أجمع خبراء اقتصاديون بالجزائر أن السبب الرئيسي في تأخر الجزائر لانضمامها للمنظمة العالمية للتجارة هو عدم توفر الشروط اللازمة لولوج سوق دولية منفتحة، مرتكزة على مؤشر تنافسي وحيد هو الجودة، بالإضافة إلى عدم ارتقاء سياسات التسيير إلى المعايير الدولية التي تشترطها المنظمة. قال يعلاوي إدريس، مختص في الاقتصاد، إن الجزائر غير مستعدة للانضمام إلى المنظمة الدولية للتجارة بسبب عجز منظومتها الاقتصادية على مجاراة التنافسية التي تتسم بها السوق الدولية، سواء كان ذلك في تقديم الخدمات أو في ترويج السلع، موضحا»يجب الاعتراف بعدم توفر الشروط التي تضعها المنظمة في الوقت الحالي« ،مع العلم أن الدخول هو اختياري لكننا مجبرون على التقيد بالقوانين والشروط التي تضعها المنظمة ويرى المهندس بن يحي فريد، وهو وأستاذ في العلاقات الدولية ومستشار في تسيير المؤسسات، أن أسباب تأخر انضمام الجزائر تتلخص في هروب الكفاءات إلى الخارج وضعف النظام البنكي بالجزائر وكذا الوضعية السيئة للعقار الصناعي والفلاحي وغياب تحليل نظم التسيير المعتمدة. وألح الأستاذ بن يحي خلال ندوة نظمتها الإذاعة الوطنية حول موضوع »تأخر انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة« على ضرورة الاستثمار في الجانب البشري والعمل على إعادة استقطاب الكفاءات والأدمغة التي كلفت هجرتها 100 مليار دولار، لا سيما الكفاءات التي تعمل في المجالات الحيوية كالطيران والطب المتخصص والمجال الطاقوي ، وذلك من اجل تدعيم عملية تأهيل المؤسسات الاقتصادية التي تحتاج 58 بالمائة منها في الجزائر في حالة تسييرية ومالية حرجة. وأردف بن يحي يقول أن الصناعة الجزائرية كانت لتضاهي الصناعة الحالية في كوريا والفلاحة كتلك الاسبانية كما أن النشاط السياحي كان سيوازي ذلك المسجل في اليونان، كما أن المستوى التكويني في الجزائر كان ليقارب مستوى التكوين في فرنسا وألمانيا لو ما مرت الجزائر بالأزمة الأمنية التي قسمت ظهر الاقتصاد والتجارة وفتحت الباب على مصراعيه للتجارة الموازية والتقليد والمضاربة لتحل محل الإنتاج والإبداع الوطني . من جانبها، أكدت الخبيرة المعتمدة في الاقتصاد إينال مريم أستاذة بالمعهد الوطني للعلوم الاقتصادية بالجزائر، أن العائق يكمن في عجز داخلي وتعجيزات خارجية صادرة من المنظمة في حد ذاتها، وأضافت الخبيرة أن المنظمة التي طرحت على الجزائر حتى اليوم 213 مسالة أجاب عنها الخبراء، إلا أن الدخول إلى المنظمة يتطلب الانفتاح على السوق في مجال الخدمات وكذا تغيير الأنظمة القانونية وهو ما يمس المصالح الجزائرية لا سيما المتعلقة بالسيادة الوطنية . وتضع الحكومة الانضمام أولى أولوياتها في المرحلة المقبلة لتطوير اقتصادها، إلا أنها تعارض تقديم مزيد من التنازلات، إذ هي ليست مستعدة للتخلي عن التسعير المزدوج للطاقة في الأسواق المحلية والدولية، كما لا تريد إقرار نمط آخر لمنظومة الخدمات، تبعا للمصاعب التي تواجهها البلاد جراء تحديث وتحرير الخدمات، لا سيما في مجال البنوك. و ترى الحكومة أن الانضمام للمنظمة، يشكل أنسب إطار للدفاع عن مصالح الجزائر التجارية، لكنها في نفس الوقت ترفض أن يكون تجسيد هذه الخطوة »قبولا بقواعد يريد بعض الأعضاء فرضها علينا«، خاصة الشروط الأمريكية والأوروبية. ويتفاءل مراقبون بانضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية، خصوصا أن نقاط الاختلاف مع الدول الأعضاء في المنظمة تقلصت من 150 العام قبل الماضي إلى 8 فقط، أخذت طابع »الاستفسارات«في الربع الأول من السنة الماضية.