ظل المسرح الجزائري لوقت طويل ينتج ويستلهم من الإقتباس، وفي مرات كثيرة الإقتباس من الإقتباس، دون أن يهتم بالأدب الجزائري أو يأخد منه ما يليق بخشبته وجمهوره وعوالمه، وحتى دون أن يستثمر في النصوص التي كتبها أدباء وكُتاب خصيصا له، وعليه ظلت العلاقة بينهما باهتة وغير مثمرة إلا في ما ندر. السؤال الذي يتكرر في هذه المسألة بعد عمر من المسرح والمسرحيات والكتابة، كيف هي الآن العلاقة بين المسرح والنص الجزائري، ولماذا المسرح الجزائري ظل مرتبطا بالاقتباس والترجمة أكثر، إلى درجة تجعله يلغي النص/والأدب الجزائري من أجندة أعماله ومشاريعه المسرحية؟. أين يكمن الخلل، ولماذا هذه القطيعة بين المسرح والأدب؟ كُتاب وأدباء وبعض المشتغلين في حقل المسرح، يتحدثون في ملف "كراس الثقافة" لهذا العدد، عن علاقة المسرح بالأدب واستثماره في الاقتباس والترجمات على حساب النص الجزائري. ظل المسرح الجزائري لوقت طويل ينتج ويستلهم من الإقتباس، وفي مرات كثيرة الإقتباس من الإقتباس، دون أن يهتم بالأدب الجزائري أو يأخد منه ما يليق بخشبته وجمهوره وعوالمه، وحتى دون أن يستثمر في النصوص التي كتبها أدباء وكُتاب خصيصا له، وعليه ظلت العلاقة بينهما باهتة وغير مثمرة إلا في ما ندر. السؤال الذي يتكرر في هذه المسألة بعد عمر من المسرح والمسرحيات والكتابة، كيف هي الآن العلاقة بين المسرح والنص الجزائري، ولماذا المسرح الجزائري ظل مرتبطا بالاقتباس والترجمة أكثر، إلى درجة تجعله يلغي النص/والأدب الجزائري من أجندة أعماله ومشاريعه المسرحية؟. أين يكمن الخلل، ولماذا هذه القطيعة بين المسرح والأدب؟ كُتاب وأدباء وبعض المشتغلين في حقل المسرح، يتحدثون في ملف "كراس الثقافة" لهذا العدد، عن علاقة المسرح بالأدب واستثماره في الاقتباس والترجمات على حساب النص الجزائري. إستطلاع/ نوّارة لحرش عبد الرزاق بوكبة/ كاتب روائي وناشط ثقافي أزمة كتّاب لا أزمة نص سوف أنطلق من تجربتي الخاصة في مقاربة سؤال المسرح والأدب، بعيدا عن التنظير، والاستناد إلى النظريات، على أهميتها في سياقها، لأنه آن الأوان لنا -نحن الجزائريين لأن نرقى بتنظيراتنا، خاصة الجاد منها، لأن هناك تنظيرات ليست كذلك، إلى الممارسة الميدانية، فالحاصل أننا بتنا نتوفر على مشهد يتراكم فيه الفكر بمعزل عن الميدان، وهذا أسس لكثير من الأوهام، وساحة ثقافية تتحرك بلا تفكير، مما أسس لكثير من الارتجال والشعبوية. لم أسمع منذ انخرطت في النشاط داخل المسرح الجزائري قبل سبع سنوات عبارة أكثر تداولا في المداخلات المكتوبة والمسموعة، للفاعلين المسرحيين، والإعلام الثقافي الذي بات يكرر المقولات بلا هضم، من عبارة "أزمة النص في المسرح"، ولا أنكر أنني كنت أصدقها في البداية، لقلة معرفتي بالواقع المسرحي يومها، ولكثرة ترديدها على أفواه الكبار والصغار، الجدد والقدامى في المشهد المسرحي، إذ لا يمكن تكذيب مشهد كامل، من طرف حديثِ عهدٍ به، لكنني اكتشفت بعد الاحتكاك والتوغل الكافيين كونها مجرد مشجب يعلق عليه الجميع إما فشلهم وجهلهم، وإما سعيهم لاحتكار السوق باسم الاقتباس، وإما رغبتهم في التعتيم على المواهب الحقيقية. لقد كتبت مرة في نشرية المهرجان الوطني للمسرح المحترف، حقائق توقعتُ أنها ستثير كثيرا من النقاش، لكن الجميع تواطأ على جعلها تمر مرور اللئام، لتستمر مقولة "أزمة النص المسرحي" في فعل فعلها، قصد تحقيق إحدى الغايات المذكورة أعلاه، ومن بين هذه الحقائق أنني أشرف على فضاء "صدى الأقلام" بالمسرح الوطني الجزائري منذ 2005، وقد استضفت ما لا يقل عن 300 كاتب مسرحي وروائي وشاعر وقاص ومترجم، ولم يحدث يوما، ولا يوم، أن طلب مني مدير لمسرح جهوي، أو تعاونية مسرحية، أو مخرج مسرحي نصا من النصوص التي باتت تتوفر عليها خزانة الفضاء. علما أن كثيرا من النصوص التي قدمها الفضاء، بمجرد كتابتها افتكت جوائز مهمة في الداخل والخارج. وكنت ولا زلت ألاحظ أسبوعيا، أن كثيرا من المسرحيين الجزائريين، يخوضون في نقاشات غير حادة في مقهى "الطونطفيل" عن أزمة النص المسرحي، في نفس الوقت الذي يقدم فيه "صدى الأقلام" كاتبا يملك مشروعا جيدا وجاد في هذا الإطار، ولا يكلفون أنفسهم مجرد ترك المقهى والصعود إلى قاعة النشاط، إن لم يكن للنقاش فللاستماع والاكتشاف. في المقابل: استضاف الفضاء عشرات الشعراء والروائيين، وعرض عليهم الخوض في الكتابة للمسرح، مع ضمان الفرصة لتحويل ما يكتبون للخشبة، خاصة في مرحلة الفقيد امحمد بن قطاف، لكن الذين استجابوا لهذا المسعى لا يغطون أصابع اليد الواحدة، بل إنهم لا يأتون لمشاهدة العروض المختلفة في المسرح الوطني، رغم برمجتها مجانا في أوقات مريحة، ورغم أنهم يقيمون في الجزائر العاصمة. هؤلاء الأدباء أنفسهم يباشرون أحاديث لا تنتهي عن انغلاق المسرحيين على أنفسهم، واحتكارهم للكتابة المسرحية. اسماعيل يبرير/ روائي المسرحيون الجزائريون لديهم حساسية من كُتاب المسرح ومنهم من يهرب دائما إلى الاقتباس الركح يحتاج إلى نص مسرحي، قاعدة عالمية لا يختلف فيها اثنان، حتى المسرح الارتجالي يتأسس على ما تراكمه الذاكرة الركحية من انتاجات متتالية لتقديم ارتجال مسرحي، أي أنه كتابة على المحو، لكن علاقة الركح والنص المسرحي في الجزائر محكومة بأمرين غريبين، أولهما أن المسرحين الجزائريين لديهم حساسية مفرطة من كُتاب المسرح، ويعتقدون أنهم أقل شأنا من أن يفهموا شؤون المسرح، رغم أن الكثير منهم لا يقدمون رؤى إخراجية للنصوص ولكن ترجمة لتعليماتها، بل إنك أحيانا تقرأ النص فتجده أهم من إخراجه، والأمر الثاني أن الكثير ممن كتبوا للمسرح لم يوفقوا في فهم حالات المسرح إلا بوصفهم يملكون سوابق في مشاهدة بعض المسرحيات، ولأجل هذين السببين هنالك علاقة مضطربة ومبنية على مبررات غير فنية بين الطرفين اللذين ينتميان إلى عالم واحد. أما بخصوص الاقتباس، فأعتقد أن بعض المخرجين البسطاء يريدون أن يستحوذوا على النجومية من جهة وعلى ريع المسرح من جهة أخرى، فماذا يعني أن يكرّر المخرجون "مكبث وعطيل ومسرح ونوس"، بل ومنهم من أعاد انتاج مسرحياته بلا رؤى متجدّدة وبمقابل ودعم رسمي؟ أتصوّر أن المسرح العالمي استنفد وتمّ اجتراره وليس على المخرجين أن يعيدوا المغنية الصلعاء فهي تمثل يوميا منذ ألفها يونيسكو، أما النصوص التي تشبههم فهي مؤجلة لأنها تشبههم وهم مستاؤون من وجوههم. إن فهم المسرح يقتضي أن نفهم الأدب والفلسفة والجمال، يقتضي أن ندرك علم الاجتماع والسياسة، وهذه صفات لا تتوفر كثيرا في عالم المسرح الجزائري، لقد تجرّأ الكثيرون على المسرح تماما كما يتجرّأ الناس في بلادي على كلّ شيء بوقاحة، لأن المراجع غائبة، لو أن "كاكي" و"علولة" و"مجوبي" و"مصطفى كاتب" أو أمثالهم هنا لظلّ أغلب المخرجين مشاهدون بسطاء بالكاد يفهمون الرسائل الضمنية للمسرح، لكن غياب المراجع جعل منهم نجوما، بل وجعلهم يهربون بالمسرح الجزائري، ويحولونه إلى حالة اقتباس دائمة ورديئة. الرهان اليوم ليس على مخرجي الزيف، إنه على ثلة من الشباب المهمومين بالمسرح، هؤلاء الذين يقرأون الأدب ويمارسون نضالا يوميا من أجل مسرح يشبه أفقنا ولا يشبه مساءات قديمة في أوربا، وليس أمامنا اليوم الكثير، فرغم جهود القائمين على المسرح لفتحت على العامة ظلّ المسرح حالة نخبوية أحيانا وكثيرا ما كان حالة مرضية، وهي الصفة التي يمكن اسقاطها على الأدب أيضا. أعرف الكثير من النصوص المسرحية، لديّ في درجي عددا من المسرحيات، ومنها ما توّج وما أحتفيّ به خارج الجزائر، لكن ولا أحد اتصل ليطلب نصي لا ليخرجه فقط ليقرأه، هل طبيعي أن هؤلاء مسرحيون؟ إنهم لا يتساءلون حتى عن نوع هذه النصوص التي تتوج ويُحتفى بها محمد علاوة حاجي/قاص خشبة المسرح في الجزائر لا تلتفت إلى نصوصنا الأدبية وتفضل الإقتباس من الإقتباس لعلّني لا أبالغ حين أصف العلاقة بين الركح والنص الأدبي الجزائري بالسيّئة. خشبة المسرح في الجزائر ما زالت لا تلتفت إلى النصوص الأدبية الجزائرية لتستفيد منها، إذ قليلة جدًّا هي الروايات التي تمّ تحويلها إلى مسرحيات تُعرض على الجمهور، في الوقت الذي نرى فيه توجّهًا كبيرًا إلى الاقتباس من النصوص العالمية. المشكلة لا تكمن في الاقتباس في حدّ ذاته، بل في طريقة الاقتباس، إذ كثيرا ما يتمّ من نصوص مسرحية مقتبسة أصلاً، أي الاقباس من الاقتباس. ولعلّ مردّ ذلك هو الاستسهال الذي يسلكه بعض المخرجين، في ظلّ مناخ قائم على الانتاج المناسباتي المرتبط بثقافة الريع، والذي يجعل المخرج في عجلة من أمره، كي لا تفوته المناسبة وبالتالي لا يفوته جزءٌ من الكعكة. بالتأكيد، ينعكس هذا بشكل سلبي على مضمون ومستوى الإنتاجات المسرحية المُقدّمة. خلال السنوات الثماني الأخيرة، شاهدت معظم المسرحيات التي أُنتجت في هذا الإطار أو ذاك، وصدقًا، قليلة جدًّا هي المسرحيات التي ظلّت راسخة في ذهني، بعد هذه السنوات. وهذا مدعاة للحسرة، لأن الأسماء السابقة مثل ولد عبد الرحمان كاكي وعبد القادر علولة وعز الدين مجوبي وامحمّد بن قطاف تركوا بصماتهم على المسرح الجزائري من خلال أعمال ستظل خالدة، ولا يمكن نسيانها، بينما عجزت الأسماء الحالية عن تقديم عروض تبقى في الذاكرة. إذن ثمّة قطيعة بين الخشبة والنص الأدبي لا يمكن نكرانها. ورغم أن المسرح الجزائري افتتح قبل سنوات فضاءً أدبيا لتقديم النصوص وربط علاقة مباشرة بين الكاتب والمخرج المسرحي، انطلاقا من كون المسرح أبًا للفنون والآداب، إلا أن نبل الفكرة لم تكف –في الغالب- لأن تفتح للنصوص التي قدّمت في هذا الفضاء طريقا إلى الخشبة. ورغم الحديث المتكرر عن "أزمة النص"، إلا أن نصوص مسرحية كثيرة كُتبت، والعديد منها فاز بجوائز جزائرية وعربية، لم نسمع أن ثمة من فكّر في إخراجها. هذا لا يعفي المشتغلين في حقول الكتابة الإبداعية من المسؤولية. أعتقد أن عليهم عدم البقاء حبيسين للرواية والشعر وأن يعملوا على رفد المسرح والتلفزيون والسينما أيضًا بنصوصهم. أحسن تليلاني/ كاتب وناقد مسرحي سلطة المخرج أقوى من سلطة المؤلف لم تعد هناك قطيعة -في اعتقادي– بين المسرح والنص الجزائري، بل على العكس فقد أصبحنا كثيرا ما نتحدث عن موضة مسرحة الرواية الجزائرية، وهو التقليد الذي ترسخ كثيرا بعد مجيئ الراحل امحمد بن قطاف على رأس المسرح الوطني الجزائري، حيث عمل على هدم الهوة بين المسرح الجزائري الذي ظل لسنوات سجينا في قوقعة الممارسين، وبين الأدب الجزائري الذي ظل بعيدا عن متناول المسرحيين، وهكذا رأينا عددا من الأعمال القصصية والروائية تجد طريقها لتعرض على خشبات المسارح من ذلك مثلا: قصة "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للطاهر وطار، ورواية "نجمة" لكاتب ياسين، و"عام الحبل" لمصطفى نطور، وغيرها من أعمال واسيني وبوجدرة، وهو تقليد نثمنه خاصة وأن المسرح المعاصر لم يعد يعترف بسلطة النص المسرحي المكتوب بشكل جيد، لقد انتهى زمن سلطة النص وحل محله زمن سلطة العرض، حيث أصبح بالإمكان الاقتباس الحر لأي فكرة وتقديمها على خشبة المسرح، لأن المسرح المعاصر أصبح لا يعترف سوى بالكتابة الركحية أي العرض والفرجة. والحقيقة أن هذا يحيلنا إلى طرح سؤال مركزي حول تحديد جنس فن المسرح. هل المسرح أدب أم ليس أدبا؟ ما هي حدود الأدبية واللا أدبية في فن المسرح؟ وطبيعي أن تتباين الرؤى إذا اختلفت المنطلقات. فالذين يصنفون المسرح ضمن أطروحة الأشكال والقوالب الأدبية يستندون إلى فكرة أن المسرح نص مادته الكلمة وموضوعه الإنسان. أما الذين يصنفونه ضمن أطروحة أنواع الفنون فإنهم يستندون إلى فكرة أن المسرح عرض تتداخل في تكوينه مجموعة من الوسائط من نص وممثل وسينوغرافيا وغيرها ولذلك عادة ما يكنى عن فن المسرح بكناية الفن الرابع. وكأي إشكالية فإننا نجد دائما رأيا وسطا يقول به التوفيقيون مفاده أن المسرح فن زئبقي أدبي ولا أدبي، فهو شكل أدبي إذا اعتدنا بالنص بعيدا عن الخشبة والإخراج قريبا من الكتابة والتأليف وانطلاقا من هذا يعتبر "شكسبير" مثلا أديبا ويعد نص مسرحيته: "هاملت" نصا يُقرأ على المستوى الأدبي، وكذلك الشأن بالنسبة لمسرحيات "أحمد شوقي" التاريخية التي كُتبت بلغة أدبية زادتها الأوزان والقوافي رفعةً وحلاوة. أما إذا اعتدنا بالعرض المسرحي بعيدا عن التأليف النصي الذي قد يكون جماعيا أو ارتجاليا، قريبا من ثنائية العرض والجمهور فإن ذلك يبعده عن المستوى الأدبي ويجعله فنا قائما بذاته. لقد قدم الباحثون والمخرجون مجهودات جبارة لتحديد علاقة المسرح كبنية مكانية وزمانية لإقامة العرض بالنص المسرحي كبنية نصية تستند إلى مرجعية لغوية فالمسرحي العالمي: "أنطونين آرتو" في كتابه: "المسرح وشبيههLeThéatre et son double " يرفض أن تقوم هذه العلاقة على السبب والنتيجة، ويرفض أكثر أن تكون الخشبة مصنعا لتحويل ما هو نصي أي النص المسرحي إلى بنية محاكاتية فعلية عن طريق الإخراج وبالتالي يصبح الإخراج تابعا للتأليف، بل يرى أن النص يجب أن يكون لاحقا بالممارسة الإخراجية، وهكذا فإن علاقة النص بالعرض هي علاقة الجزء بالكل. كما أن "جروتوفسكي" يتحدث عن مسرح المختبر أو ما يعرف عند النقاد باسم المسرح الفقير وهو مسرح خال من أي بنية لغوية تستند إلى الكلمة، فهو مسرح يعتمد أساسا على تفجير طاقات الممثل الجسدية في التنويع والتعبير الحركي وبعيدا عن مجمل هذه الرؤى التي حاولت تحديد ما هو أدبي وما هو غير أدبي في المسرح فإن العلاقة بين النص المسرحي والمسرح هي علاقة تشبه الزواج، وما المسرح إلا صورة متغيرة وما الكاتب المسرحي إلا ذات متغيرة. ويصف "علي عقلة عرسان" في كتابه: "سياسة في المسرح" هذه العلاقة بأنها علاقة جنسية لا يمكن أن تفرز إلا قمة النشوة وروعة الجمال. إن الكتابة المسرحية ليست صيغة أدبية يمكن أن يستمتع بها الإنسان كما يستمتع بقراءة الشعر أو الرواية ذلك لأن الأدب يكرس علاقة الإنسان بالورق فيتحقق فعل الاستمتاع من خلال فعل القراءة، أما المسرح فإنه يكرس علاقة الإنسان بالعرض فيتحقق فعل الاستمتاع من خلال فعل المشاهدة والتفرج. فالمسرح كما يعرفه "أرسطو": محاكاة لعمل. وإن هذا المفهوم ينطوي على ثلاثة عناصر هي: التمثيل والتشخيص والفعل، وهي العناصر التي تخرج النص المسرحي من سجن الكلمات وسكون الصور إلى فضاء الفعل والحركة. ورغم أن الأديب المصري "توفيق الحكيم" قد حاول في كتاباته المسرحية أن يدجن فن المسرح ويجعله شكلا أدبيا من خلال فكرة "المسرح المقروء" في أعماله المختلفة مثل: "شهرزاد" أو "أهل الكهف" أو "يا طالع الشجرة" فإن "توفيق الحكيم" لا يمكن له أن يتجاهل وبأي حال من الأحوال الفضاء المسرحي والذي بدونه لا يمكننا الحديث عن تجربة مسرحية، فالكاتب الحقيقي يجب أن يكون على دراية واسعة بكل مقومات وعناصر وأسس المسرح والعرض ونفسية الجمهور الذي يفترض أن يكون مرسلا إليه، بل وحتى بقدرات الفرق المسرحية وإمكانياتها المعنوية والمادية. لقد كان "موليير" يصور البعد الجسدي لشخصيات مسرحياته توافقا مع البعد الجسدي الحقيقي لممثلي فرقته، فكان يجعل البطل طويل القامة ومريضا بداء السل ويسعل باستمرار، وإن هذه الملامح الجسدية تتوفر في شخص "موليير" ذاته. كل هذا لأن الكاتب المسرحي يدرك أن ما يكتبه سيظل بدون معنى إن لم يتحول إلى عرض مسرحي يقوم بإخراجه مخرج يستعين بفريق من الممثلين والسينوغراف. ندرك هذا من خلال تلك النصوص الجانبية A part والتي يُضمِنها الكاتب المسرحي توجيهات وإرشادات للمخرج عن كيفية تصميم الفعل والتمثيل والتشخيص، ولذلك فإن دراسة الأعمال المسرحية بعيدا عن المسرح أمر يتعارض مع مفهوم المسرح ذاته من حيث أنه يتشكل من مجموعة من الوسائط اللغوية الدرامية من كلمة وحركة وديكور وفضاء وموسيقى وإنارة ورؤية إخراجية، فهذه الوسائط هي التي تحدد مسافة العمل المسرحي والعمل اللامسرحي لأن الإخراج المسرحي هو الذي يضع النص الدرامي ضمن سياق حركي "عرض" وبالتالي فإن الذي ينظر للمسرح على أنه شكل أدبي فإنه يشوه حقيقة المسرح وهي أنه فن تتداخل في تشكيله مجموعة من الفنون المختلفة الأدوات من رسم "أداته الخط واللون" وموسيقى "أداتها الإيقاع والصوت" وأدب "أداته اللغة" ورقص "أداته الحركات" ونقش ونحت وغيرها ولذلك عادة ما نطلق على المسرح عبارة: "أبو الفنون". ومما تقدم فأنا أعتقد أن المسرح الجزائري سيزداد اقترابا من الأدب الجزائري وذلك باقتباس الأعمال الروائية والقصصية الجيدة، في حين أن هذا المسرح سيزداد قطيعة مع النصوص المسرحية لأن زمن سلطة المؤلف المسرحي قد ولى وحل محله زمن سلطة المخرج المسرحي الذي له مطلق الحرية في اقتباس ما يراه مناسبا لتحقيق العرض الفرجوي الناجح. جمال قرمي/ كاتب ومخرج مسرحي المسرح الجزائري فضل الريبرتوار العالمي وابتعد من البداية عن الأدب الجزائري المسرح شكل من أشكال الفنون يترجم فيه الممثلون نصّاً مكتوباً إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح، هنا نفصل بين مصطلحي "المسرحية" و"المسرح" فإذا صدفنا عن الثاني فإن المصطلح الأول "المسرحية" هو مجال اهتمامنا سواء كانت شعرية أم نثرية، ثم إننا نفصل في هذه بين المسرحية المكتوبة بالفصحى وبين المسرحية المكتوبة بلهجة عامية، وينصبّ اهتمامنا على الأولى دون الثانية، وإن نضطّر في بعض المراحل التاريخية لأن نذكرها لدورها في تطور كتابة النص المسرحي، يجب أن نفرّق بين المسرحية والمسرح والنص الدرامي والشعر المسرحي والمسرح الشعري، فالمسرحية نعني بها النص المسرحي القابل لأن يُمثّل، ونعني بالمسرح النص المسرحي ممثّلاً على خشبة ومعروضاً على جمهور بتقانة المسرح وشروطه، ونعني بالنص الدرامي النص الذي ليس من الضرورة أنه قابل لأن يمثّل، لذا فإن معظم كُتاب الأدب يكتبون مسرحية معظمها لكي تُقرأ خالية من التقنيات أو الفعل الحركي لذا تجد معظم المبدعين في الحركة المسرحية يبحثون على نص حركي قابل للتجسيد أو يلجئون للاقتباس من الربرتوار العالمي. إن الاقتباس المسرحي أمر متعارف عليه عالميا وأن المشكل يبقى في الظواهر الدخيلة التي أصبحت تحكم المسرح الجزائري، وتأتي على رأسها هروب كُتاب المسرح إلى كتابة الحوارات للسينما والتلفزيون في ظل الانغلاق الذي تفرضه الجهات الوصية ومن أسبابها تأتي في مقدمتها عدم معايشة الكُتاب المسرحيين لما هو حاصل من تطور وتراكم نصي وفكري، إلى جانب غياب التكوين والاطلاع عن كثب على الأعمال المترجمة، ما يجعل عادة الكتابة المسرحية محدودة الطرح والجوانب وتفقد صلتها بالجمهور قبل أن تعرض عليه، لأنها تكون بعيدة عن التحوّلات الاجتماعية والسياسية، يضاف إلى ذلك قلة الوسائل والإمكانيات، ناهيك عن غياب الدراسات النقدية وعدم إعطاء أهمية للموجودة منها، وبالتالي الكاتب لا يجد من سبيل سوى الهجرة لمجال آخر على الأقل يضمن فيه أن ما سيؤلفه سيُخرج وسيتقاضى مقابله، عكس المسرح الذي يبقى حكرا على فئة قليلة تُحكم السيطرة عليه بالطول والعرض. ومن هنا نقول أن المسرح الجزائري في بداياته الأولى ارتبط ارتباطا عضويا بالعرض وبقي بعيدا عن رجال الأدب الذين حين جربوا الكتابة المسرحية بقيت نصوصهم مركونة في الكُتب والمجلات لأنها لم تكن صالحة للعرض، لقد كان التجريب في المسرح الجزائري نقطة انطلاق لم تُستغل بعد بطريقة صحيحة بحيث يخطو المسرح الجزائري تبعا لذلك خطوات عملاقة تُصغِر من الهوة الفاصلة بينه وبين المسرح العربي والعالمي، بعد تلك المرحلة بدأت الترجمة تجد لها طريقا إلى المسرح الجزائري لكن الترجمة كما هو معروف هي "نقل ما يقال بلغة ما إلى لغة أخرى" ومن هنا يتضح إذا ما قارنا النصوص المترجمة في تلك المرحلة فإنها بعيدة عن هذا المفهوم بل نستطيع أن نقول أنها كانت مجزئة أي محولة إلى نصوص جزائرية. هارون الكيلاني/ مخرج وكاتب وممثل مسرحي المسرحيون اعتمدوا على أنفسهم من البداية والاقتباس ظاهرة صحية المتجول في ربيرتوار المسرح الجزائري سيلمس ذاك التنوع في إنتاج المسرحيات بتنوع أشكالها من نصوص محلية وعربية إلى عالمية، منذ 1848 بمسرحية "نزهة المشتاق وغصة العشاق" لصاحبها الجزائري الأصل إبراهيم دانينوس، وأعمال الجمعيات التي أسسها الأمير خالد والتي زاد في قوتها أيضا زيارة فرقة جورج الأبيض للجزائر، سيلمس أيضا إرادة مسرحنا في صنع مكانه تحت الشمس. حيث اعتمد أصدقاء المسرح ومريديه على أنفسهم في التأليف والإنتاج والاقتباس بأنواعه وكان الأدب حاضرا عبر حِكم القوال والمداح وشعراء الملحون بأدبهم الشعبي الراقي. والآن على مدار أكثر من خمسين سنة وخشبة المسرح الوطني والمسارح الجهوية تعمل على إنتاج المسرحيات حسب طلب الجمهور وحسب التوجهات السياسية ورغبة المدير المسير أيضا، فعلى مستوى المسرح الوطني تداول كل من ولد عبد الرحمن كاكي وعبد الحليم رايس ورويشد وامحمد بن قطاف على رأس قائمة المتعاملين مع المسرح الوطني كتابة. كما كان نفس الحال مع مسرح بجاية مع عمر فطموش وأحمد خودي وكان مسرح وهران على موعد مع الكتابة الجماعية وأخرى لعبد القادر علولة وكما كان الحال أيضا في مسرح قسنطينة، أين ألف كل من محمد طيب دهيمي ومحسن عمار وآخرون، القائمة طويلة لأسماء عرفناها في التأليف والإخراج، ولم تتردد الأسماء الأدبية إلا قليلا كالطاهر وطار ومولود معمري ورضا حوحو و واسيني الأعرج.. والاقتباس جاء ليغذي رغبة المسرح الجزائري في التأكيد على مكانته وأيضا تحضيرا لمستقبل يراه واعدا بدأ يلمس فأله عبر أعمال عبد القادر علولة وكاكي لولا القطيعة التي صنعتها الأيام الحمراء لتضع حدا لحياة علولة ومجوبي ومرض يُسكن كاكي مكانه ويميته، أعمال هؤلاء جاءت لتصنع تجربة جديدة تضاف إلى تضاريس وجه المسرح الجزائري. وأنا لن أستطيع أن أغطي المساحة التاريخية ولكن من تجربتي المتواضعة أقول أن الاقتباس في الجزائر الآن يضيع ما بين الترجمة والتوليف والتوظيف، فالجيل السابق والذي تعلمنا منه كثيرا كان يحسن لغة واحدة وهي الفرنسية والجيل الحالي متسرع في تناول المواضيع. وهكذا يتكرر الخطأ في فهم الاقتباس أصلا، كما أنني أعيب على كُتابنا كسلهم، فكثيرا ما يتخصص كُتابنا في كتابة لون واحد، ولومي أكبر على أصحاب الأقلام الماراطونية والتي لها قدرة الصبر والترويض والمداومة فلماذا لا يكتب هؤلاء للمسرح، هذا الأخير الذي أضحى كحقل لا يزوره الكُتاب كثيرا. السنوات التي مرت على المسرح الجزائري وإن يقول الكثير أنها كانت للاقتباس فأقول لهم أنتم مخطئون، يوجد ما يقارب 60 عملا مقتبسا منذ تأسيس المسرح الجزائري في حين هناك ما يفوق 160 عملا مؤلفا بصفة فردية وجماعية، ويبقى الاقتباس بمعايير أكاديمية صحيحة ظاهرة صحية ونافعة.