الخبز.. رمز الحياة، حتى أن المجتمع يستعير لفظ " الخبز " للتدليل على واقع اجتماعي، كأن يقول أحدهم " راني نجري وراء الخبزة " بمعنى أنه يجد ويكد من أجل كسب لقمة العيش. ويقول آخر " الخبزة المحانة " للتدليل على صعوبة الوضع المعاش. ويقال أيضا " نأكل الخبز والماء ونخلي رأسي في السماء " للتدليل على الكرامة.. وغيرها كثير من التعابير الكثيرة التي طورها المجتمع. والخبز عند الجزائريين سيد المائدة، فحتى لو كانت المائدة حبلى بكل ما لذّ وطاب من مأكولات ومشروبات، فإن الخبز سيظل ويبقى سيدها، وبدونه تكاد المأكولات الشهية الأخرى تصبح دون معنى، أي تفقد شهيتها. والخبز في شهر رمضان يتفنن فيه الخبازون تفننا، من حيث الشكل والنوعية والسانوج، ولا نستطيع نحن الجزائريون أن نتصور مائدة بدون خبز .. فالخبز غذاء أساسي، وهو القاعدة الأساسية للتغذية، فالفقراء والمساكين والمحتاجون والطبقة الوسطى على العموم يعتبرون الخبز غذاءها الرئيس ، إنه غذاء الفقراء. والأغذية الأساسية هي عبارة عن " دبلوماسية لطيفة " تستخدم بدلا من عبارة " أغذية الفقراء "، لأن الجميع يأكل الخبز ، لكن غالبية الناس " تعيش على الخبز ". لذلك ظلت الدولة تدعمه إلى جانب المواد الغذائية الأساسية الأخرى مثل الحليب والسكر. وعندما تضطرب سوق الخبز أو تقل هذه المادة يعني أن المجتمع في أزمة لا تقل خطورة عن أزمة قلة الماء أو تلوث الهواء. قبل سنتين من الآن عاش الجزائريون أزمة غذائية عرفت باسم " أزمة البطاطا " والبطاطا تحتل المرتبة الثانية بعد الخبز على طاولة الجزائريين، وقد اضطرت الجزائر لاستيرادها من " كندا ". وحينها كانت البطاطا حديث كل البيوت وكل وسائل الإعلام لأنها مرتبطة بحياة الناس بشكل مباشر. وقبل شهر من رمضان الكريم، لاحت في الأفق بوادر أزمة الخبز، وقد دقت نقابة الخبازين " ناقوس الخطر " حيث كشفت عن " أزمة خبز " قادمة، وحددت بالضبط شهر رمضان الكريم .. وسبب الأزمة حسبها أن الخبز سلعة غير مربحة للخبازين، وهو ما أدى إلى غلق حوالي " 2000 مخبزة " في الجزائر، منها 800 مخبزة في العاصمة وحدها. وحتى يمر شهر رمضان في هدوء، ويصوم الناس إيمانا واحتسابا ، فإن السلطات مطالبة بالتحرك العاجل، فأزمة الخبز ليست أزمة هينة، وليست مثل قفة رمضان توزع بأي كيفية، إنها أزمة قد تولد الثورة .. وقد ولدتها في كثير من البلدان .. وتعرف باسم " ثورة الخبز ".