يحل اليوم جون بيار رافران، الوزير الأول السابق الفرنسي بالجزائر في زيارة رسمية »جد مميزة«، بعد أن تم تعيينه من طرف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بهدف تسهيل وتنسيق مشاريع الاستثمار بين البلدين، في إطار حوار بنّاء ومجدي. وتأتي هذه الزيارة وفق ما يراه المتتبعون، في إطار مساعي باريس لإذابة الجليد الذي عرفته العلاقات الثنائية بسبب التراكمات السياسية والتاريخ الثقيل..فهل ينجح مبعوث ساركوزي في مهمته؟. بالرغم من التوترات السياسية التي عرفتها العلاقات الجزائرية الفرنسية في الآونة الأخيرة بفعل التراكمات التاريخية التي تعود إلى الماضي الاستعماري للدولة الفرنسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتجريم الاستعمار، وعدم السعي نحو تبييض هذا الماضي الاستعماري على غرار ما قامت به بعض الدول تجاه مستعمراتها القديمة، إلا أن العلاقة بين الجزائروفرنسا تبقى مميزة، في الوقت الذي ترى باريس في الجزائر شريكا مفضلا، خاصة في المجال الاقتصادي. ويجمع المحللون أن إرادة البلدين في تطوير العلاقات الاقتصادية نابعة من مبدأ تجاوز كل أنواع الخلافات والتوترات، من أجل الرقي بالتعاون الاقتصادي في شتى المجالات، وفي هذا السياق تقرّر تعيين جون بيار رافران من الطرف الفرنسي ومحمد بن مرادي وزير الصناعة والمؤسسة الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار من الطرف الجزائري في مهمة ترتكز أساسا على تسهيل وتنسيق مشاريع الاستثمار بين البلدين. واستنادا لتصريحات سابقة للسفير الفرنسي بالجزائر، كزافييه ديريانكور، فإن فرنسا تعد أول ممون للجزائر، وتستحوذ على 17 بالمائة من السوق الجزائرية، ومن حيث الاستثمارات تعد أول مستثمر خارج المحروقات لأن المجموعات البريطانية والأمريكية تستثمر في قطاع المحروقات، أما فيما يتعلق بباقي القطاعات، فنجد على سبيل المثال مصنع »ميشلان« لصناعة العجلات بالقبة الذي يعتبر أول مصدّر جزائري خارج المحروقات، ويقوم بتصدير نسبة 40 بالمائة من إنتاجه، ليصبح أول مصدّر بعد سوناطراك. وهناك مجالات أخرى تستثمر فيها الشركات الفرنسية، مثل الصناعات الغذائية والبنوك، مع العلم أن حضور هذه المؤسسات يقاس بحصتها في السوق الجزائرية وعدد مناصب العمل التي توفرها، كما أن الشركات الفرنسية ساهمت في خلق 35 ألف منصب عمل مباشر للجزائريين، وحوالي 100 ألف منصب عمل غير مباشر، فميشلان مثلاً توظف 800 عامل، وسوسيتي جينرال 1500 عامل، وسانوفي أفانتيس 600 عامل. وعن زيارة رافران للجزائر، أكد السفير الفرنسي، أن الهدف منها هو تسهيل وتنسيق مشاريع الاستثمار بين البلدين، ومن ثمّة سيكون هناك حوار بنّاء ومجد، خاصّةً وأنّ بن مرادي ورافران يُعدّان من الشخصيات الهامة في الجزائروفرنسا. وفي هذا السياق، قال السفير الفرنسي بالجزائر، في الحوار الذي خص به »صوت الأحرار«، إن الرئيس ساركوزي عيّن رجلا مهما وليس موظفا بسيطا، حيث كان هذا الأخير يشغل منصب وزير أول وكان كذلك رجل أعمال قبل خوض غمار السياسة. من جهته جان بيار رافران صرّح حول مهمّته القادمة إلى الجزائر قائلاً: »إنّ فرنسا تحتلّ مواقع مهمة بالجزائر والمؤسسات الفرنسية ترغب في الاستثمار فيها أكثر فأكثر، ويجب الأخذ بعين الاعتبار الإرادة الجزائرية في تعزيز هذا المسعى المتمثّل في تطوير اقتصادها الوطني والعمل على ترقية اقتصاد ما بعد البترول«. وأضاف »أنا مكلف بتنسيق مختلف هذه المشاريع ومساعدة المؤسسات الفرنسية في هذا الشأن بهدف خلق جسور بين البلدين«. وعليه، فإن جون بيار رافران سيعمل على تطوير الشراكة الجزائر الفرنسية في المجال الاقتصادي، في الوقت الذي تبدي فيه المؤسسات الاقتصادية الفرنسية اهتماما خاصا بالسوق الجزائرية، الأمر الذي يحتم على الطرفين تعميق الشراكة الاقتصادية الثنائية وتوسيعها إلى مجالات وميادين أخرى خارج المحروقات. وبلغة الأرقام، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين يكون قد تجاوز عشرة مليار أورو سنويا، بنسبة نمو في حدود 70 بالمائة.