دوّخت البطلة الرمز جميلة بوحيرد شعبها هذه الأيام، مثلما دوّخت فرنسا الاستعمارية قبل أكثر من نصف قرن، عندما استطاعت جبهة التحرير الوطني أن تحول الحكم عليها بالإعدام إلى لعنة حقيقية، تطارد الجمهورية الرابعة المدنفة وبعدها الجمهورية الخامسة المتنطعة. * هل يعقل ألا يتكفل النظام القائم بمرض البطلة الرمز؟ ! والأدهى من ذلك هل يعقل أن يتكفل بها تكفلا منقوصا؟ ! * وفي كلتا الحالين ترى لماذا يضع النظام هذه البطلة الرمز - ويضع نفسه معها - في مثل هذه الوضعية الحرجة التي تثير شفقة العدو قبل الصديق؟ ! * لقد أحرجت خرجة جميلة بوحيرد الأحد الماضي الشعب الجزائري، بدءاً بأحرار هذا الوطن وحرّاته الذين تجسد البطلة الرمز أنفتهم وإ باءهم .. * فنظام الاستقلال من بن بلة إلى بوتفليقة كان من المفروض أن يسارع بتسوية وضعية رموز ثورة التحرير، حفاظا على كرامة هؤلاء الرموز وكرامة الثورة نفسها، فضلا عن كرامة الشعب الجزائري وأمجاده .. * كان من المفروض أن يضع قائمة للرموز من المجاهدين والمجاهدات، وينشئ مصالح خاصة على مستوى الرئاسة والحكومة ووزارتي الدفاع والمجاهدين مثلا..، تكون في خدمة هؤلاء الرموز بعد تحديد واجباتهم كرموز وحقوقهم بكل وضوح.. * وما ينطبق على رموز المجاهدين ينطبق كذلك على رموز الشهداء.. فمن العار أن نسمع من هنا وهناك أن أرملة هذا الشهيد الرمز أو أبناءه أصبحت موضوعا للنكاية والتشفّي من بقايا »الحرْكة« وسلالة الخيانة بصفة عامة! * ولنعدْ إلى موضوع »التكفل الناقص« بالرموز الذي هو أسوأ من عدم التكفل بالمرة! هذا »التكفل البهدلة« سبق أن نبّه إليه أكثر من مرة، أخيرا الكاتب الكبير الطاهر وطار الذي يكافح في ديار الغربة مرضا خطيرا منذ قرابة السنة. فقد سمعنا أن الرئيس بوتفليقة شخصيا أمر بالتكفل »بعمي الطاهر«، لكن الحال أن هذا الأخير يعاني المرض والضنك بباريس، فضلا عن سوء المعاملة من قنصل الجزائر العام بها! مثلا يشكو عمي الطاهر من انتهاء مدة تأشيرته ولم يجد أدنى مساعدة إلى حد كتابة هذه السطور على الأقل من سيادة القنصل العام! ويبدو أن البطلة الرمز جميلة بوحيرد ذهبت بدورها ضحية هذا »التكفل البهدلة«، فضلا عن سوء معاملة سعادة سفيرنا هناك الذي يشاع عنه أنه يعيش في ترف وفخفخة ملكية، ويبذر المال العام بالعملة الصعبة! تبذيرا.. * فهل نفهم من ذلك أن هناك تمييزا في التكفل المرضي بين كبار المسؤولين الآنيين ورموز الثورة والفترات السابقة؟ ! وهل هناك » متكفل بهم « من الدرجة الأولى وآخرون بدون تصنيف؟ ! * فإذا كانت البطلة الرمز من الصنف الأخير مثل "عمي الطاهر" فلا حق لنا أن نستغرب خرجتها الأخيرة، وانتفاضتها المشروعة لكرامتها وحقوقها.. ذلك أن التكفل »اللائق« برموزنا واجب وحق، وليس صدقة أو هبة من سادة الساعة، فهؤلاء السادة لا حق لهم في رهن التكفل اللائق بولاء أو "شيتة".. وأكثر من ذلك أن ينتظروا هذا الولاء أو "الشيتة" من جميلة بوحيرد! وحتى إذا اعتبر سادة اليوم أن مثل هذا التكفل هو من "فعل الخير" فكان عليهم في هذه الحالة أن يلتزموا بالقول المأثور: "إذا فعلت خيرا فأكمله"! فإذا كان عدم التكفل عيبا "فالتكفل البهدلة " عار بأتم معنى الكلمة . * وقديما قال الشاعر المتنبي في هذا الصدد : * "ولم أرَ في عيوب الناس طرًّا .. * كعجز القادرين على التمام ..!" * يرى البعض أن صرخة بوحيرد تخفي أكثر من طلب العون للعلاج بالخارج، وباب الاجتهاد مفتوح فيما يمكن أن تخفي.. وفي تقديري أنها صرخة ضد ما تعانيه المرأة المجاهدة بصفة عامة من تمييز وقلة اعتبار قياسا بإخوانها من المجاهدين.. * ذهلت ذات يوم وأنا أسمع مسؤول منظمة المجاهدين بإحدى الولايات الهامة يقول : إن عدد المجاهدات الحائزات على شهادات الاعتراف بالولاية يكاد يعد على الأصابع ! * ويمكن أن نضيف تمييزا في الرتب والمنح، علما أن مساعي المرأة عندنا للاستفادة من حقوقها دون مساعي الرجل بصفة عامة . * ومعروف عن دولة القانون والعدالة أن المصالح المعنية بحقوق المواطنين لا تكتفي باطلاعهم على حقوقهم، بل تيسر لهم سبل الانتفاع بها، وتدعوهم لاستلامها في حالة تأخرهم عن ذلك.. ومادمنا مازلنا بعيدين عن دولة القانون والعدالة، فلا غرابة أن نهتز بين الحين والآخر، أمام صرخة مدوية كصرخة جميلة بوحيرد البطلة الرمز الأحد الماضي على صفحات »الشروق«.. صرخة الانتفاض للكرامة والدفاع عن الحق.. كان الشهيد مراد ديدوش قد أوصانا بالحفاظ على ذكرى شهدائنا الأبرار، ويمكن أن نلمس في صرخة جميلة وصية أخرى مفادها: "حافظوا على رموزنا".