شيخ الأزهر الجديد عضو بالمكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم في مصر، وهو لا يرى أي تعارض بين منصبه وبين الانتماء السياسي، ومن هنا فإن الدعوة التي وجهها له أحد علماء الأزهر بترك العمل الحزبي لن تجاب، وسيبقى الشيخ، والمؤسسة، خاضعا لرغبة الحاكم. الإخوان المسلمون محاصرون في مصر منذ عقود، والتهمة هي استغلال الدين لأغراض سياسية، والذين يوجهون هذه التهمة يقولون إن الأزهر هو المرجعية الأولى للإسلام السني في العالم، وبالنظر إلى سيطرة النظام في مصر على هذه المؤسسة العلمية والدينية، تصبح الحكومة المصرية هي أعلى مرجعية للإسلام السني في العالم، وهذا يمكننا من فهم مواقف شيخ الأزهر الراحل من أزمة الحجاب في فرنسا، ومن العلاقة مع إسرائيل، وقرار منع النقاب على طالبات الأزهر في حد ذاته، فضلا عن عشرات الفتاوى التي أثارت معارك حامية بين علماء الأزهر أنفسهم. هذا الوضع جعل الإسلام السني بلا مرجعية، وهو الذي أدى في النهاية إلى حرب الفتاوى، وإلى تناقض المواقف حول مسائل لا يجوز أن تكون محل خلاف لأنها تتعلق بوجود المسلمين وبقائهم كأمة، فالنظام في مصر لم يترك للأزهر أي استقلالية وهي شرط لا بد منه لضمان المصداقية التي تحتاج إليها أي مؤسسة دينية تريد أن تؤثر في الناس وتوجههم، وفي دول إسلامية أخرى جرى إهمال كل المرجعيات المعروفة التي استمرت لقرون وظهرت حروب المرجعيات كما هو الحال بالنسبة للجزائر والمغرب، والسعي إلى إحياء هذه المرجعيات يتم بقرار سياسي ينذر بضرب مصداقية المؤسسات الدينية التقليدية وتدميرها بشكل نهائي. ليس على المسلمين أن يستلهموا الدروس من مسيرة الكنيسة في الغرب، لكن قد يكون مفيدا الإطلاع على تجربة إخواننا الشيعة الذين عرفوا كيف يحافظون على استقلالية الحوزة العلمية ماليا وسياسيا حتى أصبح كبار العلماء والمرجعيات الشيعة يمارسون المعارضة بدون عقدة. ما شجعني على أن أسوق مثال الشيعة دون خوف من اتهام بالردة أو الفسوق هو فتوى صادرة عن الأزهر، قبل أن تصبح إيران والشيعة هم الخطر في نظر مبارك، تقول بجواز تعبد المسلم السني بالمذهب الجعفري، وهو مذهب الشيعة.