يقينا فقد أبانت رسالة البطلة جميلة بوحيرد عن وجه للقضية ربما أضعناه وهو أن الأوان قد حان من أجل إعادة النظر في المنح التي تمنح لذوي الحقوق من المجاهدين وعائلات الشهداء بالنظر إلى مستوى المعيشة والظروف الصعبة التي صار يعانيها هؤلاء سواء الذين تصل معاناتهم أو لا. وصحيح أيضا أن واجب التقدير وعرفان الأمة يحتمان الانتباه باستمرار إلى حاجات هؤلاء الذين قدموا أعزّ ما يملكون ووقفوا في التاريخ لتحرير هذه الأرض وتمجيد الجزائر، وهو ما تقوم به الدولة منذ الاستقلال بكل صدق ولا تزال بالرغم من بعض أوجه التقصير أو الخلل الذي تمثّل رسالة بوحيرد أحد مواطنه أو أشكاله. لقد ظلت بوحيرد رمزا من رموز الجزائر فهي إلى جانب جميلات أخريات وأفذاذ آخرين مثلا للبطولة والفخار الوطني لجيل تنكّر لذاته من أجل مستقبل البلد، وستبقى كذلك في أعين الجزائريين بعد الاستقلال خالصة من أي تشويه أو غبش.. يريد الجزائريون لرموزهم أن بقى صافية شفيفة بعيدة عن أي توظيف سياسوي أو استعمال رخيص من طرف فئات المصالح التي تسطو في مثل هذه المواقف على الفرصة لتصفية حساباتها الرخيصة مع قوى معينة في السلطة أو مع الرئيس بوتفليقة نفسه.. ! رموز الجزائر أكبر من القضايا الصغيرة والاختلافات المرحلية، و جميلة بوحيرد ومثيلاتها من الرموز العليا التي ينبغي أن تبقى بعيدة عن التدوير والتوظيف وحتى التشويه.. بغض النظر عن الظروف الصحية والاجتماعية التي حرّكت بوحيرد لتراسل بوتفليقة أو الجزائريين والجزائريات، إلا أن القراءة السياسية والإعلامية للمضمون تدفع إلى الاعتقاد بأن هناك توظيف ما تمّ من خلاله استغلال صدق بوحيرد ووطنيتها المشهودة في الأمر على اعتبار أن بوحيرد وكثير من رموزنا التاريخية لا تعوزهم البطولة والوطنية الصادقة ولكن يعوزهم التسييس وفن الدراية والأمثلة عديدة. هل كان على بوحيرد ومن كان في مقامها واعتبارها أن تلجأ إلى الرأي العام وتجهر بما تحتاج؟ هل كان التوقيت والمكان مناسبين؟ ألم يكن الأولى أن تلجأ إلى الدولة الجزائرية وتطالب، وليس تطلب، بدعم من الحكومة لمواجهة مصاعبها، وهل كان بوتفليقة وهو رئيس كل الجزائريين ليتأخّر عن التكفّل بها؟ لا أشك مطلقا بأن الرئيس سيؤدي الواجب مع بوحيرد كما أداه مع غيرها من جيله، جيل الثورة، ليس من أجلها فقط بل من أجل الجزائر التي تعنى برموزها وتحتفي بأبطالها الأموات منهم والأحياء، وأما العابثون من بعض الدوائر الإعلامية والسياسية بالمسألة فليتهم يفرّقون بين معارضة السلطة ومعارضة البلد، لأن التوظيف الحقير الذي نشم رائحته الكريهة هذه الأيام أساء لنا جميعا ومنح الفرصة غير المنتظرة للأعداء والخصوم وحتى »الأشقاء».. ! لتبقى بوحيرد وغيرها من الرموز الوطنية أكبر من أي توظيف.