"يصنع المخرج والمؤلف التونسي، صالح بن يوسف فالح ، الفرجة أينما حل من خلال أعماله التي يحتفي بها بأب الفنون ، حيث سبق وان أثار إعجاب الجمهور الجزائري عند ما نزل ضيفا على تلمسان أين عرض مسرحيته "رسالة إلى أمي" ، وفي لقائنا معه ، تحدث بصراحة عن أحوال المسرح في تونس قبل وبعد ثورة 14 جانفي، إذ وجد المثقف التونسي نفسه في مخاض فكري واجتماعي حسبه ، كما يرى أن الثقافة ليست بمعزل عن التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات. ولم يخف انبهاره بتجاوب الجمهور الجزائري. كيف يعرف صالح بن يوسف فالح نفسه للقارئ؟ - صالح بن يوسف فالح خرّيج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس سنة 2001، شاركت في العديد من الأعمال المسرحية كممثل من بينها "طابا طاب"،"عند الموقد"، "مكبث" و مسرحية "الطارق" التي قمت بكتابة نصها وإخراجها" عام2005 ، بالإضافة الى مسرحية "ألبستك الزينة" نهاية 2007، كما كتبت سيناريو فيلم قصير بعنوان "ذات يوم" سنة2009، واليوم يعرفني الجمهور كمخرج مسرحي. هل كانت لكم مشاركة في التظاهرات الثقافية التي أقيمت في تونس بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة الياسمين؟ "الماكرون" هو عنوان المسرحية، التي قدمتها بالمناسبة من تأليفي و إخراجي وإنتاج شركة "بيفالو آرت". ويتقمص ادوار بطولتها كل من ايناس الشعانبي ومريم قبودي وشكيب الرمضاني وقيس عويديدي ووليد عبد السلام. ويسلط هذا العمل الضوء على معاناة المسرحي في تونس من خلال حكاية فنان مبدع مؤمن بقيمة ما يقدمه لجمهوره، يعيش صراعا مع مرتزقة الفن والثقافة. مسرحية "رسالة إلى أمي" كان اخر عرض قدمته بالجزائر؟ نعم، حيث كانت زيارتي إلى الجزائر رفقة طاقم مسرحية "رسالة إلى أمي" التي قدمناها بتلمسان وعلى مدار ساعة ونصف من الزمن تترجم المسرحيةعمق المجتمع التونسي الذي اختزلته في النادي الذي أسسه صحفي، لاستقطاب أصدقائه للترويح عن مشاكلهم اليومية، قام بتجسيد دور الأصدقاء الخمس كلا من ماهر العواشري - نوفل البحري - محمد شعبان - عايدة بالسمرة - نورهان بوزيان. أين تصنف المسرحية؟ هذا العمل الذي ينتمي إلى مسرح البجيل الحر ،هو نوع من الكتابة الجديدة بين الواقعي الرمزي بلمسة كوميدية تترجم التفاعل المشترك ضمن علاقة حميمة تخلقها شخصياته لتقضي على كل تباعد بينه وبين المجتمع، فهو لا يتجاهل مشاغل المجموعة، بل يشارك في مناقشة الهموم الحياتية. رغم أنها كتبت قبل ثورة الياسمين لكن تحمل طرح جريء؟ المسرحية صحيح انها كتبت قبل 14 جانفي 2011 و تقريبا من شاهدها لم يصدق أنها كتبت قبل هذا التاريخ ، كأنها حالة تنبئيه لكرونولوجيا الأحداث التي عرفتها تونس ، انطلاق من سرد مظاهر الحياة اليومية للمواطن التونسي البسيط بمختلف توجهاته، من شخص يحلم بالسلطة وشخص أخر بالمال، وشخصية امرأة تحلم بالزواج من رجل ثري... ديكور أي مسرحية له دلالة عن الموضوع المعالج، لكنه كان جد بسيطا في "رسالة إلى أمي"، لماذا؟ هو ديكور حر، يعبر عن خلفية موضوع المسرحية، ويتضمن الديكور جداريه تحمل ألوان الحزن والتشاؤم، للتعبر عن مناخ الموضوع ... ماذا عن تجاوب الجمهور الجزائري؟ كنت متخوف من اللغة و اللهجة التونسية، لكن فرحت كثيرا عند تجاوب الجمهور مع العرض بالتصفيق. لا اخف عليكم أنني سبق وان وقفت أمام الجمهور الجزائري في مهرجان المسرح بمستغانم ، فهو يرحل مع المسرحية ويتجاوب بصفة مذهلة مع العرض. أتمنى أن التقي مع عشاق أب الفنون بالجزائر مجددا. برأيك، كيف سيستفيد المجال الثقافي من ثورة الياسمين؟ ثورة 14 جانفي، هي مأزق حقيقي بالنسبة للمثقف التونسي عموما و المسرحي على وجه الخصوص، لأنه من قبل كان يبحث عن الطريقة التي ينفلت بها بكتابته وسط الرقابة الأدبية والقمع الذي كان يعاني منه، ليجد نفسه في مخاض فكري واجتماعي، يجب أن نجد اللغة التي تعبر عن المتلقي، لأن المسرح دائما حي، فكيف يمكنه أن يختزل متطلبات المشاهد. فالمسرحية التي عرضناها خلال الأسبوع الثقافي بتلمسان "رسالة إلى أمي" رغم أننا أنجزناها عام قبل، إلا أنها كانت تحمل تنبئا بالتطورات التي حدثت في تونس مؤخرا على جميع الأصعدة ، فالثقافة ليست بمعزل عن التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات. هل يكفي الانزياح أو التمرد على كل أفق الكتابة النصية الكلاسيكية لامتلاك القدرة على التحديث؟ يجب من المثقف كيفما كانت مجالاته أن يملك إمكانيات الفهم العميق لكينونة العالم ، المسرح الحر أو البجيل موقف إنساني جمالي منطلق من الفهم العميق لكينونة العالم, وليس مجرد التصريح من الكاتب أو المسرحي أنه كتب أو سيكتب نصا حرا أو تجريبيا هذا يعني انه ولج هذا العالم أو حاول التمرد على سلطته السياسة والدينية والمؤسساتية رافعا شعار التحديث . ما الذي يغريك في تجربة الإخراج؟ أعمل على أن أكون مخرجا مبدعا، فأي نص أختاره، أخضعه لقراءة متأنية. وما قد يشدني ويثير فضولي كمخرج هو النص الذي فيه نوع من التحدي، النص الصعب، لأنه بقدر ما يكون صعبا يعطيني حيزا أكبر للإبداع. هل تفكر في مشروع جديد؟ مأزق كبير للمبدع التونسي أن يفكر في مشروع جديد خلال هذه الفترة، كما هو بالنسبة لي رهان حقيقي، فبعد القيد والرقابة الأدبية والفنية، من الصعب الولوج في مختلف العوالم الإبداعية في الوقت الراهن، لكن هذا لا يمنع من أن يكون هناك فكر مغاير للسابق في شتى المجالات على غرار الأدب والإبداع.