عندما تحصل تفجيرات في مواقع حساسة داخل مدن فرنساوبلجيكا وأميركا وروسيا وإسبانيا وبريطانيا، إضافة إلى تونسولبنان ومصر والسعودية والكويت وتركيا وليبيا والعراق وباكستان ومالي وكوت دفوار ونيجيريا وسواها، فهذا ليس فقط إرهاباً بل جرائم قتل منظّم تنتقل عبر الحدود الدولية وتستهدف الإنسان وتهدد القيم الإنسانية. الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية المسلحة يضرب في كل مكان بشكل تصاعدي وفي ساحات قتل جماعي ،تزيده التحذيرات الأخيرة للامين العام للأمم المتحدة بن كيمون، بجينف، تخوفا من الآتي عبر الخطورة المتزايدة لإمكانية حصول الجماعات الإرهابية المتطرفة لمواد كيماوية وبيولوجية ونووية وإشعاعية لاستخدامها. غطاء الإرهاب.. وأثبتت عديد الوقائع أن عمليات إرهابية إجرامية هي وليدة مشاريع أمنت الغطاء السياسي للإرهاب من قبل ، وكذلك نتاج الفكر والدعم المالي لأطراف شكلت عبر تصرفات معينة قواعد خلفية له ، والآن تحصد أثار مازرعته بشكل مباشر أو غير مباشر في نمو الحركات الإرهابية التي تكرر اليوم ما جرى في أفغانستان ، وتعمم إرهابها ضد العالم كله وضد شعوبه في ظل تباين المفاهيم واستغلال الخلط المقصود في بث الفوضى ، مع أن الإرهاب "الداعشي ولواحقه" الذي يطال سورياوالعراق ومواطنين في مواقع أخرى بالشرق الأوسط وخارجه، مطلوب مواجهته بحل سياسي مسنود إلى قرارات تطبق بعدل وحسم ، ومنصفة عند الإقرار أن ظاهرة التطرف العنيف التي تؤدي إلى الإرهاب ليست متأصلة أو تقتصر على دين أو منطقة أو جنسية أو عرق. وإن بدت المعركة ضد تنظيم "داعش" مثل حملة عالمية إلا أن المسألة ما زالت صعبة وفي بداياتها، مع الكثير من المشاركين وقلة التنسيق بتباين بعض الأهداف والمصالح ، فالمعركة ليست مجرد تصريحات وعناوين عامة تتباين حدتها بحجم موقع حدوث الجريمة والجنس المستهدف وتخفت بل تكاد تختفي عند جنس أخر وبتحيز مفضوح ، مع أن العدو هو واحد مهما تبدلت أساليبه، وأرواح البشرية واحدة وإن كانت الغالبية العظمى من الضحايا في جميع أنحاء العالم هم من المسلمين، و بالرغم أيضا من زعم جميع المشاركين في التحالف الدولي، خاصة الكبار، تأكيدهم داخل الهيئات الأممية من أن الذين يمارسون العنف يشكلون تهديدا مباشرا لميثاق الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما يقوضون الجهود الجماعية للحفاظ على السلام والأمن وتعزيز التنمية المستدامة وتعزيز احترام حقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها. ناتانياهو بين هولاند وأوباما الملاحظ بعد تفجيرات بلجيكا ومواقع أخرى أن الامر نفسه يتكرر مع الذي حصل مع الرئيس "فرنسوا هولند" الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب الفشل الإستخباري الذي ساهم في نجاح التفجيرات في قلب باريس ، وقتها كان "اوباما" قد صرح أن الصراع الدولي ضد "داعش" نجح في احتواء هذا التنظيم ، لكن وقائع الميدان أثبتت عكس ذلك، وإدارته تستمر في البحث عن حروب رخيصة تسمح بإلحاق الضرر بداعش من بعيد، من الجو، دون ضحايا من الجنود الأمريكيين تاركة المهمة الأرضية للآخرين على حساب الفوضى والانقسامات ، وهو ما يشير إليه الوزير الأول الفرنسي "فالس" في تصريح لصحيفة "الوطن" الجزائرية من أن الضربات الجوية في العراق و سوريا ضد معاقل الجماعة الإرهابية "داعش" سمحت بتراجع "العدو" ، لكن دون القضاء عليه، مشيرا أن هذا التدخل العسكري يجب أن ترافقه حلول سياسية على المدى الطويل، لكن بأي كلفة؟، وعلى حساب من؟. والحقيقة أن الاستجابات الأمنية والعسكرية وحدها لا يمكنها هزيمة آفة الإرهاب بل قد تأتي بنتائج عكسية عندما تتجاهل سيادة القانون ، وبما يجعل السياسات تدفع الفئات المهمشة إلى أن تتلاعب بها أيادي المتطرفين إذا لم تعالج دوافعه من جذورها. وبالعودة إلى تساؤل "فالس" حول الحل السياسي على المدى الطويل، تعود إلى الأذهان صورة مشاركة" نتانياهو" في الصف الأول لمسيرة باريس ضد الإرهاب، ومنها التساؤل عن دور إسرائيل في هذه المعركة الدولية ضد الإرهاب والتطرف العنيف بعد تحوله إلى تهديد عابر للحدود؟. إسرائيل خلف الواجهة في مقال للخبير الاستراتيجي الإسرائيلي "عاموس هرئيل" أن إسرائيل تتصرف بحكمة ولا تحاول أن تكون في الواجهة، بل هي تكتفي بتقديم المعلومات الاستخبارية والاستشارة حول موضوع الحماية، مؤكدا تأثيرات للمعركة الدائرة والتي بدأت تتسع الآن : لقد عادت وأبعدت الصراع مع الفلسطينيين عن سلم الاهتمام اليومي ، حيث أن المجتمع الدولي لا يهتم بهذا الأمر الآن، رغم ما يحصل من انتهاكات للحقوق وقتل، كما تعزز مكانة إيران لأن "داعش" عدو الايرانيين ، ولأن التركيز على "داعش" يقلل من الضغط لإسقاط نظام الأسد الذي هو حليف لإيران ..يمكن أن أهداف "داعش" الحالية قد تعني استهدافه لأهداف إسرائيلية في المستقبل على الحدود في سيناءوجنوب الجولان حيث يعمل ويسيطر"داعش" في هذه المناطق . الخطر الذي يكمن في"داعش" على إسرائيل - يتعلق كما تراه - بما يحدث عند العرب في إسرائيل حيث يتحدث جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" عن أكثر من 40 عربي إسرائيلي خرجوا إلى سوريا من اجل المحاربة إلى جانب التنظيمات المتمردة ، بعضهم تم اعتقالهم عند عودتهم وبعضهم يستعد للسفر، وما زال هذا الرقم صغيرا مقارنة مع المجندين من أوروبا خصوصا إذا أخذ في الحسبان أن الحرب تدور قرب حدودها . كما أعلن "الشاباك" عن حل اللغز حسب "عاموس" بعد أن استطاع "نضال صلاح"، من جلجولية، اجتياز الحدود في الجولان بواسطة منطاد لينضم إلى تنظيم اليرموك التابع "لداعش"، و الكشف عن هويته أدى إلى اعتقال ستة أشخاص من تلك البلدة للاشتباه بأنهم خططوا للانضمام إليها، وقد تبين في التحقيق أن رئيس الخلية، جهاد حجلة، قد حارب في سوريا مع "داعش"، وبعدها عاد إلى إسرائيل واعتقل لفترة قصيرة، وتم تشكيل خلية من بعض نشطاء أرادوا اللحاق به إلى سوريا، وأن "حجلة" أراد أيضا استخدام المظلة للهبوط من اجل تجاوز مطار بن غوريون، ومنع اعتقاله عند خروجه من البلاد ، أما باقي أعضاء الخلية فقد أرادوا السفر في الطائرة من إسرائيل إلى تركيا ومن هناك الدخول مشيا على الأقدام إلى شمال سوريا. حزب الله في حسابات متعددة المشكلة الأساسية بالنسبة للإسرائيليين ليست أن هؤلاء أرادوا الذهاب إلى سوريا، بل المسار ذي الاتجاهين بين سوريا وإسرائيل عندما تتغير الأولويات عند "داعش".. أليست هي الصورة التي كانت من قبل في أفغانستان ؟ .. هل تفعل إسرائيل ما يكفي من اجل منع خلية كهذه من العودة إلى إسرائيل وتنفيذ العمليات كما حدث في باريس و مدن عواصم غربية ؟، إسرائيل التي تقدم النصائح للفرنسيين وغيرهم في مواجهة"الارهاب الإسلامي المتطرف" ليست محصنة أمام هذا الإرهاب؟.هكذا يتساءل ذات الخبير ، مجيبا أن باريس ليست المكان الوحيد الذي هز المخاوف لدى إسرائيل ، بل أيضا تفجير طائرة الركاب الروسية في سماء سيناء والعملية الانتحارية المزدوجة في جنوببيروت حيث قتل أكثر من 40 شخصا، وقيام قوات الأمن اللبنانية بتوقيف مشبوهين يحملون الجنسيات السورية واللبنانية وبعض المتورطين من أصل فلسطيني . إسرائيل ، وفق ما جاء به خبيرها، تشتغل على "نصر الله" الذي قال إنه لم يكن له خيار سوى المشاركة في الحرب السورية لأن هذه ليست حربا على حدود سوريا بل هي حرب من اجل مستقبل الشرق الأوسط، ووضعت عينها عليه بحسب المعطيات إلى درجة ضبط الاستخبارات الإسرائيلية لعدد قتلاه من بين نشطائه في سوريا مابين 1200 و1500 منهم شباب أعمارهم 17 سنة ،وتحلل نتائجه التي تقرأها كمعطيات متداخلة حيث ترى أمام التجربة التي راكمها أن قواته تتراجع تحت الضغط وتستنزف الحرب معظم مصادر التنظيم على حساب محاربة إسرائيل التي تستغل هذا الوقت لتعزيز قدرتها الدفاعية في الشمال، حيث تمت هناك أعمال هندسية واسعة على الحدود وتُقام في هذه الأثناء سدود عائقة أمام عبور "حزب الله" في المناطق التي تقع على الخط الأزرق في الحدود الدولية بين إسرائيل ولبنان مما سيسمح بالسيطرة والرقابة أكثر على المناطق والثغرات في الحدود . وحتى لو كان حزب الله منشغلا بما اتخذ في حقه من قرارات في مجلس وزراء الداخلية العرب مؤخرا، ومدركا لما يخطط له كحركة سياسية عسكرية تشكل جزءا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والسياسي في لبنان، فهذا لا يعني إعفاء الجيش الإسرائيلي بحسب التقارير من الاستعداد لسيناريوهات بديلة في حقه ضمن معركة مدعومة يخطط لها، قد تكون مفتوحة على لغة مفاهيم جديدة يصبح فيها حق المقاومة إرهابا و الإرهاب مقاومة ، لكن هذه المرة سيستعمل فيها ما أثاره "بان كيمون" من مخاوف التطور في السلاح كون المعلن عنه غير صادر من دون حيثيات...