اعتبر المُؤرخ الدكتور محمد القورصو اقتراح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون لحماية قدامى مُحاربي الجيش وتجريم أي مساس بهم بمثابة ورقة انتخابية يسعى من ورائها حزب الرئيس »نيكولا ساركوزي« إلى استمالة هذه الفئة لصالحه بعد الشتات الذي لحق به، مُحذّرا من خطورة هذه الخطوة وانعكاساتها على الجزائر لأن ذلك يُمثّل، حسبه، محاولة لغلق المنافذ أمام مُبادرات كتابة التاريخ على حقيقته. ع.طاهير قال الدكتور محمد القورصو في اتصال مع »صوت الأحرار«، إن نيكولا ساركوزي وحزبه، الاتحاد من أجل حركة شعبية، يمرّان في الفترة الحالية ب »محنة شديدة« بسبب تراجع شعبية الرئيس الفرنسي، متسائلا عن الخلفيات الحقيقية وراء تزكية الاليزيه لمقترح عدد من نواب مجلس الشيوخ، لكنه سرعان ما أجاب: »هذا أمر واضح لأن هناك مُحاولة لتبييض صورة فرنسا في علاقتها مع الحركى لأغراض انتخابية، كما أن القصد منها هو جمع شتات التيار اليميني لمواجهة الخصوم المحتملين في انتخابات 2012«. وحسب تأكيد الرئيس السابق لجمعية 8 ماي 1945، فإن ما يُثبت صحة كلامه هو التناقض الحاصل في تعامل السلطات الفرنسية مع قدماء المُحاربين في الجيش الفرنسي، وعلى حدّ وصفه »باريس كانت تُعامل الحركى بشكل غير إنساني والدليل أن وضعية هؤلاء لم تصل إلى التسوية إلا في السنوات العشر الأخيرة بعدما كانوا يقطنون في المُحتشدات«، قبل أن يتساءل من جديد: »اليوم نرى فرنسا تُحاول سنّ قانون لحماية الحركى من أجل مُتابعة كل من يُسيء إليهم في وقت كان الأجدر على هؤلاء مُقاضاة السلطات الفرنسية على الانتهاكات التي مارستها ضدهم«. وأكثر من ذلك فإن القورصو لم يتوان في مُقارنة الاقتراح الذي تقدّم به بعض من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي ب »القانون الذي يُجرّم الإساءة للصهيونية«، لافتا إلى أن تشكيلة الأعضاء الذين بادروا بالمشروع تكشف أن غالبيتها من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، وهو ما يؤكد حقيقة أخرى حصرها المُتحدّث في كون سياسة الرئيس ساركوزي تجاه الجزائر »لم تعرف الليونة ولا التراجع« خاصة في »الملفات الحسّاسة« ذات الصلة بكتابة التاريخ والذاكرة من قبيل الحركى. وعلى الرغم من أن الدكتور محمد القورصو لم يستغرب مثل هذه الخطوة التي تُريد من خلالها باريس تجريم أية إساءة للحركى على اعتبار أن المادة الرابعة من قانون 23 فيفري 2005 تحدّثت عن هذه الإجراءات، فإنه انتقد موقف السلطات الجزائرية السلبي من كل حراك فرنسي في قضايا التاريخ، وهو الموقف الذي اعتبره »غير واضح وكأننا لا زلنا نبحث عن هويتنا حينما نتعامل مع فرنسا« في حين يرى بأن »القضايا التاريخية غير قابلة للمُساومة، ولا بدّ من اتخاذ موقف حازم منها«. وعندما سألت »صوت الأحرار« المؤرخ القورصو حول طبيعة الخطورة وكذا الانعكاسات التي يُمكن أن تتحمّلها الجزائر من وراء هذا القانون، أجاب قائلا: »برأيي فإن هذه التأثيرات ستكون بشكل مُباشر على كتابة التاريخ لأن أي مؤرخ لا يُمكنه أن يتعرّض للحركى وحتى وإن كان الأمر يتعلّق بحقائق تاريخية، وهو ما يعني في النهاية أن فرنسا تتمادى وتُريد فرض إيديولوجيتها في هذا الجانب، أي كتابة تاريخ وفق ما تراه وليس كما نراه في حقيقته..«. وبالعودة إلى تفصيل المُقترحات التي تضمنها مشروع القانون الفرنسي فإن عضو مجلس الشيوخ »ريمون كودارك« حدّد أن يشمل تعديل المادة الخامسة من قانون تمجيد الاستعمار من خلال إضافة مادة جديدة بتسمية »المادة 5-1« والتي يقضي بفرض غرامات مالية تصل قيمتها إلى 45 ألف أورو، دون استبعاد تنفيذ عقوبة السجن النافذ لمدة سنة واحدة في حق كل من ثبت في حقه صدور شتائم في ضد قدامي المحاربين في صفوف الجيش الفرنسي من الجزائريين أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر وبخاصة في أثناء ثورة التحرير 1954-1962.