ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس كلمة أمام رؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز في القمة ال15 المنعقدة بشرم الشيخ بمصر فيما يلي نصها الكامل: "بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين فخامة الرئيس وأخي العزيز أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة يروقني ان أتوجه إليكم بداية بالتهنئة بانتخابكم الباهر على رأس حركتنا، وأن أعرب لكم عن بالغ ارتياحنا لتولي مصر الشقيقة التي أدت دورا رائدا في قيام حركة عدم الانحياز قيادتها في هذه المرحلة الجد حاسمة من تاريخنا. إننا على يقين من أن حركتنا ستوفق تحت رئاستكم في رفع تحدي تعزيز دورها على الساحة الدولية وستقود بنجاح مسار تنشيطها وتجددها الذي باشرته بعد الرئاسة السابقة. وأود في هذا المقام أن أجزل الثناء لجمهورية كوبا التي وفقت بفضل التزامها الثابت بمبادئ عدم الانحياز ومثله في منح حركتنا المنهاج والنشاط اللذين مكناها من أن تفرض نفسها كطرف فاعل مسؤول يحظى بالاحترام وكواحد من أصحاب المصلحة في كافة المداولات الهامة بالنسبة للمجموعة الدولية والجزائر التي ما انفكت تؤمن بوجاهة الدور الذي تضطلع به حركة عدم الانحياز تغتبط بطبيعة الحال وهي ترى الحركة اليوم متمسكة أشد التمسك بوجهتها التشاورية والتضامنية وما تزال تحمل تطلعاتنا المشتركة إلى بناء عالم أفضل كما أنها تغتبط لكون صفوف الحركة قد تعززت أكثر والمشاركة في لقاءاتها أضحت مطلوبة مثلما يدل عليه العدد المتزايد من البلدان والمنظمات التي تحضر أعمالنا بصفة ملاحظ الفضل في هذه الصدقية الأكيدة إنما يعود في الآن نفسه إلى نبل رسالة حركتنا وسداد مواقفها ومشروعية مطالبها ذلك أن عدم الانحياز كرؤية وكمشروع وكتجمع يطمح إلى أن يكون قوة اقتراح في تدبير العلاقات الدولية ومثالا للمقاربة البناءة في البحث عن الحلول لكبريات المشاكل في عصرنا وترقيتها لذا وبحكم هذه القناعة، فإن حركتنا، التي رفضت بالأمس الخلافات الإيديولوجية ومنطق التصادم والتحالفات العسكرية تندد اليوم بالفوضى والفوارق التي تشوب النظام الدولي . إن مواقف حركة عدم الانحياز اليوم مثل الأمس يمليها بالغ الحرص على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين تأتي بباعث من الرغبة الجامحة في استجماع شروط الازدهار المشترك يعود بالخير العميم على المجموعة الدولية برمتها. ومن وجهة النظر هذه وبينما يعيش العالم أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية فإن تحذيراتها المتكررة من اختلالات النظام الاقتصادي والمالي الدولي أثبتت مرة أخرى وجاهتها. إن التحذيرات هذه تتردد في الآن نفسه بصفتها تنديدا بهذا النظام ودعوة إلى صحوة الضمائر بشأن الأخطار التي، تهددنا ومناشدة من أجل عمل جماعي بصفة دائمة البشرية من عودة أزمات تكون، في كل مرة أكثر تدميرا لا سيما بالنسبة للبلدان الفقيرة . إن المعاينة التي تفرض نفسها بالإجماع اليوم بهذا الشأن هي أن الرد على خطورة هذه الأزمة الهيكلية لايمكنه أن يكتفي بإصلاحات ظرفية، فالمطلوب الآن وقد كشفته الأزمة هذه على رؤوس الأشهاد هو تغييرات ذات بال تحمل منطقا تنمويا حقا، يتساوق مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن تجاهلها وتكون في مستوى التحديات البيئية والمناخية الكبرى كما يتعلق الأمر كذلك بقطيعة مع المقاربات الجزئية والسطحية المنتهجة لحد الآن والتي فضلا عن أنها أثبتت فشلها في الوقاية من هذه الأزمات المتكررة أصبحت لا تطابق بتاتا واقع العالم من حيث إنه، يتم اتخاذ القرار بشأنها داخل دوائر ضيقة لا تمثل بالقدر الأوفى مصالح المجموعة الدولية برمتها لا يمكن أن يستمر تهميش بلداننا وإقصاؤها من دوائر اتخاذ القرارات التي تتحكم في السياسة الاقتصادية العالمية. ففي، ظرف عالمي تطبعه العولمة أضحت بالفعل مشاركة بلداننا في مسار التفكير في العلاقات الاقتصادية الدولية وإعادة صياغتها حقا بل مطلبا يفرضه المنطق السليم. إن المشاركة هذه تمليها ضرورة التسيير الشفاف والمسؤول والفعال والمتضامن لعلاقات التبعية المتبادلة بما يتيح فضلا عن اقتسام الأضرار الاقتصادية استفادة الجميع من منافع النمو والازدهار وهذا يعني أن الرهان الذي لابد لنا من أن نكسبه على الإطلاق رهان مزدوج يتمثل أولا في وضع حد للفوضى الاقتصادية العالمية وللانكماش اللذين يثبطان طموحاتنا الفردية والجماعية إلى التنمية والرقي وثانيا في العمل بالتشاور وبكل عزم من أجل أن تكون العولمة في خدمة الجميع بما يتيح للدول النامية الاستفادة من المد المذهل لتدفق المبادلات والاستثمارات الذي نجحت في دفعه. فمثل هذه الخيارات قد تكون لها نتائج مفيدة على المدى القصير والمتوسط والطويل بالنسبة لكافة البلدان إذ أنها تتفادى بفضلها مختلف مظاهر التشنج والمزايدة والنزاعات الحمائية التي تضر بسعينا المشترك إلى بناء عالم عادل ومزدهر ومتضامن. وإلى أن يحين وقت بعث هذه الدينامكية التي يكمن فيها الخلاص فإنه لا مناص من الإقرار بأنه إذا كانت الأزمة الاقتصادية الحالية شديدة الوقع على الجميع فإنها فادحة الإضرار بالبلدان الفقيرة. إن الأزمة هذه قد تصبح مأساوية أكثر إن هي اتخذت ذريعة من قبل شركائنا من بلدان الشمال كي يخفضوا من التزاماتهم في مجال المساعدات الموجهة للتنمية برسم إنجاز الأهداف الإنمائية للألفية أو تبريرا لانحسار الجهود في مجال حفظ السلام بصفة عامة ومسارات تثبيت الاستقرار وإعادة الاعمار في مرحلة ما بعد النزاعات بإفريقيا على وجه الخصوص. وإزاء هذا الانشغال الذي هو انشغالنا جميعا فإن العناية التي أبدتها قمة مجموعة الثمانية المنعقدة بلاكويلا مؤخرا بإعادة تأكيدها صلاحية تعهداتها إزاء العالم النامي بصفة عامة وإفريقيا بوجه أخص تشكل تطورا يبعث على الارتياح لا بد من الإشارة إليه. إن القيود المالية التي كان يتحجج بها حتى قبل هذه الأزمة يمكنها هي كذلك أن تؤثر سلبا على التعاون المتفق بشأنه بين منظمة الأممالمتحدة والمنظمات الجهوية والاتحاد الإفريقي تحديدا في مجالي تعزيز القدرات وبناء شراكات من أجل التنمية. هذا ويمكن لهذه الأزمة أخيرا أن تعطل مسار حوار الثقافات والحضارات لذي تعلق عليه آمال مشروعة والذي تم بذل جهود جبارة من أجله خلال السنوات الأخيرة . إنه بالفعل من الأهمية بمكان أن تواصل النوايا الطيبة التي حملت هذا المشروع معركتها الحاسمة من أجل الإنسانية تحدوها في ذلك اليقظة من أجل منع معتنقي ودعاة التصادم من الاستمرار في زرع الشك في النفوس بشأن قيم التآخي الإنساني وترويج الدعوة إلى الكراهية والتفرقة والإقصاء. فخامة الرئيس إن تركيز الاهتمام على الأزمة الراهنة وإن كان لا غنى عنه ولا محيد لا ينبغي أن يحيد بنا عن الأهداف الأخرى التي حملتها حركتنا على الدوام إنني أعني بذلك على وجه الخصوص معركتنا من أجل إعادة صياغة نظام الأمن الجماعي الذي سيكرس قانونيا وعمليا طموح الشعوب كافة إلى العيش في السلم والأمان إعادة صياغة تقوم على عدم قابلية الأمن الدولي للتجزئة وتلم بالخطر بكافة أشكاله وأبعاده. ومن البديهي ان إقامة مثل هذا النظام تبقى مرهونة بإحلال نظام دولي جديد يحمله مقتضى بناء حكامة عالمية تحركها القناعة المشتركة بأن الدول والشعوب أصبحت تربطها أكثر من أي وقت مضى وحدة المصير والمآل . إن النظام الدولي الجديد الذي نطالب به هو ذلك الذي يقوم على الاحترام الصارم للالتزامات التي تقع على كل منا بموجب ميثاق منظمة الأممالمتحدة وبالخصوص التزامنا العيش في سلام وأمن مع بعضنا البعض في ظل التسامح وحسن الجوار وبتشجيع التقدم الاجتماعي وبتوفير ظروف معيشة يطبعها العدل والإنصاف والحرية وبإيجاد الشروط المناسبة لاسترجاع التوازنات الطبيعية التي تحفظ كوكبنا من الكوارث البيئية والتغيرات المناخية. نظام دولي يكون في خدمة تعددية متفتحة وشفافة ويتمحور حول مبادئ ميثاق منظمة الأممالمتحدة من أجل تجنيب المجموعة الدولية الانزلاقات الخطيرة التي شهدتها في فترات مختلفة من تاريخها والتي دفعت بسببها وما زالت تدفع، ثمنا باهظا في الأرواح البشرية والخسائر المادية. إن المسعى المتعدد الأطراف المدعوم بإرادة سياسية والمنبثق من روح التضامن القائمة على اقتسام عادل للتضحيات وللجهود هو وحده القادر فعلا على تحقيق توافقات يستفيد منها الجميع وعلى ربح رهانات حاسمة بالنسبة للبشرية على غرار الاحترار المناخي ونزع السلاح والحد من انتشار الأسلحة النووية ومحاربة آفة الإرهاب. ويروقني في هذا السياق أن أشكر جميع الذين ساندوا اقتراح الرئاسة الجزائرية في ندوة نزع السلاح الذي من شأنه أن يسمح أخيرا لهذا المنتدى بأداء الدور المنوط به في مجال السلم والأمن الدولي إنني أعني كذلك معركة الحركة من أجل إقامة نظام دولي أساسه الحق والعدل والتي لا يمكن أن ترضى بالمصير غير الإنساني وغير المقبول المفروض على الشعب الفلسطيني. وأود بهذا الصدد أن أشيد بالدعم الثابت الذي أسندته حركة عدم الانحياز للشعب الفلسطيني في سبيل استرجاع حقوقه الوطنية الثابتة ويكتسب هذا التأييد اليوم طابعا حاسما في وقت تجتاز فيه القضية الفلسطينية أصعب فترة من تاريخها وبدأ العالم يعي أخيرا أنه لا سبيل إلى تحقيق أي تقدم في مسار السلام بالشرق الأوسط دون ضغوط مشددة يتم القيام بها بالقدر الأوفى على إسرائيل لحمل زعمائها على وضع حد نهائي لسياسة الاعتداءات التي تنتهجها والتوقف نهائيا عن سياستها الاستيطانية واحترام الاتفاقات المبرمة من أجل عودة السلام إلى المنطقة عودة دائمة والرغبة في الحرية والعدل هذه هي عينها التي يقوم عليها رفض حركتنا لأوضاع الهيمنة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي ودعمها الثابت لحق الشعوب في التصرف بحرية في مصيرها. إن الجزائر تثمن أيما تثمين الموقف الثابت لحركة عدم الانحياز الداعم لتسوية عادلة ودائمة للنزاع في الصحراء الغربية تسوية تمهد السبيل أمام ممارسة شعب هذا الإقليم حقه المشروع في تقرير مصيره وفيما يخصها تحرص الجزائر الوفية لهذا المبدأ الثابت على تجديد الإعراب مرة أخرى عن استعدادها لمواصلة تعاونها الكامل مع منظمة الأممالمتحدة من أجل مساعدة طرفي النزاع أي المملكة المغربية وجبهة بوليساريو على التوصل إلى حل سياسي يرضي الطرفين على أساس لوائح مجلس الأمن وفي ظل احترام حق شعب الصحراء الغربية في التصرف في مصيره بكل حرية. وبهذا الصدد تبقى بلادي ملتزمة بتقديم كل الدعم الضروري للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة ولمبعوثه الخاص من أجل الاضطلاع التام بالمهمة التي أوكلت لهما بموجب اللائحة 1754 الصادرة عن مجلس الأمن. إنني أعني أخيرا إصلاح منظمة الأممالمتحدة الذي لا يمكن فصله عن إحلال الديمقراطية في العلاقات الدولية وترقية نظام متعدد الأطراف منصف وموثوق. إن الإصلاح هذا لن يكون بداهة لا كاملا ولا مرضيا دون توسيع مجلس الأمن توسيعا يجعله أكثر تمثيلا ودون مراجعة جوهرية لمناهج عمله باتجاه جعله أكثر شفافية وأكثر فعالية. إن إصلاح مجلس الأمن ضروري وهام في الآن نفسه لأنه يتبوأ موقعا مركزيا في نظام الأمن الجماعي الذي أسسه ميثاق منظمة الأممالمتحدة وهذا من أجل تمكينه من التصرف بأكبر قدر من الفعالية والإنصاف في صالح السلم والأمن الدوليين وهذا ما هو ويا للأسف مستبعد اليوم بدليل التوتر الدائم في الشرق الأوسط وغياب الأمن في جوار السواحل الصومالية والتماطلات والمراوغات التي تزيد أزمة دارفور تعقيدا والصعوبات التي تقف في وجه تطبيع الوضع في أفغانستان والطابع غير المسبوق للوضع الذي تشهده كوسوفو. إلى جانب المثل التي تصنع هوية حركتنا والمواقف المبدئية التي هي علة وجودها فإنه من المهم أن تعيد القمة الحالية تأكيد وبقوة الالتزامات السياسية للبلدان غير المنحازة لصالح التكفل التضامني والملائم والملموس بالتحديات التي نواجهها اليوم فرادى وجماعات ومثل هذا الحل الذي يفرض نفسه في مواجهة التحديات المتعددة والمعقدة يزيد أكثر من أي وقت مضى من ضرورة إعادة تنشيط أطر نشاطنا وتضامننا القائمة بعد وينطبق هذا على وجه الخصوص على التعاون جنوب جنوب الذي لم تتم إلى غاية اليوم الاستفادة بالقدر الأوفى من وعوده وإمكاناته كما ينطبق على التشاور والتنسيق مع مجموعة ال77 التي أثبتت كامل فعاليتها في التكفل بانشغالات البلدان النامية وفي الدفاع عن مصالحها ومثل هذا المسعى لا غنى عنه كذلك لرفع التحدي المزدوج للتنمية والرفاه من خلال تعبئة الموارد اللازمة لمحاربة الأوبئة والأمراض المستشرية في العالم خاصة في البلدان النامية. فخامة الرئيس في هذه الأوقات الجلية الصعوبة حيث ما يزال الارتياب وخيبة الأمل يقفان حائلا دون مثل السلم والتنمية تعين على حركة عدم الانحياز أن تكون في الطليعة من أجل ترقية نظام دولي جديد تحمله تعددية تجديدية تعددية قوامها تفتح كل طرف على الآخر والتفاهم والتضامن الفعال تعددية تسعى إلى التقريب بين الحضارات والثقافات والشعوب في كنف الاحترام المتبادل والتسامح تعددية قوامها العالمية والنزعة الإنسانية والأريحية والازدهار المتقاسم فخامة الرئيس لقد سجلت حركتنا في السنوات الأخيرة تطورا لافتا يعزز إرساءها على أسس جديدة ويزيد من رص صفوفها تطورا تبينه في الآن نفسه إعادة تفعيل مساعينا المشتركة ونشاطاتنا الجماعية في المنابر الدولية وما يطمئننا هو أن قيادة هذه المهمة تؤول اليوم لأخي الرئيس مبارك الذي لا شك في انه سيوفق بما عهدناه فيه من حزم وحكمة وتبصر وبذل ما يلزم من الجهود لتمكيننا من أن نجسد متضامنين الآمال التي نعلقها على حركتنا. دعوني بنبرة الأمل المعللة والمشروعة هذه، أؤكد لكم أن الجزائر التي تعتبر عدم الانحياز عنصرا مؤسسا لسياستها الخارجية تعتزم الاضطلاع على أتم وجه بالدور المنوط بها وبما يؤول لها من المسؤولية من أجل رفع التحديات الجسام التي نواجهها. أشكركم على كرم الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته".