اللقاء الجهوي الاول للصحفيين والاعلاميين الجزائريين بوهران: توصيات لدعم مهنة الصحافة والارتقاء بها    السيد عطاف يتحادث مع نظيره المصري    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل وزير الإسكان و الاراضي لجمهورية موريشيوس    اجتماع تقييمي لنشاطات هيئة الوقاية من الأخطار المهنية في مجال البناء والأشغال العمومية    إطلاق المنصة الرقمية الجديدة الخاصة بتمويل مشاريع الجمعيات الشبانية لسنة 2025    زيت زيتون ولاية ميلة يظفر بميدالية ذهبية وأخرى فضية في مسابقة دولية بتونس    الاتحاد العربي لكرة السلة: انتخاب الجزائري مهدي اوصيف عضوا في المجلس و إسماعيل القرقاوي رئيسا لعهدة رابعة    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    مشروع قانون الأوقاف: النواب يثمنون المشروع ويدعون لتسريع تطبيق مضامينه    طيران الطاسيلي تنال للمرة الثامنة شهادة "إيوزا" الدولية الخاصة بالسلامة التشغيلية    سعداوي يؤكد التزام الوزارة بدعم ومرافقة المشاريع والأفكار المبتكرة للتلاميذ    وقفة احتجاجية الأربعاء المقبل أمام البرلمان الأوروبي للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51065 شهيدا و116505 مصابا    استثمار اجتماعي: سوناطراك توقع عدة اتفاقيات تمويل ورعاية    وهران : الطبعة الأولى للمهرجان الوطني "ربيع وهران" من 1 الى 3 مايو المقبل    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    وزارة التربية تلتقي ممثّلي نقابات موظفي القطاع    تحقيق الأمن السيبراني أولوية جزائرية    والي العاصمة يستعجل معالجة النقاط السوداء    منارات علمية في وجه الاستعمار الغاشم    معارك التغيير الحضاري الإيجابي في تواصل    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    مزيان يُشرف على تكريم صحفيين    اجتماع بين زيتوني ورزيق    سوناطراك توقّع مذكرتين بهيوستن    مؤامرة.. وقضية مُفبركة    تراث الجزائر.. من منظور بلجيكي    نرغب في تعزيز الشراكة مع الجزائر    بن سبعيني يمنح برشلونة رقما استثنائيا    في اختتام الطبعة ال1 لأيام "سيرتا للفيلم القصير    الجزائر قامت ب "خطوات معتبرة" في مجال مكافحة الجرائم المالية    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي, ترأس, اجتماعا للحكومة    إحباط محاولات إدخال قنطارين و32 كلغ من الكيف المغربي    فرنسا تعيش في دوامة ولم تجد اتجاهها السليم    التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية والشّمول المالي    "صنع في الجزائر" دعامة لترقية الصادرات خارج المحروقات    اجتماعات تنسيقية لمتابعة المشاريع التنموية    الرياضة الجوارية من اهتمامات السلطات العليا في البلاد    آيت نوري ضمن تشكيلة الأسبوع للدوريات الخمسة الكبرى    السوداني محمود إسماعيل لإدارة مباراة شباب قسنطينة ونهضة بركان    عين تموشنت تختار ممثليها في برلمان الطفل    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    استبدال 7 كلم من قنوات الغاز بعدة أحياء    بومرداس تعيد الاعتبار لمرافقها الثقافية    مشكلات في الواقع الراهن للنظرية بعد الكولونيالية    أيام من حياة المناضل موريس أودان    نافذة ثقافية جديدة للإبداع    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    بلمهدي يبرز دور الفتوى    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصالح الأمن البريطانيّة متّهمة بالتواطؤ في التعذيب

أجبر القضاء البريطانيُّ الحكومةَ على نشر بعض المعلومات التي بحوزتها والمتعلّقة بتعرّض مستفيد بحقّ الإقامة بها إلى تعذيب أثناء احتجازه من طرف المخابرات الإمريكيّة، بالمغرب - حسب أقوال السجين. وكانت الحكومة قد سعت بكلّ جهدها، في معركة قانونية مضنية ودون جدوى، للحيلولة دون تسرّب التفاصيل المتعلّقة بما كانت مصالح الأمن والأستخبارات البريطانيّة على علم به عن ظروف سجن محمد لينيام. وقد بعث هذا الحكم، من جديد، نقاشا حول الموازنة بين الأمن والعدل وبين مراعاة المصلحة العليا للبلاد والأحتكام للقيم الإنسانيّة.
أمّا المدّعي في هذه القضيّة فهو محمّد بينيام (31 سنة)، وهو من أصل أثيوبيّ تحصّل على اللّجوء السياسي ببريطانيا منذ 1994. ألقت مصالح الإستخبارات المركزيّة الأمركيّة القبض عليه في أفريل سنة 2002 بباكستان. وتشير الدلائل أنّه تمّ نقله إلى المغرب بطائرة تابعة للمخابرات المركزيّة حيث قضى 18 شهرا تعرّض خلالها للتّعذيب المبرح في سجن سريّ خارج الرّباط تابع لمصاح الإستعلامات، حسب تأكيد جمعيات دوليّة ومغربيّة لحقوق الإنسان، وقد أكّد محامو بينيام أنّ "جدع" أعضائه التناسليّة قد جرى أثناء اعتقاله بالمغرب. ثمّ تمّ نقله إلى غوانتانامو. وقد سعت الحكومة البريطانيّة لضمان عودة بينيام إلى البلاد التي حلّ بها في 23 فيفري 2009.
وفي شهر جويلية، استأنف بينيام مقاضاة السلطات الأمريكيّة للحيولة دون تدمير أدلّة أساسيّة قال أنّها تؤكد تعرّضه للتعذيب أثناء احتجازه بغوانتانامو. وفي نفس الوقت الذي بدأت فيه الشرطة البريطانيّة التحقيق بشأن مزاعم تعرّضه للتّعذيب، كشفت وثائق نشرتها المحكمة العليا بأنّ ضابطا من جهاز "آم آي 5" للأمن الدّاخلي والمخابرات البريطانيّة التى تتولّى التحقيق في النشاطات الإرهابيّة قد زار المغرب ثلاث مرّات أثناء فترة الإحتجاز السرّي لبينيان وخضوعه للتّحقيق وتعرّضه للتّعذيب. وقد أنكر محامو جهاز الإستخبارات البريطانيّ أن يكون الجهاز على علم باحتجاز بينيام بالمغرب ما بين 2002-2003.
ومنذ فاتح ماي 2009 والمحامون عن وزارة الخارجية يسعون للحيولة دون نشر العدالة لوثائق سلّمتها المخابرات المركزيّة الأمريكيّة لمصالح الأمن البريطانيّة تتضمّن تفاصيل لما تعرّض له بينيام من تعذيب وسوء معاملة أثناء التحقيقات وهو ما من شأنه أن يُثبت تورّط السلطات البريطانيّة بحكم علمها بذلك وسكوتها عنه.
وفي 16 أكتوبر أمرت المحكمة العليا بنشر تقرير يُلخّص ما ما ورد في 42 وثيقة سريّة أبلغتها المخابرات الإمريكيّة للسّلطات البريطانيّة. ولكنّ تعطّل نشرها وقتها بسبب استئناف من الحكومة، دافع عنه دافيد ميليباند، وزير الخارجيّة البريطانيّة.
وتواصلت القضيّة إلى 19 نوفمبر 2009، عندما رفضت المحكمة العليا، في حكم سادس، ادعاء ميليباند ومحاموه بأنّ نشر أدلّة المخابرات الأمريكيّة المتعلّقة بالمعاملة غير الإنسانيّة لبينيام وتعرّضه للتّعذيب يسيء للعلاقات البريطانيّة الإمريكيّة وأنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي بهذ الأخيرة لقطع تعاونها الأمنيّ. وفي الشهر الموالي استأنف ميليباند الحكم ضدّ القرارات الستّة. واتّهم محامو ميليباند القضاة بأنهم قد أضرّوا بمصالح البلاد.
وفي نهاية الأسبوع المنصرم، انبرى ثلاثة من أعلى القضاة مرتبة بالمملكة المتّحدة لإصدار أحكامهم ونشر تلك الوثائق التي تُدين صراحة تورّط عملاء من مصالح الأمن في أنشطة غير قانونيّة. وكان اللورد نوبارغ، وهو من أبرز القضاة طرّا، قد ألغى في أوّل الأمر فقرة من الحكم النهائي بطلب من جوناثان سمشيون، المحامي عن الحكومة لدى المحكمة العليا، دون أن يمنح المحامين الذين يمثّلون الأطراف الأخرى فرصة الردّ على عريضة سمشيون.
وحسب اعتقاد القاضي، فإنّ محامي الحكومة كان عليه أن يُبلّغ الأطراف الأخرى محتوى عريضته، وفقا لقانون سار منذ 400 سنة يمنع الدّولة وممثّليها من مراسلة العدالة سريّا. وعليه، استخلص القاضي بأن الأطراف الأخرى ليست معنية بتلك العريضة. واستغربت شامي شكرباتي مديرة "ليبرتي" أن يلجأ طرف إلى تحريف هدف إدخال مجرّد تصحيحات للأخطاء اللغويّة إلى تبديل حجج أساسيّة في الحكم.
وضِمن تلك الرّسلة إلى القاضي، والتي تسرّب نصّها لوسائل الإعلام، وصف المحامي سمشيون ملاحظات قاضي القضاة بأنّها: "انتقادات مسيئة للغاية إلى نزاهة مصالح الأمن بصفة عامّة"، وأنّ تلك الفقرة المطلوب عدم نشرها من مشروع الحكم ستوحي للقرّاء بأنّ جهاز آم آي 5:
- لم يتخلّ عن ممارسة أساليب التعذيب التي تمّ تحريمها منذ أكثر من ثلاثين سنة،
- أنّه تعمّد تضليل اللّجنة البرلمانيّة للإستخبارات والأمن التي تقع عليها مسؤوليّة مراقبة الجهاز،
- وأنّ ضباطه يشتركون في ثقافة التكتّم.
وقد طالبت الأطراف الأخرى في القضيّة من المدافعين عن حقوق الإنسان (منظمات: "ليبرتي" و"جوستيس" و"أنداكس سونسورشيب") وعدّة صحف من بينها الغارديان والتايمز والبي بي سي، طالبت محكمة الإستئناف بنشر النصّ الكامل لتلك الفقرة الأساسيّة من مشروع حكمها والمتعلّق بتورّط آم آي 5 في سوء معاملة المقيم بالمملكة المتّحدة.
وكانت حجّة هذه الأطراف أن المصلحة العامّة تقتضي نشر النص الكامل لحكم القضاة، وأن الحكومة ليس من حقّها الحيلولة دون نشر حكم قضائي بسبب أنّه ينتقد هيئات حكوميّة.
وهكذا تمّ نشر ملخّص من سبع فقرات تضمّنت محتوى 42 وثيقة سلّمتها المخابرات المركزيّة الأمريكيّة إلى آم آي 5.
وتضمّن الملخص التّأكيد أنّ جهاز آم آي 5 كان على علم بأنّ بينيام تعرّض باستمرار للحرمان من النّوم، وتمّ تهديده بإحالته على جهات يعرف أنّها ستسلّط عليه تعذيبا أقسى، وأنّه تعرّض للإستنطاق بشكل قاس. وهذه أشكال من التعذيب ممنوعة منذ 1972 في المملكة المتّحدة.
وكان تقرير نشره محقّقون في قضايا حقوق الإنسان تابعون للإمم المتحدة في 27 جانفي 2010 قد أكّد أن المملكة المتّحدة كانت متواطأة في الإحتجاز السرّي لعدّة مواطنينن بريطانيين، بمن فيهم بينيام.
وهكذا تحدّى القضاة ذلك العرف الدّارج والقاضي بعدم تحدّي أيّ استعمال من طرف الحكومة، مهما كان، لمبدإ "متطلّبات الأمن الوطنيّ".
وقال القضاة أنّ: " احتمال التهديد الخطير للأمن الوطنيّ مهما كانت درجته، لا يمكنه، من حيث المبدإ، أن يتفوّق على المصلحة العامّة."
ورفض القضاة أيضا "مبدأ عدم نشر المعلومات" المتبادلة بين مصالح الإستخبارات الذي طالما احتجّت به وزارة الخارجيّة ومحاموها. وهو المبدأ الذي، بمقتضاه، لا يمكن نشر تلك المعلومات إلا من طرف مصدر الإرسال وليس الإستقبال، مهما كانت الإعتبارات. وهذه الحجّة تذرّع بها وزير الخارجيّة في كلّ تدخّلاته وركّز عليها محامو الحكومة طوال ثمانية عشر شهرا. وقال القضاة أنّ تلك الحجّة: "غير منسجمة منطقيا".
وكان ميليباند قد شرح هذه المعضلة الأمنيّة قائلا أنه: "ليس من السّهل القضاء على سوء المعاملة ... لأنّنا لا نستطيع أن نحمي أمن المواطن البريطاني في ظلّ العزلة." وقد دأبت مصالح الأمن والإستخبارات على تأكيد أنّ محاربة الإرهاب العالميّ تستدعي التعاون مع شركاء آخرين، ليس من الضرورة أن تكون قوانينهم مماثلة لنفس المعايير المعتمدة في المملكة المتّحدة.
ولكنّ القضاة استهانوا بما سمّاه ميليباند بالتهديد الأمريكي لتوقيف التعاون الأمني، بحكم أنّ إدارة أوباما، على خلاف سابقتها، قد اتّخذت موقفا حاسما ضدّ التعذيب بغواتانامو.
وقد اعتمد القضاة في حكمهم أيضا على ما أصدره في 20 ديسمبر الماضي القضاء الأمريكي والذي يرى أنّ هناك براهين "جديرة بالإعتبار" على تعرّض بينيام إلى التعذيب الجسدي والنفسي أثناء احتجازه.
كما أنّ الرأي العام مايزال يتذكّر كل تلك الصّور التي تدلّل على التعذيب في غوانتانامو منذ 2002، كما أنّ الرئيس بوش نفسه أكّد أنّ المساجين في تلك الغياهب لا يخضعون لاتفاقيات جنيف. وهي المظاهر التي نشرتها القناة الرابعة للتلفزة البريطانيّة سنة 2005.
وأهمّ من كلّ هذا أنّ طبيعة التّعاون مع مصالح الإستخبارات الأمريكيّة تتميّز بوضع خصوصيّ، باعتبارأمريطا دولة حليفة بامتياز، وبالتالي ليس من الوارد أن يصاب التعاون معها بأيّ شائبة. وهو التعاون الذي تفرض تعزيزه أيضا الظروف الدوليّة الجديدة بحكم طبيعة العدو المشترك الرّاهن، حيث يُشكلّل تقصّي المعلومات الشّامل محورا مركزيّا في محاربته.
أمّا حجّة القضاة الأخرى فهي أنّ "مبدأ عدم نشر المعلومات" المتبادلة بين مصالح الأمن لا يمكن تطبيقه إذا كانت السلطات التنفيذيّة بالبلاد، المؤمنة بسيادة القانون، متورّطة أو متعاونة في عمليّات التعذيب، غير القانونيّة.
ولم يجد وزير الخارجيّة دافيد ميليباند بدّا من أن يجدّد تأكيدهّ، في نفس يوم صدور الحكم، أن "مبدأ عدم نشر" المعلومات المتبادلة بين مصالح الإستخبارات مهمّ جدّا. وهو الأمر الذي دعاه، في اللّيلة السّابقة، للإتصال بهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكيّة، وإحاطتها علما بما قد تُعلنه العدالة البريطانيّة فعبّرت عن تفهّمها لموقف الحكومة البريطانيّة.
كما نشر ميليباند، مع آلن جونسن، وزير الداخليّة، رسالة مشتركة غداة صدور الحكم الحّا فيها على أن: "سياسة الحكومة الواضحة هي عدم المشاركة أو الدّعوة أو التشجيع على استعمال العنف أو ممارسة عمل غير إنساني أو مهين لأيّ سبب كان."
وقد علّق على ذلك أستاذ علم الإجتماع كيث تاستر الذي قارن هذا التصريح بتصريح سابق لجونسن تمّ نشره في جوان الماضي أكّد فيه: "أنّ الحكومة لا تشارك أو تدعو أو تشجّع على..." إلى آخر الجملة. وتساءل الباحث عن سبب ذلك التغيّر من التأكيد المطلق في جوان الماضي إلى مجرّد الإشارة إلى غايات سياسيّة اليوم. وطلب من الحكومة أن توضّح المعايير التي وضعتها لقياس مدى الإمتثال لتلك السياسة.
وكان لابد أن يُخلّف حكم القضاة الثلاثة استياءا واسعا وقلقا عميقا لدى كلّ من مصالح الأمن والإستخبارات.
ففي مبادرة نادرة، ردّ على قرارهم جوناتان إيفنس، المدير العام لمصلحة الإستخبارت، في مقال نشرته الدايلي تلغراف يوم الجمعة الماضي، انتقد فيه بشدّة دور الإعلام مشيرا إلى لجوئها لنظرية المؤامرة وإلى المغالاة واتهام الجهاز بالتستّر على أفعاله، مؤكّدا: "أنّ العكس هو الصّحيح".
وووصف إيفنس ما نشرته الصّحافة بكونه خطيرا ويساعد أعداء بريطانيا لممارسة دعايتهم المغرضة: "لتقويض إرادتنا وقدراتنا على مواجهتهم".
وقال أنّه: "من الأفضل أن نحافظ على رؤية منصفة ومتوازنة للإحداث... ونتجنّب المبالغة والسقوط في مخالب نظريّة المؤامرة." ولكنّ الغارديان ردّت بأنّ الحكم لم تُصدره الصّحافة بل أقرّه قاضي قضاة ومعه قاضيان آخران متميّزان. واستند إلى أدلّة، بما فيها، 42 وثيقة غير منشورة صادرة عن المخابرات المركزيّة الإمريكية تمّ جمعها، خلال 18 شهرا من التحقيق.
وكان القضاة قد ألحوا على أنّ أهميّة دور الإعلام في مساندة مبدإ سيادة القانون والتي ساهمت في إثارة قضايا في غاية الأهميّة تتعلّق: "بالمحاسبة الدّيمقراطيّة و... تطبيق القانون."
وترى غالبيّة الصحف أنّ نقد الحكومة لها ولجهاز للعدالة لمقاربتها الساعية إلى الكشفت عن ما أسمته أسرارا حسّاسة هو نقد يجانب الصّواب لأنّ تلك المقاربة هي نفسها التي سلكتها العدالة في الولايات المتّحدة والتي قبلت بنشر تفاصيل التهم التي وجّهها بينيام حيث أقرّت: "تعرّضه للتعذيب الجسديّ والنفسيّ، " و إلى ""جدع أعضائه التناسليّة والحرمان من النّوم."
وقد اعتبر آلن روزبريدجر رئيس تحرير الغارديان على قرار القضاة: "بأنّه علامة مميّزة في تاريخ سيادة القانون في مجال معروف بصعوبة إلقاء الضوء عليه."
وعلّقت الجمعيّة الحقوقيّة: "روبريف" التي تولّت الدّفاع عن بينيام لدى المحاكم الأمريكيّة قائلة: "إذا كانت الحكومة ترغب حقيقة في إلغاء اللّبس الذي أحاط بتصرّف آم آي 5 في هذه القضيّة، فعليها أن تكشف عن السياسة التي كانت متّبعة أثناء تلك الفترة." وذهب مديرها التنفيذيّ إلى أنّه: "من المشين أن تقول الحكومة أنّ قيام روبريف وغيرها بمحاربة التعذيب، عبر نظام العدالة البريطانيّة، تُنجد أعداءنا."
ولكنّ جوناتان إيفنس، المدير العام لمصلحة الإستخبارت، أقرّ بقبول الإنتقاد الذي وجّهته للجهاز اللّجنة البرلمانيّة للإستخبارات والأمن التي قالت: "بأنّ مصالح المخابرات البريطانيّة كانت بطيئة في اكتشاف التصرّفات الأمريكيّة الناشئة عن إساءة معاملة المحتجزين لديها بعد تعرّضها لهجمات 11 سبمتبر." ونفى قطعا أن تكون مصالح المخابرات البريطانيّة قد قامت بمعاملة مسيئة للمحتجزين أو عذّبتهم أو تواطأت في مثل تلك الإفعال أو شجّعت عليها سواء في ذلك الوقت أو اليوم أو غدا.
وقد صرّح رئيس هذه اللّجنة، النائب العمّالي كيم هوويلز، رفقة العضو المحافظ باللجنة مايكل ماتس، بأنّ اللّجنة بحكم موضوعيّتها المتأصّلة قد درست كلّ الأدلّة المحفوظة بحكم السريّة ولم تجد ما يُثبت أنّها تصرّفت خارج حدود القانون أو أنّها تورّطت في أيّ عمل من أعمال التعذيب أو المعاملة المسيئة أو المهينة للكرامة. غير أنّ قاضي القضاة أكّد أنّ آم آي 5 قد حجبت وثائق عن تلك اللّجنة.
وكانت اللّجنة قد كشفت سابقا أنّ مصالح الأمن والمخابرات البريطانيّة ليسوا مدرّبين بما فيه الكفاية فيما يتعلّق بقوانين البلد وبالتزاماتها القانونيّة الدولية، بما في ذلك معاهدة جنيف.
ولكنّ أحد المحامين المؤسسين لجمعية روبريف يرى أنّ هوويلز: "مذنب بممارسة دسائس السّاسة" لأن: "القضيّة معروضة أمام العدالة طوال أربع سنوات كانت الحكومة خلالها تدّعي أن ليس هناك أي تورّط رسمي في التعذيب. ولكنّ بعد مداولات طويلة، أصدرت العدالة مرتين حكما بتورّطها. وبعد استئناف الحكومة، أصدر ثلاثة من القضاة المرموقين حكما يؤيّد الأحكام السّابقة." وعليه، كما يضيف، فلابدّ من إجراء تحقيق لتحديد المسؤولين مباشرة عن إصدار الأوامر التي تصرّف وفقها الضباط.
كما اتّهم أول أمس دافيد وينيك، النائب العمّالي، اللّجنة البرلمانيّة بالتقصير في أداء مهامّها وتحوّلها لمجرّد "ناطق باسم آم آي 5." ودعا وينيك، وهو من أقدم أعضاء اللجنة، إلى أن تمارس أشغالها في العلن لتضع حدّا لوضعيتها المحزنة الحالية بسبب غياب المحاسبة.
وفي حين اقترح المدير العام ل: آم آي 5 القيام بتحقيق حول الإدعاءات القائلة بتورّط مصالح الجهاز في التعذيب، يرى كيمم هوويلز رئيس اللّجنة البرلمانيّة بأن لا جدوى من ذلك التحقيق لأنّ الجهاز تمّت محاكمته قبل الحكم ودون توفّر دليل واحد على ذلك. ومن جهته، صرّح وليام هيغ، وزير الخارجيّة في حكومة الظل، بأنّ تلك الحقائق المؤسفة: " تستدعي وضع حدّ نهائيّ لهذا الفصل المشين والعمل من أجل إعادة السلطة المعنويّة للملكة المتّحدة فيما يتعلّق بتهم التورّط في التعذيب... عبر التحقيق الكامل."
وكان هيغ، قد قال في 28 فيفري من سنة 2009، أنّ: "إلصاق إسم بريطانيا بممارسة التعذيب، حتى ولو كان ذلك من باب التهمة غير المؤّكدة، سيُلحق الضرر بسمعتها وبمكانتها في العالم."
وهكذا، تجد الحكومة نفسها من جديد تحت انتقادات من كلّ صوب وحدب بعد أن فقدت قضيّة من أكبر القضايا إساءة لسمعتها. وفي رأي المحامي كليف سميث، فإنّ أهميّة القضيّة أنّها، أولا، تجاوزت ما يسمّى بالحرب على الإرهاب إلى الخلط المتعمّد بين الأمن الوطنيّ والحرج السّياسي. وثانيا، تخطّت إدانة التعذيب الأعمى إلى تظافر الجهود بين بريطانيا وأميركا للحيلولة دون الكشف عن فصول جرائم التعذيب.
وفي هذا الخضمّ، بدأت هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان تطرح أسئلة جديدة من بينها: هل الحكومة البريطانيّة تساهم بجديّة في الحيلولة دون ممارسة التعذيب أو تدعو لتجنّب اللّجوء له؟ وهل تنوي الحكومة البريطانيّة منع استعمال المعلومات التي تمّ الحصول عليها عن طريق التعذيب أو بطرق غير إنسانيّة أو مهينة؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.