من أي زاوية يمكن أن ننظر إلى زلزال سوناطراك، من يستهويهم جمع الأدلة على شيوع الفساد يقولون إن هذا ليس إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، وسيقول أهل السلطة والسابحون في فلكها إن لا أحد ينكر وجود الفساد لكن ما يجري مهم جدا لأنه يبين إرادة صلبة في محاربة هذا الفساد. عندما يتعلق الأمر بسوناطراك فإننا سنكون أمام مصدر قوت الجزائريين وسبب استمرار وجود دولتهم، ومن هنا فإن التصدي لهذا الملف، وهو ملف معروف منذ سنوات للعام والخاص،يعني أننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة يمكن فيها أن نسمع عن سقوط الرؤوس الكبيرة، لكن في كل مرة ينتابنا نفس الشعور بأن القضية قد تغلق دون أن يتلقى الفساد الضربة القاضية، ودون أن يلاقي المذنبون الحقيقيون الجزاء الذي يستحقونه، فقد حدث وأن طوي ملف الخليفة بطريقة لم تقنع أغلبية الجزائريين، وحدث أن تحول المتهمون إلى شهود دون أن تفضي جلسات الاستماع إليهم في المحكمة العليا إلى نتيجة تذكر. الفساد في سوناطراك لا بد أن تكون له تعقيداته العالمية لأننا نتحدث عن واحدة من أكبر عشر شركات نفطية في العالم، وقبل أيام قليلة شاهدت مجددا حوارا سريعا أجرته القناة الفرنسية الثانية مع الرئيس بوتفليقة خلال بداية عهده، وكان من بين الأسئلة التي طرحت عليه "ما الذي ستفعلونه لمحاربة الفساد؟ " وكان رد الرئيس أن الجزائر ستكافح على المستوى العالمي من أجل محاربة هذه الظاهرة التي تلحق أضرارا كبيرة باقتصاديات بلداننا"، وكانت الرسالة واضحة تماما، إذا كان هنا فساد، فهناك مفسدون وفاسدون يشجعون ويدفعون من أجل غنائم أكبر، ولا أعرف مثالا أفضل من سوناطراك يمكن أن ينطبق عليه هذا التحليل. من هنا تبدو مهمة العدالة الجزائرية صعبة هذه المرة، فهي مطالبة بكشف الحقيقة كاملة، والأمر لا علاقة له بالأشخاص، والأهم من هذا هو كشف الامتدادات الخارجية لهذا الفساد، ورجاء لا تقدموا لنا تفاصيل عن أكياس أموال بالدينار، وعن الوقود الذي يستفيد مه البعض بالمجان، ولا حتى عن عمليات توظيف وترقية مشبوهة، فهذه نقاط في محيط سوناطراك الذي لا يحسب إلا بالدولار.