"ليتني أجني من عملي هذا أكثر مما أحصل عليه الآن لأنه متعب والمقابل الذي أحصل عليه أقل من المجهود الذي أبذله" بهذه العبارة حاول كريم أن يصف العمل الشاق الذي يقوم به وهو طفل لا يتجاوز الثالثة عشر سنة والذي بات يفكر عكس أقرانه عن المال الذي لا يكفيه لسد حاجات عائلته عوضا عن التفكير في مستقبله الدراسي أو في الوجهة التي يفضل القضاء فيها عطلة الصيف. أصبح الفقروالحاجة و كذا فقدان أحد الوالدين الدافع لطفل مثل كريم لأن يخرج من المنزل باكرا كأي رب عائلة وفي عقله الصغير سوى فكرة جني المال من جمع البلاستيك وإعادة بيعه، فهو يقضي اليوم الذي يكاد لا يتذوق فيه طعم الأكل في التجول بين مفرغة عمومية وأخرى البراءة ضحية للتسرب المدرسي والفقر تحدث إلينا كريم بعبارات توحي بأنك تتكلم إلى شاب تجاوز الثلاثين من العمر لولا جسده الصغير الذي يؤكد عكس ذلك فمن خلال كلماتها أدركنا كم هي قاسية الحياة على هذا الطفل الذي لا يعرف من معنى الطفولة سوى الكلمة لأنه تحمل مسؤولية عائلته بعد وفاة والده وهو اليوم يسعى لتوفير لقمة العيش لإخوته الثلاث الذين يصغرونه عن طريق جمع مختلف الأدوات المصنوعة من مادة البلاستيك ليقوم بإعادة بيعها لمختصين في هذا المجال يقضي كريم يومه في رحلة البحث عن تلك المادة التي توفر له بعض الدنانير يعود بها إلى المنزل من أجل إدخال الفرحة على أمه وإخوته الذين يرون فيه المعيل وينتظرون عودته بفارغ الصبر، حيث عبر عن سعادته الكبيرة عند رؤيته لهؤلاء غير محتاجين للآخرين مصرا على تكبد عناء العمل سواء تحت حرارة الشمس الحارقة والأمطار الغزيرة على أن تضطر والدته للتسول. ولكن لولا الحاجة الملحة للعمل،لما اختارهذا الطفل العمل في مثل هذه الظروف وإنما لاختار كبقية أقرانه وحتى أبناء حيه أن يذهب إلى الشاطئ في هذه العطلة الصيفية ليسبح أو يلعب أو يقضي وقته في قاعات الألعاب، ولكنه ولسوء حظه "تحمل المسؤولية في سن صغيرة "كما قال، مضيفا" لوكان لدي والد، لفضلت الدراسة على العمل لكني لا أستطيع أن أرى إخوتي بحاجة للكثير من الأشياء وأبقى مكتوف الأيدي". أمثال كريم كثيرين تجدهم يحملون أعدادا كبيرة من الأدلية والأواني التالفة المصنوعة من البلاستيك و يجوبون الأحياء على أمل إيجاد البعض منها في حاويات النفايات ،هي تجارة أصبحت رائجة مع مرور الوقت نظرا لزيادة الطلب عليها وسمحت لتلك السواعد الصغيرة بالحصول على بعض الرزق الذي أدخل الفرحة والسرور في قلوب هؤلاء. الصيف أكثر المواسم تفضيلا للعمل هي قصة تتكررفي العديد من العائلات الجزائرية التي دفعتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى التضحية بالمستقبل الدراسي لأبنائهم من أجل توفير لقمة العيش،فكثيرة هي الأسرالتي تدفع بفلذات كبدها إلى عالم الشغل بعد ساعات طويلة من الدراسة، يجوبون الشوارع من أجل بيع التبغ أو النظارات الشمسية أوالأكياس البلاستيكية طيلة أيام السنة فيما يقتصرعمل آخرين على بيع" المحاجب" على الشواطئ في فصل الصيف بينما يتكبد بعض الأطفال مشقة العمل لدى باعة الخضروالفواكه،وبالرغم من أنها مهن متعبة يقدر عليها الجسد القوي إلا أنه عند الحاجة لا يهم شيء سوى أداء العمل على أكمل وجه من أجل الحصول على المقابل المالي. وتعج الأسواق الموازية بهذه الشريحة من الأطفال الذين يجدون فيها ضالتهم لممارسة نشاطهم دون رقيب أو حسيب، فتجدهم يتسابقون وراء المشترين لتصريف بضاعتهم التي هم ملزمين ببيع أكبر قدر منها بعبارات هي قريبة إلى التسول أكثر منه للبيع قائلين " طاطا أشري عليا ساشي"على حد تعبيروليد الذي لم يتجاوزالعشر سنوات والذي ترك مقاعد الدراسة بعد أن عجزت عائلته على توفير المال الكافي لاقتناء احتياجاته التي تزداد مع مرور كل سنة، هذا الطفل يبيع في كل مناسبة شيء فهو في الصيف يبيع الأكياس البلاستيكية وفي شهر رمضان "الحشيش" أو" الديول" وفي المولد النبوي" المحارق" وهو في كل موسم يجد بضاعة وسلعة فالمهم لديه هو إيجاد ما يمكن أن يعيل به أسرته الفقيرة. استفحلت ظاهرة عمالة الأطفال ليس فقط بين المتسربين من المدرسة وإنما أولئك المتمدرسين أيضا يمارسون نشاطات خارج أوقات الدراسة وعددهم هو الآخركبيرومن بين هؤلاء عمرالذي يواجه مختلف الأخطار على قارعة الطريق السريع بالقليعة أين يقضي ساعات ما بعد الدراسة تحت حرارة الشمس تارة والأمطار تارة أخرى هذا الطفل يدرس صباحا ويعمل مساء في بيع" المطلوع" أو" خبز الدار"كما يحلو له أن يطلق عليه، فرغم المخاطر التي يواجهها بما في ذلك السرقة والإختطاف وغيرها من الآفات التي تفتك بهذه الفئة من المجتمع، يقومون بعمل مضني من أجل مساعدة أهلهم فوالده مقعد والمنحة التي يتحصل عليها لا تكفي لسد حاجات جميع أفراد عائلته وهو مضطر لبيع تلك المنتجات التي تقوم الأم بصنعها وهولا يملك الخيار في القبول أو الرفض لأن جميع إخوته يقومون بنفس الأمر فمنهم من يعمل في أحد المقاهي وأخته تقوم بمساعدة إحدى السيدات في أعمال المنزل التي تجود عليها بالمال وبعض الملابس القديمة، وهكذا يقضي هؤلاء يومياتهم منهم من يزال يزاول دراسته وآخرون تركوا مقاعد الدراسة التي أوجدت لغيرهم على حد قوله لأنه في ذات الطريق الذي سلكه إخوته الذين تخلو عن الدراسة بعد أن تعودوا على العمل وباتوا يقبضون المال من المهن التي يقومون بها. 0.17 بالمائة من الأطفال يعملون حسب إحصائيات السنة الماضية تشيرالأرقام الرسمية المستقاة من وزارة العمل لسنة 2009 أن ظاهرة عمالة الأطفال لم تصل إلى نسب خطيرة وتتواجد بنسب ضئيلة في بعض النشاطات فقط ، إذ ثم إنجاز تحقيق أول سنة 2002، والذي سجل من خلاله أنه من بين 5.847 مؤسسة تم مراقبتها والتي تشغل 16.895 عامل تم تسجيل 95 شاب عامل لم يستوفوا السن القانوني للعمل أي بنسبة 0.56 من إجمالي عدد العمال، بينما أظهرتحقيق ثان تم القيام به سنة 2006 أن عملية مراقبة 3.853 مؤسسة تشغل 28.840 عامل أدت إلى اكتشاف تشغيل 156 طفل لم يستوفوا السن القانوني للعمل، أي بنسبة 0.54 بالمائة من إجمالي عدد العمال،أما آخر تحقيق قامت به مصالح مفتشية العمل حول هذا الموضوع سنة 2008 أكدت أن نسبة تشغيل الأطفال في القطاع الاقتصادي ضئيلة، حيث تبين من عمليات المراقبة التي مست 4.820 هيئة مستخدمة تشغل 38.650 عامل، تشغيل 68 طفل يقل سنه عن 16 سنة أي ما يمثل 0.17 بالمائة. وحسب تلك الإحصائيات فإن الظاهرة ليست بالخطورة التي يظنها البعض لأن قانون العمل الجديد يحمل مواد تحمي الطفل من العمالة وتعاقب من يستغله قبل السن القانونية حيث تم إدراج إجراءات صارمة في هذا القانون خاصة بالظاهرة حيث تم إدراج إجراءات صارمة في هذا القانون خاصة بالظاهرة منها أحكام عقابية تمس حتى الأولياء الذين سمحوا لأبنائهم بالعمل في سن مبكر تصل إلى فرض غرامات، ومن خلال التحقيق الذي تم فإن أغلب الأطفال المشغلين يعملون خارج القطاع الاقتصادي أي في القطاعات التي توجد فيها علاقات عمل. وعليه فإن الجزائر حسب المسؤولين بوزارة العمل غير معنية بعمالة الأطفال وإنما هناك ظاهرة أخرى مختلفة تتمثل في عمل الأطفال لحسابهم الخاص بهدف مساعدة عائلاتهم وهو ما يستدعى بذل المزيد من الجهود. خياطي يؤكد أن التسرب المدرسي أهم أسباب تفشي عمالة الأطفال أكد البروفيسور خياطي الهيئة الوطنية لترقية الصحة و تطويرالبحث العلمي عن وجود رقمين لظاهرة عمالة الأطفال في الجزائرالأول متعلق بالأطفال المتمدرسين و آخرخاص بالغيرمتمدرسين و يتراوح هذا العدد بين 500 ألف و مليون و 500 ألف طفل ،هذه الأرقام مقدمة من طرف منظمة اليونيسيف ، غير أن الرقم الحقيقي –يقول- موجود بين الاثنين وعليه فإن ظاهرة العمالة موجودة و بأعداد كبيرة في السوق السوداء، ويساهم في انتشارها بشكل كبيرعدة عوامل أهمها التسرب المدرسي الذي مازال يرمي إلى الشارع كل سنة أعداد هائلة من الأطفال والمقدرعددهم ب 100 ألف طفل في الطورالابتدائي و 200 ألف في المتوسط وما بين 400 و 500 ألف في الثانوي ،حيث تشكل تلك الأعداد الخزان الحقيقي لهذه الظاهرة الخطيرة. و تشكل العائلة –يضيف محدثنا- السبب الثاني في انتشارعمالة الأطفال حيث يساهم موقف الوالدان في دفع الطفل إلى العمل قبل السن القانونية بسبب الظروف المادية الصعبة التي تعيشها فتلجأ إلى تجنيد الأبناء للمساهم في مصاريف المنزل ،بالإضافة إلى هذا تسود فكرة خاطئة في المجتمع أدت إلى رفض الأطفال مزاولة دراستهم و المتمثلة في عدم هذه الأخيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ،حيث يضرب المثل خاصة خلال هذه الأيام –يقول- خاصة بلاعبي كرة قدم الذين يجنون الملاييرمن هذه اللعبة و كذلك الحال بالنسبة للمغني أو حتى موزع المخدرات وغيرها من صورالغنى المفرط لبعض الناس الذين أعطوا صورة مشوهة عن الدراسة ،الأمرالذي شجع العائلات على الرمي بأبنائهم إلى عالم الشغل . وفي هذا الإطاردعت "فورام "إلى اتخاذ بند في قانون العقوبات يجرم الوالد الذي يدفع بابنه إلى العمل إلا أن هذا الأخيرلم يتم المصادقة عليه بعد رغم الأهمية البالغة التي يكتسيها وارتباطه الوثيق بالدستورالذي يلزم بإجبارية التعليم لكل طفل لم يتجاوزسن السادسة عشر،و تحتل الجزائر حسب –محدثنا- المرتبة الثالثة أو الرابعة عربيا و بالرغم من الحديث الكثير الذي يدورحول الموضوع إلا أن ذلك لم يغيرفي الواقع شيء يذكر. بالإضافة إلى هذه الظاهرة تعاني الطفولة في الجزائر من عدة ظواهر خطيرة لا تقتصر فقط علة العمالة و إنما أيضا التسرب المدرسي و تعاطي المخدرات و غيرها من المشاكل التي تضع هذه الشريحة في دائرة الخطر،ويرجع تفشيها حسب البروفيسورخياطي إلى انعدام التنسيق بين الدوائرالحكومية و الرسمية والمجتمع المدني الدين يعملون كل لوحده،مطالبا الجهات المعنية بإعطاء الأولوية والدعم المادي اللازم للجمعيات لمحاربة هذه الظواهرنظرا لدورها الفعال في التعامل مع هذه الآفات الخطيرة وتشديد الرقابة عليهم لأن الجهود التي تبذل لم تعطي النتائج المرجوة رغم الأموال الطائلة التي تصرف من طرف الدولة.