خلص الخبراء والباحثون في الشؤون الاقتصادية أمس إلى ضرورة تبني الجزائر لنظرة سياسية استراتيجية لإعادة هيكلة الصناعة وتطوير المنتوج المحلي، قصد دفع مسار مفاوضات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، مرجعين سبب تأخر لحاق الجزائر بهذا المجمع الاقتصادي العالمي منذ تسجيل طلب الانضمام سنة 1987 إلى عدة أسباب ذات صلة بالوضع الاقتصادي الذي كانت تعيشه البلاد. وأضاف المشاركون على هامش المائدة المستديرة التي احتضنها "فوروم المجاهد" حول "رهانات وشروط انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة" أن الاهتمام بإنعاش الوضع الاقتصادي والاعتماد على الإرادة السياسية اللازمة لمواصلة تأهيل المؤسسات وعصرنتها، سيمكن الجزائر خلال ال10 سنوات القادمة من احتلال مناصب ريادية اقتصاديا. وفي هذا السياق، ركز الخبير الاقتصادي السيد فريد بن يحي على الجانب التعليمي والثقافي الذي كان سببا في تأخر لحاق الجزائر بركب منظمة التجارة العالمية، من خلال تسرب الكفاءات الوطنية إلى الخارج، مشيرا إلى أن هذا المشكل تعاني منه دول العالم الثالث بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة. وأضاف أن هذا الرهان الذي تواجهه الجزائر أجبرها على تضييع ما يقارب100 مليار دولار في مختلف المجالات على غرار الطب، العلوم النووية، التقنيات التكنولوجية، ... وهو ما دفع المختصين إلى دق ناقوس الخطر، بدعوة السلطات المعنية إلى ضرورة الاستثمار أكثر في العامل البشري باعتباره وقود التنمية الاقتصادية للبلاد. كما أبرز المتحدث إمكانية فرض العلامة الجزائرية في مختلف الدول بالنظر إلى الكفاءات المهنية والخبرة التي يتميز بها النسيج المؤسساتي في الجزائر، مشيرا إلى دور سياسة إعادة التأهيل في ذلك، بالنظر إلى وجود 381 مؤسسة ناجعة ممثلة ل42 بالمائة من الاقتصاد الوطني، إضافة إلى 120 مؤسسة أخرى تعتبر متوسطة الفعالية، و409 مؤسسة تتخبط في مشاكل عميقة. كما أشار المتدخل إلى مشكل العقار الصناعي الذي يتطلب عدة سنوات لحله، إضافة إلى العقار الفلاحي الذي يمثل نسبة 90 بالمائة منه، مؤكدا أن الدولة تسعى جاهدة في هذا الإطار لتوفير مساحة 3 مليون هكتار للجانب الفلاحي للتقليل من فاتورة الاستيراد التي تتراوح من 4 إلى 6 ملايير دولار من المواد الاستهلاكية الأساسية. ومن جهته، أكد المستشار الاقتصادي السيد يعلاوي على ضرورة مراجعة بعض الشروط المعتمدة في ملف الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لاسيما الملفات الكبرى، كالعقود الاقتصادية الجمركية مع بعض دول الاتحاد الأوربي فيما يخص التصدير والاستيراد والتبادل التجاري بين الطرفين، كما اعتبر أن تصنيف الجزائر ضمن القائمة الأخيرة ل30 بلدا غير منضم لحد الساعة إجراء متناقض في حد ذاته رغم اقتراح طلب الانضمام منذ سنة 1987، ورغم إجابة الجزائر على 213 سؤالا في هذا المجال. وقال السيد يعلاوي أن المنحى التصاعدي لواردات الجزائر يبقى عاملا يرهن مواكبة الاقتصاديات العالمية، بالنظر لتسجيل 28 مليار دينار من الواردات سنة 2004، لتصل 29 مليار دولار سنة 2008، وهذا مقارنة ب40 مليار دولار مسجلة سنة 2009، في حين لا تتعدى الصادرات خارج المحروقات 2 مليار دولار. للإشارة، تضم منظمة التجارة العالمية التي ظهرت سنة 1995 خلفا لمنظمة "الجات" 35 دولة إفريقية وعربية من أصل 153 دولة عضو، وأودعت الجزائر طلب الانضمام إلى هذا المجمع الاقتصادي العالمي سنة 1987 ولم يحسم إلى حد الساعة في مصيرها من قبول أو رفض عضويتها رغم استيفائها معظم الشروط المقترحة من المشرفين على هذه المنظمة.