إن الحديث عن البيئة وأهميتها في المعايير الدولية لتحضّر الشعوب ورقيها قد عرف تطورا ملحوظا واهتماما من الحكومات وبالخصوص في الدول النامية التي تسعى إلى مواكبة ما يجري في العالم اليوم من رقي وتقدم يحتل فيه العنصر البشري الاهتمام الأول من خلال الاهتمام بصحته وذلك بإيلاء العناية الكافية إلى الوقاية لأنها خير من العلاج، وبالتالي لتوفير المحيط الجمالي للمواطنين بفضل تربية أجيالنا وتنشئتهم على الذوق الرفيع من خلال روح المواطنة التي تشارك المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية في نموها وتطورها وترسيخها في سلوكات أبنائنا وشبابنا، وليشارك في تعميقها وتأصيلها الآباء والأمهات من خلال المدرسة الأولى للطفل ألا وهي الأسرة، إذ بفضل كل هذه الآليات التي تتناعم وتلتقي في هدفها من أجل بيئة نظيفة وجميلة يمكن لمجتمعنا أن يكون في مصاف تلك المجتمعات التي لها باع طويل في هذا الميدان، خاصة وأنه ميدان صعب ويحتاج إلى تظافر الجهود بين جميع الشرائح الاجتماعية هذا إلى جانب حاجته الماسة إلى الإمكانيات المادية التي يعمل القطاع المعني على توفيرها لأن الدولة تسعى عن طريق القطاع المخصص إلى تحقيق المسعى والوصول بالمجتمع إلى البيئة المنشودة، ويبقى الأمر يتعثر والتنفيذ يتباطأ بالنظر إلى الارتباط المباشر للبيئة بالانسان، وتربية هذا الإنسان على ثقافة بيئية رائدة وهنا يكمن الأمر ويسكن السر، وعليه فإنه على قطاع البيئة الذي يخطط وينفذ أن يرسم المشاريع الكبرى بحجم طموحات الجزائر وجعلها تتحقق على المدى البعيد أو على المدى المتوسط والأمل كبير وكبير جدا في أنها ستتحقق بالنظر إلى الإرادة القوية لدى المخلصين من رجالات الجزائر ونسائها والجادين في العمل وستكون هناك آليات حضارية لتحسين وتجميل وتطهير البيئة، خاصة وأن العلي القدير قد خص الجزائر بطبيعة جميلة، وما على أبنائها إلا الحفاظ عليها عن طريق المواطن الذي يغار على وطنه ويحافظ على أسرته ويحفظ بيئته بفضل المشاركة الفعالة والدؤوبة والقائمة على قناعات حضارية عمادها التربية الأسرية والمدرسية فيسعى ويعمل ويوجه وينشط ليحقق محيطا نظيفا وجميلا يجد سعادته فيه بسعادة الاخرين• وما يلاحظ اليوم وبالنظر إلى المساعي الجادة والعمل الدؤوب على المستوى الوطني بهدف الوصول إلى بيئة جميلة ونظيفة وسليمة تأخذ بعين الاعتبار بتر الظواهر التي يمارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان في اطار سعيه للكسب والربح، فيتسبب في تلوث البيئة وانتشار الأضرار والفضلات العضوية والأخرى الكيماوية الضارة والسامة، الشيء الذي يوجب على القطاع المعني اتخاذ الإجراءات القانونية لمحاربتها تماما، هذا إلى جانب العمل على القضاء على جميع أشكال التلوث التي غالبا ما يكون الإنسان هو المتسبب الأكبر والأول فيها، هذا الإنسان الذي يترتب عليه أن يكون هو المحافظ والساعي على أن تبقى البيئة في طبيعتها النضرة وإن هذا مجسدا بالسلوكات العادية واليومية لأن البيئة لا يمكن لنا أن تكتفي بالحفاظ عليها من خلال الحملات التطوعية كالنظافة أو التشجير، بل يجب أن يكون الحفاظ على جمال البيئة سلوكا يوميا وعاديا يدخل في التربية الذاتية للإنسان الذي يحتاج الوطن إليه• وتكوين هذا الإنسان ليس بالأمر الساهل، إلا أنه ليس بالأمر المستحيل أيضا وما على جميع الشرائح الاجتماعية والمؤسسات المعنية والمجتمع المدني إلا أن يتحركوا جميعا بهذا التوجه بخطى ثابتة ووئيدة كي نعد جيل المستقبل إعدادا بيئيا بفضل الثقافة البيئية التي ننشدها لمواكبة العصر وتطور المجتمعات ورقيها في هذا الجانب حيث لا يمكن لمجتمعنا أن يتقدم طالما وأن جماعة أخرى منه تتسبب في تلوث البيئة عن قصد أو غير قصد بالإهمال الذي يؤكده في الغالب الجهل بينما جماعة أخرى تعمل وتسعى من أجل بيئة سليمة وجميلة ونظيفة بل نريد أن يقف الةميع في صف واحد ايجابي يحافظ على البيئة ويرعاها ويحفظها ويجملها ويتمتع فيها مع غيره من بني البشر، كي يمضي المجتمع عاملا وفاعلا في ميادين العلم والمعرفة والتطور والتقدم لبناء وازدهار ورقي الوطن• وقد سجلنا مؤخرا بعض مشاركات المجتمع المدني في مجال البيئة وتأتي في قدمتها مشاركة الكشافة وقد سبق وقلت (إنها مبادرة حملة تطوعية) وليست سياسة دائمة ومستمرة على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة• ولن تؤتي ثمارها وتسجل نجاعتها ما لم تكن عملية مباشرة وسلوك دائم ولن يتأتى لنا هذا إلا بفضل المتابعة والمراقبة والملاحظة التي بفضلها يعيش الكهول والشيوخ سعادة السلوك الحضاري وبناء صرح الثقافة البيئية كتربية منشودة في المجتمع الجزائري الذي هم جزء هام منه وفاعل فيه، فيسعد بما يسجله مجتمعنا من تقدم في بناء الثقافة البيئية المتوخاة وما يلفت النظر ويشد الفكر هو ما نلاحظه في غابة بوشاوي التي سخرت فيها الدولة من الهياكل والألعاب ووسائل التسلية الضرورية للأطفال وللكبار جالا ونساء شيوخا وشبانا كل يجد فيها نفسه خاصة وأنها غابة تعتبر بمثابة الرئة من الجسد بالنسبة لصحة سكان العاصمة، كل هذا إلى جانب ما سخرته لأمن المواطنين والمواطنات من رجال درك واقفين وساهرين على سلامة وأمن وراحة المواطنين الذين يزورون المكان في أيام راحتهم للرياضة والتسلية واللعب وكذلك للاستجمام والنزهة ورغم توفر اللافتات التي تحمل عبارات التذكير والتنبيه الهادفة إلى الحفاظ على جمال تلك الغابة ونظافتها تجد الإهمال والتقاعس واللامبالاة من طرف بعض المواطنين، سامحهم الله، أولئك الذين يتركون وراءهم الأوساخ والقاذورات بدلا من جمعها في أكياس ورميها في الأماكن التي خصصت لها• وهنا يقف واحدنا مشدوها أمام تلك المظاهر المؤسفة• لذا تتأسف أسفا شديدا عندما تجد أن المواطن لا يلعب دوره في الحفاظ على بيئته والسؤال الذي يطرحه المرء ترى ما عساها تفعل الدولة أكثر من حرصها وسهرها على راحة المواطنين؟ وماذا يمكن للقطاع المعني وحده أن يفعل تجاه تلك السلوكات السلبية؟ وماذا علينا أن نفعل نحن لتوعية ضمائر بعض المواطنين الذين لا حياة لمن تنادي عندهم كي يلعبوا دورهم في المواطنة الصحيحة من خلال مساهمتهم الايجابية في رقي مجتمعنا وتحضره بفضل الحفاظ على البيئة ونضارة الطبيعة وجمالها الساحر• ربما وخلال هذه المرحلة ونحن نريد أن نضمن للثقافة البيئية في بلادنا نجاحا وتقدما بفضل ترسيخ سلوكات وعادات ايجابية تفرض من أجل تجسيدها مراقبة ومتابعة عن طريق إنشاء إطار وظيفي جديد يمتص بعضا من البطالة من جهة بفضل إنشاء مناصب للشغل وتكليفهم بمهمة المرشد البيئي في المحلات العمومية كي يقوموا بدور يتكفل بالتوجيه والإرشاد والتنبيه إلى السلوكات الايجابية من خلال الحرص على نظافة وجمال الطبيعة ويقومون بذلك بدور المعلم والموجه في المجتمع من جهة ثانية، ذلك المعلم الذي يصب اهتمامه وتركيزه للحفاظ على البيئة ونظافة المحيط وجمال الطبيعة التي خصنا الله بها• وبذلك نحقق شيئا لمجتمعنا على المدى القريب يبرز أهمية الحفاظ على البيئة ويساهم وبشكل مباشر وسريع في بناء الثقافة البيئية التي تنشدها الدولة والقائمون ويسعى إلى تجسيدها القطاع المعني ويتوخاها المواطنون• فغابة جميلة وبيئة مملوءة بالأوكسجين بالنسبة للمدينة بأشجارها الباسقة ونضرتها ووسائل التسلية والراحة والمتعة فيها ورجال الدرك الموجودون في كل مكان يحافظون على حياة المواطنين ويسهرون على راحتهم ومتعتهم ورياضتهم في أحضان الطبيعة الخلابة تفرض علينا الحفاظ عليها جميلة وساحرة، وبعض المواطنين والذين وعن جهل لا يعبأون بالحفاظ على البيئة ولا يهتمون بنظافة وسلامة المحيط فيتركون القاذورات والفضلات هنا وهناك رغم الإرشادات والتوجيهات المكتوبة في مختلف الأماكن وبوجود هؤلاء وانتشارهم من مختلف الأعمار• فإنه لاحل في الوقت الراهن لتحقيق الثقافة البيئية على المدى القريب ولإسعاد الكهول والشيوخ من المهتمين في مجتمعنا إلا الرقابة بفضل المتابعة عن طريق الملاحظة القائمة والمبنية على التوجيه والإرشاد من قبل الموجهين المختصين والمكونين لهذا الغرض ولتلك المهمة وتسليحهم بما يجب من قوانين على غرار القوانين التي وصلت بمجتمعنا إلى احترام الحزام في قيادة السيارات وهذا لضمان نجاحهم في مهامهم والوصول بمجتعنا إلى المنشود وشاطئ الأمان•