يعد الجزائريون من أكثر شعوب العالم استهلاكا للخبز بكمية تتراوح ما بين 500غ و900غ في اليوم الواحد كما أنهم أكثر هذه الشعوب تبذيرا له بكميات هي الأخرى تتراوح ما بين 150غ و200 غ يوميا، وتتضاعف ظاهرة تبذير مادة الخبز ورميها خلال شهر رمضان بأزيد من النصف مقارنة بباقي أيام وشهور السنة علما ان سعر الخبز في بلادنا هو الأرخص في العالم بفضل دعم الدولة له وهو من القليل أوالنادر حدوثه في العالم غير أن الجزائريين لم يقدروا حقا قيمة هذا الدعم فقابلوه بالتبذير والإسراف حيال هذه المادة الحيوية. خلصت الدراسة الميدانية المعمقة التي قام بها مكتب -الجزائر، استشارات دولية- لصاحبه السيد مالك سراي إلى أن الشعب الجزائري من أكثر شعوب العالم استهلاكا وتبذيرا لمادة الخبز وتحديدا الخبز الأبيض الذي يباع في المخابز والأكثر استهلاكا والذي جاء ليعوض الخبز التقليدي الذي كان حضوره في السابق على مائدة الجزائريين شيئا مفروغا منه ولا يمكن الاستغناء عنه. وأكدت نتائج البحث الذي استغرق عدة أسابيع ان الفرد الجزائري يأكل في اليوم الواحد مابين 500 غرام وأزيد من 900 غرام أي قرابة الكيلوغرام من مادة الخبز يوميا وتتقاسم شرائح المجتمع هذه الكمية المستهلكة يوميا حيث أن الطبقات المتوسطة تستهلك أكثر من 900 غرام من الخبز وذلك راجع إلى عدم توازن غذائها وتنوعه فيما تكتفي الطبقات الميسورة بكميات لا تزيد عن 500 غرام يوميا نظرا لتنوع غذائها. وتساهم الدولة الجزائرية في توفير الخبز الذي تعتبره من المواد الاستهلاكية الأساسية والتي تشدد وتلتزم بتدعيمها منذ الاستقلال حتى ان الخبز في الجزائر هو الأرخص ثمنا وأن الشعب الجزائري الأكثر حظا في حصوله على رغيف أوخبزة بثمن جد معقول، علما أن الجزائر من الدول القليلة التي لا تزال تدعم أسعار الخبز وهي بذلك تقوم بمجهودات جبارة حيث أن التكلفة المالية للخبز تقدر ب12دج فيما يتم عرضه للبيع ب8.5 دج ..لكن هل قدر الجزائريون قيمة هذا الدعم ؟ تبذير الخبز وقضية الأمن الغذائي وحذرت الدراسة من التبعية التي تهدد الجزائر في أمنها الغذائي خاصة في استيراد مادة القمح والحبوب التي تزداد سنة بعد أخرى، حيث تصنف الجزائر ضمن المراتب الأولى من حيث تصنيف البلدان الأكثر استيرادا للقمح والتي تتراوح مابين المرتبة الثانية، الثالثة والرابعة عالميا علما ان الجزائر قد استوردت خلال السنة الماضية ما يزيد عن 500 ألف طن من القمح وهي كمية ضخمة مقارنة بما يمكن ان تنتجه بلادنا من هذه المادة وقياسا بإمكانياتها الطبيعية والمادية التي تمكنها من احتلال مراتب متقدمة من حيث الإنتاج. واعتبر الخبير الدولي السيد مالك مبارك سراي في لقاء مع "المساء" ان قضية استهلاك الخبز تندرج ضمن قضية الأمن الغذائي والتوازن الغذائي التي تستدعي التركيز والاهتمام بعدة نقاط هامة وفي مقدمتها تبذير الخبز الذي يعد إشكالا اجتماعيا وتربويا وكذا اقتصاديا يجب معالجته وحله من خلال إدخال مفاهيم جديدة في أنماط التغذية بالاستعانة بخبراء ومختصين في مجال التغذية مع إقحام ثقافة تربوية جديدة تحذر الجزائريين من التبذير تكون بدايتها من المؤسسات التربوية. واستعانت الدراسة بالنشرية الأخيرة التي أصدرها المنتدى العالمي الاقتصادي الذي صنف الجزائر من بين أهم الدول التي تخسر كثيرا في مصاريفها أي "تبذر كثيرا الأموال" والتي تصرف في دعم العديد من القطاعات ومن أهمها القطاع الغذائي الذي رصد له سنة 2008 مبلغ ثمانية ملايير دولار لاستيراد المواد الغذائية وفي مقدمتها القمح، غير أن نتائج هذا الدعم هي "تبذير كبير" طال العديد من الميادين ومن أهمها قضية الخبز التي يعتبرها الكثيرون مشكلا هينا لكنه عظيم لمن فهم ذلك فهل يعقل ان يقابل المواطنون دعم الدولة بالتبذير والإسراف؟ نسب متفاوتة للتبذير وأكثرها في شهر رمضان ويستهلك الفرد الجزائري ما بين 500 و900 غرام من الخبز في اليوم الواحد أي ما بين 15 مليون و27 مليون خبزة يوميا موزعة على أزيد من 30 مليون جزائري وفي المقابل فإنه يرمي ما بين 2 و5 ملايين خبزة في اليوم باعتبار أن سكان المناطق الحضرية والمدن يبذرون نحو18 بالمائة من الخبز الذي يشترونه وهو ما يعطينا ما بين 2.7 مليون و5 ملايين خبزة ترمى يوميا في القمامة وعلى حافة الطرقات في حين فإن سكان المناطق الريفية يبذرون نسبة 12 بالمائة من مادة الخبز، أي مابين 1.8 مليون و3.24 ملايين خبزة يوميا غير أن هذه الظاهرة قد تجد لها حلا في المناطق الريفية التي يستعين أهلها بالماشية للتخلص من الخبز "الصابح" في حين يلقى مباشرة في المزابل والشوارع بالمدن والحواضر، ويكون نصيب كل فرد جزائري من التبذير ما بين 100 إلى 200 غرام على اقل تقدير. وعموما وإن اختلطت عليكم الأرقام فإن الخلاصة والنتيجة الأساسية هي ان الفرد الجزائري من أكثر شعوب العالم تبذيرا للخبز ولم تشفع له ثقافته وتربيته الدينية والإسلامية التي تنهى عن التبذير والفساد استنادا إلى قوله تعالى "ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين" في الحد من رمي الخبز الذي نراه يوميا في أبشع صور حتى أن أهم شهور العبادة عند اللّه وهو شهر رمضان المبارك لم يسلم من هذه الظاهرة التي تكاد تكون لصيقة بالشعب الجزائري دون غيره، حيث ان كمية الخبز الملقاة تكاد تتضاعف وهو ما ينذر بكارثة ستلقى بظلالها على جميع مناحي الحياة. وبحسب الدراسة المذكورة، فإن شهر الصيام لدى الفرد الجزائري يبدأ بالضرورة في التفكير في مائدة الإفطار وهو ما يدفع بغريزة الجوع إلى تركيز النظر في جميع أنواع الخبز على أساس أننا نأكل بأعيننا أولا ، لتكون النتيجة ان أفراد العائلة الواحدة يدخلون "ودون شعور أوتشاور أوتنظيم فيما بينهم" وفي يد كل واحد منهم تشكيلة متنوعة من الخبز والنتيجة انه وبعد الإفطار يتم تحويل الجزء الأكبر من هذه الكمية نحو سلة المهملات. نوعية الخبز ..هل تكون هي السبب وأوضحت الدراسة ان من بين العوامل التي تدفع الجزائريين إلى رمي الخبز هي نوعيته الرديئة، حيث أن الخبزة سرعان ما تتحول بعد 12 ساعة إلى 20ساعة إلى شبه قضيب مطاطي يصعب هضمه بل وحتى تقطيعه والسبب في ذلك هي افتقار ثلث الخبازين إلى المهنية والخبرة في صناعة الخبز فمعظمهم لا يملكون مقاييس العمل، كما أن غياب مدارس متخصصة ساهم في تكريس غياب المهنيين والمختصين في صناعة هذه المادة . وقد شجعت قروض "أنساج وكنان" في بروز عدد هام من المخابز التي -وللأسف- لا تفقه في صناعة الخبز شيئا علما ان القانون يمنع منح قروض لمثل هذه التخصصات دون الحيازة على المؤهلات اللازمة على اعتبار أن الترخيص لهذه النشاطات لا يتم إلا على أساس شهادات في المجال بالإضافة إلى عدم التزام النسبة الأكبر من الخبازين بالمقاييس الدولية التي تدخل في صناعة الخبز وهي أيضا تجهل المكونات التي يجب أن تدخل في صناعة الخبز الذي ينبغي أن يتضمن عناصر ومكونات تحول دون تلفه السريع بحيث أن الخبز في الدول الأوربية يصمد لأيام ويحافظ على شكله ومذاقه عكس الخبز الجزائري الذي يتحول إلى "كاويتشو" ساعات فقط بعد خروجه من الفرن مما يصعب من عملية مضغه بل وتقطيعه ليكون مصيره الإلقاء به في القمامة. وتشير الأرقام إلى انه ومن بين أزيد من 13 ألف مخبزة المسجلة عبر التراب الوطني 3000 منها غيرت نشاطها خلال السنوات الأخيرة بسبب عجزها عن الصمود في وجه الأسعار التي شهدت ارتفاعا مما جعل من مهنة صناعة الخبز مهنة غير مكسبة، غير انه وخلال 2008 تم تسجيل التحاق 1100 مخبزة جديدة بالنشاط من خلال قروض بنكية وضمن السياسات الجديدة المشجعة على تشغيل الشباب وكذا بروز مؤسسات صغيرة غير أن مهنيتها وتحكمها في "الصنعة" تبقى بين قوسين. وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة عودة الجزائريين وانضمامهم إلى نفس "الريجيم" الحمية الغذائية التي تميز بلدان وسكان حوض البحر المتوسط التي تعتمد على الزيوت والعجائن الغذائية أكثر منها على الخبز وذلك لمواجهة المناخ الطبيعي الذي يتميز بالرطوبة، ولا عجب في أن يعاني معظم الجزائريين من أمراض مختلفة في الجهاز الهضمي. خبز الطاجين..والعودة إلى الأصل فضيلة بالإضافة إلى كل مظاهر الإسراف والتبذير التي طالت مادة الخبز والتي ركزت عليها الدراسة التي اشرف عليها مكتب الدراسات المعتمد -الجزائر، استشارات دولية- فقد تم الاستنتاج وبالعودة إلى المختصين ان الخبز الأبيض الذي نتناوله ليس صحيا بل انه وراء العديد من الأمراض التي أصبحت تميز الجزائريين على غرار القولون وأمراض المعدة والهضم وعليه فمن الضروري ان يستغني الفرد منا وبشكل تدريجي عن الخبز الأبيض مع العودة إلى "المطلوع" وخبز الطاجين المصنوع من دقيق القمح الصلب أو السميد باعتباره مغذيا أكثر كما أن بساطة تحضيره وخلوه من المواد الكيماوية المضافة باستثناء الخميرة جعل منه أكثر صحية . ومن الملاحظ أن الجزائري أصبح يحن أكثر إلى خبز الطاجين وهو ما يفسر انتشار الباعة بكل مكان حتى عبر الطرق السريعة والمستهلك في هذه الحال لا يتردد في شرائه إلى جانب بروز محلات بيع الخبز التقليدي في الآونة الأخيرة مما يفسر عودة الجزائريين إلى تقاليدهم الغذائية القديمة والتي كانت أكثر انضباطا وصحة.