منذ أمد بعيد لم نسمع عن والي ولاية يصنع الحدث الإعلامي، باستثناء بعض الولاة الذين نقلت عنهم صحف جزائرية أخبار سلبية تتعلق بتورطهم في قضايا فساد. وظلت صورة الوالي عند الرأي العام مرتبطة ب »البزنسة« في الشقق وقطع الأرض، والشاليهات وما شابه. وخلال هذا الأسبوع، صنع والي ولاية بومرداس الحدث فعلا، لكن بمنظوره الإيجابي، من وجهة نظر الرأي العام الوطني على الأقل. لقد قرر تنحية مجموعة من الشخصيات المسؤولة في الولاية، وصفوا بأنهم من المقربين إليه، وإحالتهم على العدالة، بتهمة »الفساد«. العملية في حجمها غير المعهود تتزامن مع مناقشة البرلمان الجزائري لقوانين محاربة الفساد، وهي عبارة عن »سيف الحجاج«، وكأن الوالي يقول: من كان صالحا فهذا )المنصب والمسؤولية( ومن كان فاسدا فهذا )أي سيف الحاج(. عندما خاطب أمير المؤمنين الحجاج بن يوسف الثقافي الذي تنسب إليه عبارة سيف الحجاج الناس قائلا: »إني أرى رؤوسا قد أينعت وآن قطافها«، كانت رسالة قوية للمقربين والمسؤولين والقادة، بأن سيف الحجاج لم ولن ولا يصدأ أبدا، هذا الرجل وصل به الأمر حتى إلى قصف »الكعبة الشريفة« بالمنجنيق. وهكذا يكون والي بومرداس قد وجه رسالة قوية للمسؤولين المحليين، مفادها أن »سيف الحجاج« قد استل من غمده، وأن الرؤوس التي فسدت قد آن قطافها. وليس مستبعدا أن يطاب المواطنون في كل الولايات مستقبلا من ولاتهم أن يقتدوا بوالي بومرداس، الذي ضرب، فقد ضرب بسيف الحجاج. ويلاحظ على عهد بوتفليقة المختلفة أن الفساد والمفسدين قد تم كشفهم وفضحهم علنا للرأي العام، وتجري محاربته أيضا بشكل مكشوف، وهذا يحسب له، لأن »التستر« على الفساد في عهد سابقة لا يعني أن الفساد لم يكن موجودا، بل إن بعض المراقبين وحتى المواطنين مقتنعون أن الفساد الذي حصل في عهد »المندوبيات التنفيذية« ليس له مثيل، لكن انشغال الدولة حينها بمحاربة الإرهاب غطى على قضايا الفساد الكثيرة. وكان بوتفليقة هو أول من هدد بالضرب بسيف الحجاج عام 1999 أياما فقط بعد وصوله إلى سدة الحكم. والمسؤولون الفاسدون، إذا لم يتعرضوا للعقاب في الوقت المناسب، سيستشري الفساد، لأن المفسدين سيصبحون قدوة للآخرين. وفي النهاية إن المواطنين لا يحسدون أحدا من المسؤولين في ما أنعم الله عليهم من نعم، ولكنهم يتمنون منهم تحقيق شيء ملموس لصالح الوطن والمواطن، ولا يرغبون لا في الانتقام ولا في أي شيء أكثر من رؤية الفساد والمفسدين يتعرضون للعقاب، لأنهم هم أول من يدفع ثمن ذلك. وفي آخر المطاف ، فإن »عدالة المواطنين« هي التي تبقى وتدوم في المخيال الجماعي للناس، فعندما يحكم الناس عن أي مسؤول بالفساد، سوف يبقى فاسدا حتى لو برأته جميع عدالات الأرض بما فيها »محكمة لاهاي«.