إن تكرر الانقلابات في القارة الإفريقية بعد قرارات قمة منظمة الوحدة الإفريقية المنعقدة بالجزائر لعام 1999 القاضية بعدم الاعتراف بالأنظمة الانقلابية، يعني أن الإتحاد الإفريقي الذي نشأ لاحقا، ومجلس السلم والأمن الإفريقي التابع له، يعتبر هيئة ضعيفة وليس له لا سلطة ولا قدرة، وغير مؤثر وغير مخيف، وقد جربت موريتانيا الانقلابات ولم يكن موقف الإتحاد ذا وزن يذكر. الانقلاب الذي وقع أول أمس في النيجر على الحدود الجنوبية للجزائر، أصدر بحقه الإتحاد الإفريقي نفس البيان الذي أصدره بخصوص انقلاب موريتانيا، غيّر اسم موريتانيا بالنيجر. وربما يكون مصير الموقف الإفريقي نفس مصير موقف الانقلابيين في موريتانيا. الآن، يجب أن نقف على جدوى قرارات قمة الجزائر عام 1999، التي تقضي بعدم الاعتراف بالأنظمة الانقلابية، ولماذا فشلت في الحيلولة دون وقوع انقلابات في القارة السمراء. عندما ننظر إلى أسباب الانقلابات التي وقعت منذ تلك السنة إلى غاية انقلاب النيجر، نستشف أن أهم سبب يكمن في »تعسف الرئيس القائم« الذي يعمد لتغيير القوانين بالشكل الذي يبقيه هو في السلطة، مثلما فعل رئيس النيجر المطاح به. ولكي تنجح قرارات الإتحاد الإفريقي مستقبلا، يجب إلحاق بند أو مادة بالقرار القاضي بعدم الاعتراف بالأنظمة الانقلابية، لتضاف له فقرة تقول بعدم الاعتراف بالأنظمة الحاكمة التي تريد الخلود في السلطة. إن دولة النيجر هي واحدة من بلدان دول الساحل الإفريقي الجالسة على برميل بارود المتمثل في: ضعف الحكومة المركزية، الفقر، قلة التنمية، ظهور حركات تمرد ومحاولات الانقلاب في عديد المرات، ولجوء تنظيم القاعدة إلى هذه البلدان كملاذ وكمنطقة للتزود بالسلاح والتجنيد، وفي الوقت نفسه تمتلك دول الساحل بما فيهم النيجر ثروات طبيعية هائلة وعلى رأسها اليورانيوم الذي يسيل لعاب الدول الغربية خاصة فرنسا وأمريكا، وهناك اليوم محاولات غربية للتدخل العسكري المباشر في هذه الدول بحجة محاربة الإرهاب. وليس مستبعدا أن تمتد عدوى الانقلابات من النيجر إلى مالي أو التشاد لتشابه الظروف، خاصة أنه قبل سنتين وصل المتمردون في التشاد حتى قصر الرئيس ادريس دبي، ولولا تدخل الجيش الفرنسي المباشر لوقع الانقلاب مثلما حدث في النيجر. وفي المحصلة يمكن القول أن الدكتاتورية تعد أحد أسباب الانقلابات، والانقلاب قد يؤدي إلى الثورة وإلى الديمقراطية، لكنه قد يؤدي إلى دكتاتورية بديلة أيضا. لذلك يتعين على المجتمع الدولي، وتحديدا الإتحاد الإفريقي، أن يرفض التعامل مع الأنظمة الانقلابية، بنفس القدر الذي يرفض التعامل فيه مع الأنظمة الدكتاتورية. فإذا كان الانقلاب جريمة في حق الشعب والدولة ودول الجيران أيضا، فإن النظام الدكتاتوري لا يقل جرما عن النظام الانقلابي أيضا، في حق الشعب والدولة ودول الجيران أيضا. فكلاهما يخلقان بؤر توتر داخلية لا تلبث أن تنعكس على الوضع الداخلي والوضع الإقليمي، لأن كليهما يعدان سببا في بروز حركات التمرد أو الجماعات الإرهابية، ويحركان التدخل الأجنبي، الذي يعطي الشرعية للإرهاب والتطرف والتمرد.