في كل عام تقريبا، وفي كل مناسبة أو بدون مناسبة، تهيمن الإشاعات في الجزائر حول »قرب موعد تغيير الحكومة«، والإشاعة هي خبر خير رسمي وغير صحيح، لكن الإشاعة تنمو وتكتسب القوة عندما يكون ما يبررها. بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الرأي والتعبير الموافق ليوم 3 ماي تم تسويق إشاعة عبر الأنترنيت، وتحديدا عبر »الفايس بوك«، إشاعة خطيرة للغاية، كأنها »انقلاب عسكري« بلغة السبعينيات، تقول الإشاعة »يجب تحرير التلفزيون«، بدون أن تحدد من الذي يجب أن يحرره؟ هل هو حزب أم جماعة ضغط، أم انتفاضة شعبية يقوم بها الشباب أو غيرها من الاحتمالات. هذه الإشاعة الإلكترونية كان لها وقع سريع، حيث انتشرت بسرعة في أوساط المستخدمين للفايس بوك، وقابلها تحرك أمني بوضع وحدات للشرطة أمام مبنى التلفزيون، فمن يدري؟ إنها إشاعة إلكترونية وقد تصبح حقيقة. ففي مصر مثلا، قاد مستخدمو الفايس بوك انتفاضة شهيرة، تعرف باسم »ثورة الخبز« جاءت على خلفية ارتفاع الأسعار وقلة السميد الموجه لاستهلاك العامة من الناس، لأن السميد في مصر نوعان : نوع للعامة من الفقراء والغلابى، ونوع للبورجوازية والسواح. كل ما حدث يعني أن وسائل الإعلام الرقمية والشبكات الاجتماعية عبر الأنترنيت، التي مكنت الرئيس الأمريكي باراك أوبما من حسم الفوز بالرئاسة في أمريكا، قد تصبح مؤثرة للغاية في كل دول العالم مستقبلا، خاصة تلك التي تعاني من الانغلاق السياسي والإعلامي، لأن في مثل هذه الحالات تولد الإشاعة وتنمو وتفعل الأفاعيل. نحن في الجزائر، أو في مصر، وسوريا وإيران والسعودية أيضا، وهي الدول التي بدأت تنشط فيها الشبكات الاجتماعية الإلكترونية خاصة المدونات الشخصية »لي بلوغ« والفايس بوك، وماي سبايس وتويتر وغيرها ، لم نتحول بعد من المجتمعات الكلاسيكية التماثلية إلى المجتمعات الرقمية، نحن في بداية التحول، أي في بداية الطريق، ومع ذلك بات واضحا حجم التأثير الذي تلعبه مثل هذه الفضاءات. في وقت سابق كانت المجتمعات الإنسانية، وخاصة الحكومات تعاني من انتشار الإشاعة الكلاسيكية التي كانت تنتقل بسرعة البرق من الفم إلى الأذن وتتخذ طابع السرية، اليوم الإشاعة أصبحت تتخذ الطابع الإلكتروني، وهي أخطر من الإشاعة الأولى، لأنها تتيح لمستخدم الشبكات الاجتماعية الدفاع عن وجهة نظره والإقناع بها، ويتلقى الردود من المستخدمين، ردود مؤيدة تزيده أفكارا، وردود معارضة تقوّم له أفكاره، وتمنحه وسائل جديدة للهجوم. وتشهد الساحة الجزائرية الإلكترونية في الآونة الأخيرة نقاشا حول »حكومتين«، الحكومة الأولى حكومة المغني القبائلي فرحات مهني، التي أعلنها لتحكم منطقة القبائل، والحكومة الثانية هي حكومة أحمد أويحيى التي يدور حديث عن قرب إنهاء مهامها. بالنسبة لحكومة المغني فرحات مهني، فهي حكومة للاستهلاك وتحريك النقاش في ساحة خاملة راكدة، فالمجتمع السياسي أصبح يفتقر للنقاش الجاد، لا على صفحات الصحف، ولا من خلال الندوات ولا حتى داخل البرلمان حيث »يسكن« العديد من الأحزاب والأحرار أيضا. حكومة مهنى أعلن عنها بمناسبة إحياء ذكرى الربيع البربري بمناسبة 20 أفريل، وتم تنظيم مسيرات في منطقة القبائل بالمناسبة، بعضها دعا إليها فرحات مهنى، الداعي للحكم الذاتي في منطقة القبائل، وبعضها دعا إليها سعيد سعدي زعيم الأرسيدي. مهنى قال له »المواطنون الإلكترونيون« الذين ينشطون على الفايس بوك، أن مجاهدي منطقة القبائل، وقادة الثورة من أبناء جرجرة، لم يحاربوا فرنسا لكي تكون منطقة القبائل مفصولة عن الجزائر، بل قدموا أنفسهم وأموالهم وأبنائهم قربانا للحرية والاستقلال لكي تكون منطقة القبائل جزء لا يتجزأ من الجزائر. أما حكومة أحمد أويحيى حسب الإشاعة الكلاسيكية والإلكترونية، فقد زهق منها المواطنون الكلاسيكيون والرقميون أيضا، لذلك بات الحديث عن تغييرها أو تعديلها، أكثر من إشاعة، بل أصبح أمنية. تقول الإشاعة الأمنية أو الأمنية الإشاعة إن بوتفليقة بصدد وضع آخر الترتيبات للإعلان عن »تغيير جذري« شبيه بالتغيير الجذري الذي أحدثه حزب جبهة التحرير الوطني في المكتب السياسي. بمعنى أن 80 من الطاقم الحكومي، سيتم استبداله. وبالنسبة للمواطنين الكلاسيكيين والرقميين أيضا، فإن توجه الرئيس له ما يبرره، أولها أن الحكومة حالية عمرت كثيرا، ثانيا إنها شهدت عدة هزات بسبب الفضائح المالية والفساد ، وثالثا شهدت عدة قطاعات جملة من الإضرابات والحركات الاحتجاجية، ورابعا يجب أن تتماشى وروح التعديل الدستوري الأخير القاضي بتعزيز مكانة المرأة والشباب. ومن خلال المبررات السابقة، مبررات تسوقها الصالونات والإشاعة الرقمية والكلاسيكية أيضا، يتضح أن الجزائريين يرغبون في حكومة شباب، حكومة تتبنى مطالبهم الإجتماعية ولا تواجهها، حكومة منسجمة مع الشعب ومختلف مكوناته، وهي الحكومة التي يدعون إلى تشكيلها. وبين صعوبات »تشكيل الحكومات« التي يجب أن تخضع لعامل التوازن السياسي والجهوي والجنسي والعمري ، منحت الثورة الرقمية للشباب الإلكتروني فرصة تشكل حكومات على المقاس. لكن علينا أن ننتبه أن الكومبيوتر الذي أضحى يسيطر على العقول والقلوب قد يصبح قوة ضغط رهيبة.