تمادت السلطات الفرنسية في تجاهلها المطلق لما اقترفته دولتها الاستدمارية ضد الشعب الجزائري في الفترة من 1830 إلى 1962 ، بل هي مازالت وإلى يومنا هذا تتنكر للجرائم الوحشية التي اقترفتها، وأكثر من هذا هي لا تعترف بالتنكيل والتعذيب والبطش والنهب وبعمليات الطمس الثقافي اللغوي والروحي المنظم الذي مارسته على امتداد هذه الحقبة. هي وحتى الآن مازالت وفيّة لقناعتها الاستدمارية، ولم تحد عنها، وكلما لاحت في الأفق بعض تململات الإقرار بملامح بعض ما حصل تقوم قيامة فرنسا الرسمية، وقد قدرتها وسائل إعلام فرنسية بأزيد من 50 بالمائة، وهذه النسبة المعترفة بما حصل للجزائر والجزائريين هي منسوبة للشعب الفرنسي، وليس لفرنسا الرسمية. مشكلة فرنسا الرسمية حاليا في كل هذا، أنها لا تقوى على مواجهة نفسها الاستدمارية البالية، وترفض أن تعترف بجرائمها، وبكامل أساليب القهر والنهب والبطش اللا إنسانية التي مارستها، لأن جزء هاما من أشخاصها مازالوا أحياء عسكريين ومدنيين، وهم اليوم وأمس من يقاومون كل مسؤول فرنسي يقترب من باب الاعتراف ولو بجزء بسيط من كل ما حصل. هؤلاء وحتى اليوم هم من يصنعون الرأي العام الفرنسي الرسمي، ويرفضون ما ينجم عن سبر الآراء، ويواجهونه بقوة السلطة، هم وحتى يومنا هذا يرفضون الوضع الاستدماري الذي خلقوه بالجزائر، بل ويعتبرونه جزء حضاريا، ساهم بقسط أو بآخر في تمدين الشعب الجزائري ! هذه القناعة الاستدمارية الكاذبة والمغالطة تحديدا هي التي أودت بحكامها الاشتراكيين كما هم حكامها الليبيراليين لاستصدار قانون تمجيد الاستدمار سنة 2005، وهي بهذا أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنها بمسؤوليها الحاليين دولة استدمارية، وأنها أرّخت عبثا لقناعتها الاستدمارية، واعتبرت ما قامت به في الجزائر يدخل في النعيم الحضاري الذي منحته للجزائر طيلة حقبتها الاستدمارية الممتدة من 1830 إلى 1962 ! فرنسا الرسمية وحتى يومنا هذا مازالت تمارس النفاق السياسي والديبلوماسي مع الدولة الجزائرية، لا تُظهر ما تبطن، بل وفي بعض المحطات تتلاعب بالتصريحات عبر شخصيات محددة، المدغدغة لعواطف وأهواء الجزائريين، مثلما كان الحال مع الرئيس السابق فرانسوا هولاند ومع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وقد فجّرها ظاهريا هذا الأخير حين قال : " إن الاستعمار الفرنسي للجزائر هو جزء من التاريخ الفرنسي، هو جريمة ضد الإنسانية، فيه وحشية حقيقية، هو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا في حقهم هذه الممارسات ". هذا التصريح الانتخابي غير الرسمي هو عين الحقيقة، دغدغ عواطف السذّج في الجزائر، جُوبه بحملة شرسة من قبل الرسميين في فرنسا ومن قبل الحركى، وقد تراجع صاحبه عنه بأميال وأميال، ورغم أنه اليوم هو المسؤول الأول في فرنسا الرسمية فلن تكون له الشجاعة لتجسيد ما تفوّه به في الجزائر، ذلك لأنه يدخل ضمن مبدأ السياسة ليس لها أخلاق، وهو المبدأ الذي تؤمن به فرنسا، ويؤمن به الرئيس ماكرون نفسه. العيب فينا نحن الجزائريين، لا في ماكرون ولا في غيره من الفرنسيين، نحن الذين سكتنا عمليا عن قانون تمجيد الاستدمار، بل ونحن الذين رفضنا مسودّة قانون تجريم الاستدمار الفرنسي للجزائر، رفضناها رسميا، وهي التي نصصت على تقنين تجريم الاستدمار بالمطلق، وعلى محاسبته ومعاقبته عن طريق المحكمة الجنائية الجزائرية التي دعت لاستحداثها، وأولى الخطوات وفق ما نصت عليه المادة 18 منها: " أن يظل مستقبل العلاقات بين البلدين متوقفا على الاعتراف والاعتذار والتعويض ".