[email protected] بادر بعض الكتاب الجزائريين بالرد على أحد شيوخ الأزهر الذي أفتى ب »كفر الجزائريين« على خلفية مباراة في كرة القدم بين مصر والجزائر.. والحقيقة أن سقطة الأزهر الجديدة لا تستحق الرد، ولكن لأنها لم تكن منتظرة، أي لم ينتظر أحد أن يسقط الأزهر إلى هذا الحد من الحضيض هو الذي حرك الرد عليها. إن الأزهر ، يفترض فيه أن يمثل مرجعية علمية وفقهية لجميع السنة في جميع أنحاء العالم .. لكنه أصبح »هيئة فتوى للنظام المصري«، أي لا يفتى إلا بما يتوافق والسياسة المصرية خاصة السياسة الخارجية. ولأن مصر يفترض أن تقود الأمة العربية على وجه الخصوص، تراجعت مكنتها القومية منذ توقيعها على اتفاقيات كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، ومنذئذ تراجعت وتقهقرت سياستها الخارجية، وبالنتيجة بدأت مواقف الأزهر تتراجع وتنحط لارتباطها الوثيق بالنظام المصري. لذلك سجل الأزهر العديد من المواقف المخيبة للظنون، وأحيانا تبدو »متضاربة مع الشريعة«، وأحيانا أخرى تأتي فتاويه سياسية وليست فقهية.. والحمد لله .. أن السنة لسوا مثل الشيعة .. أي ليسوا ملتزمين بفتاوى المرجع .. لذلك أضحت فتاوي الأزهر في واد والشعوب السنية في واد آخر. الأزهر الوجه الديني لسياسة مصر فالأزهر أصبح يعبر عن سياسة مصر في »التطبيع مع إسرائيل« والمهادنة مع أمريكا .. ولا يفتي إلا بما يتماشى وهذا .. وهيئة كهذه لا يؤخذ عليها ولا تلام، وقد أصبحت المواقف الذي ينتظر اتخاذها معروفة سلفا، وإذا جاءت متعارضة مع سياسة الناظم المصري فإن الأزهر لن يتأخر ولا يتحرج في تغييرها أو رفضها. ففي عام 1991 ساند الأزهر الموقف المصري المؤيد لضرب العراق ، لأن مصر شاركت في الحرب مع دول الحلفاء الثلاثين ضد العراق، ولم يعلن الأزهر حينها عن موقفه من الأخبار التي نشرت عن »إرسال مئات المومسات إلى الجيش الأمريكي«.. ولم يفصل الأزهر في محاربة المسلم للمسلم ضمن جيوش دول غير مسلمة.. وفي نفس السنة أوقف الأزهر تعاونه مع العراق، ولم يعد التعاون إلى غاية 2009 بعد أن طالب رئيس الوزراء المالكي بعودة علماء الأزهر عام 2007. ووصل الأزهر إلى درجة تستعين به أمريكا في استصدار فتاوى سياسية، ففي عام 2005 طلبت منه أمريكا دعما معنويا للانتخابات التشريعية في العراق، من خلال دعوته للتصويت والمشاركة الكثيفة. ففي هذه السنة كانت أمريكا في مأزق سياسي وأمني في العراق، وكانت الانتخابات العراقية حينها تمثل نجاحا لواشنطن، لذلك كانت تعمل المستحيل لتنظيمها وإنجاحها بكل الطرق والوسائل. وخلال لقاءه مع السناتور الأميركي جون كيري المرشح السابق للرئاسة الأمريكية قال شيخ الأزهر : »هذا أمر )الانتخابات( لا بد من حدوثه وإلا ستستمر المصائب«. مع الإبقاء على الغموض هل هي فتوى دينية أو سياسية تعبر عن موقف النظام المصري. لماذا ننزعج نحن الجزائريون من علماء الأزهر وهو ما هو عليه من السقوط والانحطاط عندما يكفرنا أحد شيوخه، أليس هي شهادة على أننا في وضع ديني أحسن من غيرنا ؟ وفي عام 2006 اتهم الدكتور حارث الضاري -رئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق- الأزهر بالتقصير في دوره تجاه القضية العراقية، وطالب بتدخله لحل المشكلات التي يعاني منها العراقيون، خاصة السنة منهم. وقال في مداخلة في ختام الملتقى الدولي الأول لخريجي الأزهر بالقاهرة يوم 12 أفريل 2006 : »إن الأزهر كان رائدا وأعطى لهذه الأمة عطاء كبيرا في المجال الفقهي والعلمي والجهادي؛ ولذلك كان ينبغي عليه أن يكون مرجعية الأمة الشرعية .. لكنني لاحظت غياب الأزهر عن الدور الفعال في العراق الذي أصبح ميدانا لكل الدول الكارهة له، لذلك نتساءل: أين الأزهر، ولماذا لا يتكلم ؟« وبدون شك لم يتكلم ، لأن سياسة مصر الخارجية لا تسمح بذلك .. إنه هيئة تابعة للخارجية المصرية، وليس هيئة دينية مستقلة تمثل مرجعية للسنة في العالم .. وكان الضاري أيضا قد استنكر »اكتفاء الأزهر بالبيانات« وعدم الحضور لمعاينة الوضع في العراق في الوقت الذي يقتل فيه يوميا العديد من أهل السنة، بينما تأتي وفود ديانات أخرى للقيام بهذا الدور تجاه أتباعها. " لم يأت إلينا رجل واحد من الأزهر ليتقصى الحقائق بينما الفاتيكان يرسل من يتقصى الحقائق إذا ما تم إيذاء مسيحي واحد، مع أن الأزهر هو لغالبية المسلمين، وينبغي أن يلعب دورا حتى يعين المسلمين على بعض مشاكلهم«. هكذا صرخ حارث الضاري. ولأن الأزهر لديه مواقف غامضة تجاه المقاومة العراقية ، أحيانا يعتبرها شرعية وجهادا وأن نصرتها واجب، وأحيانا يصفها ب »أكبر فساد في الأرض«، دعا الضاري في نفس الموقف الأزهر إلى تحمل مسئوليته في »تأكيد وجوب مقاومة المحتل الأمريكي، والمطالبة برحيل قوات الاحتلال عن العراق، والدعوة إلى بناء هذا البلد«. هذا الموقف من العراق هو نفسه تكرر تجاه المقاومة اللبنانية والفلسطينية بشكل أو بآخر. قد يقول قائل : إن الذي »كفر الجزائريين« هو مجرد عالم من علماء الأزهر، وليس شيخ الأزهر، وبالتالي فإن الفتوى لا تلزم الأزهر بل هي تلزم صاحبها فقط. وهنا أود إلى التاريخ الأزهري، ففي عام 2004 أفتى رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، الشيخ محمد حسين وعضو اللجنة الشيخ نبوي محمد العش بعدم شرعية مجلس الحكم العراقي وحرما التعامل معه ، واعتبرته الفتوى »مجلسا فاقدا للشرعية الدينية والدنيوية، لأنه فرض على العراقيين بقوة الاحتلال ليكون موالياً لأعداء الإسلام«. ومن أجل تطويق الفتوى وتداعياتها السياسية على الوضع في العراق وبالتالي على أمريكا، سارع السفير الأمريكي في القاهرة ديفيد وولش إلى شيخ الأزهر في مكتبه يطلب موقفا يرفض الفتوى. وكانت النتيجة أن عجّل شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي إلى نفى صدور تلك الفتوى عن الأزهر وقال في تصريح صحفي: »إن الفتوى التي صدرت من أحد أعضاء لجنة الفتوى بالأزهر لا تمثل الأزهر، وإنه ليس من حق أي عالم مصري أن يتحدث في شأن أي دولة أخرى«. وحسب موسوعة ويكيبيديا ، فإنه في شهر فبراير 2003، وقبل احتلال القوات الأمريكية للعراق أقال طنطاوي الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر من منصبه بسبب ما قيل إنه صرح بفتوى يؤكد فيها »وجوب قتال القوات الأمريكية إذا دخلت العراق، وأن دماء الجنود الأمريكيين والبريطانيين تعد في هذه الحالة حلالا، كما أن قتلى المسلمين يعدون شهداء«. لكن هذا لم يحدث مع فتوى تكفير الجزائريين، فهل كان يجب أن يسارع سفير الجزائر في القاهرة السيد عبد القادر حجار إلى شيخ الأزهر مثلما فعل سفير أمريكا ؟ وبعيدا عن حساسية كرة القدم بين ومصر والجزائر، وبغض النظر عن الخلاف بين النظام المصري وحركة حماس الفلسطينية، والنظام المصري وحزب الله، فما الذي جعل الأزهر يتخذ موقفا باهتا وفاترا تجاه الأقصى الذي يهان ويدنس ويتهود باستمرار ؟ لقد كان المسجد الأقصى المبارك في القدسالمحتلة يتعرض لأبشع تهديد لكن موقف الأزهر لم يتجاوز الموقف السياسي المصري. وكان المسلمون في جميع الأرض يتمنون لو قام الأزهر بالدعوة إلى النفير لنصرة الأقصى، أو فتح حساب بنكي للتبرع له، أو تحريم التطبيع مع إسرائيل .. لكنه لم يفعل.. ماذا ننتظر منه في الجزائر إذن ؟ في عام 1996 صرح شيخ الأزهر سيد طنطاوي لجريدة »الأسبوع« المصرية قائلا بشكل صريح : »كوني شيخ أزهر .. يعني أني موظف رسمي في الدولة، وأعرف ما يجب عليّ نحو وطني ..« وربما هذا ما يفسر الصمت عن فتوى »تكفير الجزائريين«، بينما أقدم على مصافحة تاريخية حارة مع شيمون بيريز عام 2008 ، والمعروف أن رئيس الكيان الصهيوني هو »مجرم الحرب« عمره 86 عاما، قضى 65 سنة منها في ذبح الشعب الفلسطيني بل حتى المصري والأردني واللبناني. وعندما سئل طنطاوي عن المصافحة، رد بشكل يصعب تفسيره : »هو أنا عارفه وعارف شكله ؟« بمعنى أنه لم يعرف شيمون بيريز عندما صافحه. وفي وقت لاحق تراجع طنطاوي عن تصريحه وقال: »أنا لا أرد على السفهاء وهؤلاء جماعة مغرورون ولا أرد عليهم، وأنا أصافح عدوي وصديقي، وإذا سمعت كلاما حسنا أشكره، وإذا سمعت كلاما سيئا أرد عليه«. إن المصافحة مع »جزار الفلسطينيين والعرب« هي نتيجة لسياسة التطبيع مع إسرائيل.. لذلك بدأ التطبيع بين الأزهر وإسرائيل عام 1998، أي بعد خمس سنوات من اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، حيث استقبل في تلك السنة، أي في عام 1998 شيخ الأزهر كبير حاخامات إسرائيل. وأصبح التطبيع جليا بين الأزهر وبين إسرائيل عام 2002 عندما تمت استضافة شيخ الأزهر من قبل القناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيلي التي سألته عن رأيه في العمليات الاستشهادية الفلسطينية، فأفتى »بحرمتها وأن من يقومون بها ليسوا شهداء« بعد أن أفتى في وقت سابق بجوازها إذا كانت دفاعا عن العرض والدم وعبر طنطاوي عن استعداده لزيارة اسرائيل اذا وجهت له الدعوة . بينما رفض البابا شنودة ذلك، وقال: »لن ادخلها إلا فاتحا مع العرب والمسلمين بعد تحريرها من دنس الاحتلال«. ولماذا لا يزور شيخ الأزهر تل أبيب، أليس هناك سفير إسرائيلي في القاهرة وسفير مصري في تل أبيب ؟ ألا يعبر الأزهر عن سياسة مصر الخارجية ولا يعبر عن مرجعية للمسلمين ؟ وللأزهر وشيوخه حكايات مع الحجاب والنقاب مثيرة ومتناقضة، وعدم رده على بعض المواقف والفتاوى مثيرة أيضا ومحيرة أكثر. حتى أنه يوم 8 أكتوبر 2007 أصدر طنطاوي فتوى تدعو إلي »جلد صحفيين« نشروا أخبارا تقول إن الرئيس حسني مبارك مريض، وهي الفتوى التي أثارت رد فعل قوي وغاضب لدى الصحفيين والرأي العام في مختلف دول العالم. فلماذ ينزعج الجزائريون والحال هذا .. وهذا قليل من كثير من كثير ..