ضيفنا اليوم من يوميات مواطن" الياس الحوت"، شاب في العشرينيات من العمر، جمعتنا به الصدفة أثناء تواجدنا بمطعم "الشّعب" بولاية المدية، حيث شدّ نظرنا بحيويته ونشاطه ورقيّه في التعامل مع الزبائن بحرصه على تقديم أفضل الخدمات لهم، اقتربنا منه لتبادل أطراف الحديث معه فحكى لنا عن مهنته وكذا يومياته كنادل بذات المطعم. أثناء زيارتنا الى ولاية المدية توقفنا عند مطعم خاصّ بتقديم الأكل السوري والواقع بين الطريق الرابط بين ولايتي الجزائروالمدية، ونحن نهمّ بالدخول إليه انبهرنا أوّلا بديكوره الرائع والذي يبعث في مخيّلة الزبون أنه متواجد في أعماق البحر نظرا لرسوماته المتقنة وما يحويه من أسماك متنوّعة داخل أحواض مائية موزّعة على كافة أرجاء المطعم وألوان من وحي الطبيعة تسرّ الناظرين في جوّ أقل ما يقال عنه أنه رائع. جلسنا في احدى الطاولات في انتظار الخدمة وإذا بشاب وسيم يتقدّم إلينا حاملا في يده لائحة أشهى المأكولات وهو يردّد بعبارات ترحيبية " مرحبا بيكم راني في خدمتكم" طلبنا ما راق لنا من الطعام وانتهزنا الفرصة لنتبادل أطراف الحديث معه، خاصة وأن أغلب الجالسين في المطعم كانوا ينادون باسمه بالذّات من أجل خدمتهم. " خدام الرجال سيدهم" " أخدم بالدورو وحاسب البطال" هذا المثل الشعبي الذي لا زال متوراثا بيننا ورغم تعاقب السنين الطوال ينطبق اليوم على حال الشاب "إلياس" والذي أخبرنا في البداية أنّه فضل مغادرة البيت العائلي المتواجد في ولاية عين الدفلى في سن مبكرة لرسم مستقبله المهني بمفرده بعد أن لم يحالفه الحظ في النجاح في الدراسة وإكمال مساره التعليمي كغيره من أقرانه. عن حياته الخاصّة قال الياس " أنا من ولاية عين الدفلى وبالتحديد من بلدية خميس مليانة، توقّفت عن الدراسة وغادرت مقاعد المتوسطة في السنة التاسعة أساسي بعد فشلي في نيل الشهادة وإكمال دراستي الثانوية، فأجريت تربصا ميدانيا في أحد مراكز التكوين المهني بالولاية في اختصاص الطبخ والحلويات الغربية ولم أتمكّن وقتها من اتمام تربصي والحصول على شهادة في الاختصاص نظرا لبعض الظروف الخاصة انذاك "، ليضيف قائلا " أكره فكرة أن أكون عبئا ثقيلا على أحد وأن أكون عاطلا عن العمل وانتظر" مصروفي اليومي" من عند العائلة لهذا فضلت اقتحام عالم الشغل في سن مبكرة جدا. في ذات السياق أخبرنا محدّثنا أنّه "عملت في مجالات متعددة.. اشتغلت كقابض في الحافلة وعملت نادلا أيضا في أحد المقاهي بولاية تيبازة كماعملت في مجال الترصيص الصحي داخل المنازل والعمارات وغيرها من المهن المتفرقة حسب مستواي الدراسي، بما أنني لا أملك شهادة معينة تؤهلني الى العمل في مكان دائم وقار..أنا اللي يهمني يكون مصروفي في جيبي ويكون رزقي حلالي". حبّ الناس وثقتهم يحفّزني لتقديم أفضل الخدمات عن عمله في مطعم "الشعب" المتواجد بولاية المدية أكد لنا إلياس أن المطعم حديث النشأة فتحه أحد الخواص المقيمين بالخارج منذ ثمانية أشهر والذي استوحى فكرة تزيينه من الغرب، "أعمل به منذ حوالي أربعة أشهر، أخبرني صديق عنه، تقدّمت إلى أحد مسيّريه بطلب العمل فيه فلم يمانع بعد ان اختبرني في المطبخ وكذا في الاستقبال، وصراحة الحمد لله حتى الآن لأنني كسبت حب الناس وثقتهم وكل من يقصد المطعم يسأل عني من أجل خدمته". إلى ذلك أكّد إلياس قائلا "لدي زبائن يرتادونه بصفة يومية، وهذا ما حفزني لتقديم أفضل وأرقى الخدمات لهم، كما أنني أرغب في إجراء دورات تدريبية في الاستقبال والتعامل مع الزبائن من أجل أن أشتغل مستقبلا في أحد الفنادق الفخمة لأني أطمح دائما إلى تحسين مستواي وإبراز مواهبي الشخصية، لأن الإنسان بطبعه طموح ويسعى للأفضل دوما". أما عن عائلته ومكان اقامته حاليا فأطلعنا الياس أنها لازالت متواجدة بولاية عين الدفلى، وهو مقيم بأحد الأحياء القريبة من مكان عمله رفقة أربعة من أصدقائه، حيث قاموا باستئجار منزل مجهّز بأكمله، بينما يذهب إلى عائلته مع نهاية كل عطلة أسبوع من أجل زيارة الوالدين وقضاء نهاية أسبوع معهم. صوت المواطن في ختام حديثه معنا قال "الحوت الياس"، الذي يعمل نادلا بمطعم "الشّعب" بولاية المديّة، إنه يعيش في وضعية "لا بأس بها لحدّ الساعة"، غير أنّ ما يحزّ في نفسه بعد منزل العائلة عنه، مضيفا أنّه يطمح مستقبلا للعمل في أحد المنتجعات السياحية أو أحد الفنادق الفخمة من أجل كسب المزيد من الخبرة والتجارب في الحياة، أمل يتمنى محدّثنا لو يتحقّق يوما ما، خاصّة وقد وقفنا بدورنا على رقيّ الخدمات التي يقدّمها لزبائن المطعم ولباقته في استقبالهم.