسي "أن بلاده ملتزمة بالتهدئة وانتهاء الحملات الصحافية"، وليس في هذا الكلام ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الوزير دعا إلى وقف الحملة الإعلامية القذرة التي شنها الإعلام المصري، الخاص والرسمي، على الشعب الجزائري ودولته ورموزه، ولا نجد فيما نشرت الشرق الأوسط أي تنديد بهذه الحملة أو دعوة إلى الكف عن سب الجزائر، بل إن الوزير تحدث عن وقف الحملات الصحافية وهذه مغالطة خطيرة باعتبار أن الإعلام الرسمي الجزائري لم يهاجم مصر وحتى الإعلام الخاص الذي ارتكب أخطاء فادحة لا يمكن أن يقارن بالقنوات الفضائية المصرية التي أعطت مثالا فريدا من نوعه في البذاءة والإسفاف. لا يهم إن كان الوزير قد استدرج أو أنه يعبر عن موقف رسمي باهت لا يرقى حتى إلى الصمت الذي اعتبرناه حكمة، فمجرد أن تتحول جريدة الشرق الأوسط إلى "وسيط حب واحترام" كما وصفها الوزير يعكس إدارة سيئة لهذه الأزمة المصرية التي صدرت لنا عنوة، فقناة الاتصال لا يجب أن تكون جريدة بين دولتين يقول الوزير إن الاتصال بينهما لم ينقطع، ثم إن الجزائر لم تقم بأي تصعيد حتى تعبر عن رغبتها في التهدئة أو تكون مطالبة بأي خطوة في هذا الاتجاه. من الصعب الدفاع عن موقف مدلسي، ومن المستحيل اعتبار ما نشرته الشرق الأوسط هو موقف الجزائر، فالإهانات التي لحقت بالجزائر وشهدائها كانت خطيئة من خطايا النظام المصري، وكانت الحملة جرما رسميا، ومن غير المقبول أن يتم نشر صياغة أخرى للتصريح لتضليل الناس هنا، وإذا كان الوزير لم يقل ما نشرته الشرق الأوسط فعليه أن يعلن ذلك رسميا، أما إذا كان ذلك هو الموقف الرسمي فإنه لا يمثل الملايين الذين لن ينسوا أبدا الإهانات التي لحقت بشهدائهم، وليست الجزائر التي تغض الطرف عمن يتجرأ على شهدائها.