اعتقد رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أنه بمجرّد تغيير مسار تنظيم المسيرة غير المرخص لها لتكون نقطة الانطلاق »ساحة الشهداء«، يكون قد ضمن بذلك تحقيق الدعاية الإعلامية أو أن هذه الإستراتيجية قد تشفع له باستجابة شعبية واسعة، لكن لا شيء من هذين الاحتمالين تحقق لأن »الأرسيدي« أثبت أمس بأنه يتمتع بسمعة سيئة وسط الجماهير ولم تعد له أية قاعدة شعبية. لم يتمكن الدكتور سعيد سعدي من حشد سوى حوالي 50 شخصا في محاولة منه لتنظيم مسيرة وسط العاصمة، والواقع أن قرار عدد معتبر من مؤسسي ما يُعرف ب »التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية« كشف ما تبقى من عيوب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي وجد نفسه معزولا مرة أخرى وسط مواطني العاصمة، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح الكثير من الاستفهامات حول الخلفيات الحقيقية وراء الإصرار على التظاهر بهذا الشكل وبهذا العدد المحتشم من بقايا المناضلين. ويعود وقوع اختيار »الأرسيدي« على »ساحة الشهداء« نقطة انطلاق لمسيرة يوم أمس باتجاه »ساحة الوئام«، إلى ما يحمله هذا المكان من رمزية بالنسبة إلى كل الجزائريين، ولكن مناضلي وقيادات هذا الحزب بمن فيهم ابن الشهيد »عميروش«، النائب بالمجلس الشعبي الوطني نور الدين آيت حمودة، عادوا أدراجهم جميعهم وهم يجرّون أذيال الخيبة بعد أن استجابت ثلة قليلة من المحسوبين على هذا الحزب ل »نداء الواجب« بحسب ما يفضل الدكتور سعدي أن يُسميه. لقد كان في اعتقاد سعيد سعدي أن اختيار انطلاق المسيرة من »ساحة الشهداء« كفيل بأن يجلب إلى صفوفه المئات من شباب الأحياء المجاورة وفي مقدمتهم أبناء الحي العتيق »باب الوادي« وكذا حي »القصبة«، حتى يهتفوا إلى جانبه »الشعب يريد إسقاط النظام«، لكن على عكس ما اشتهاه فإن شباب أعرق أحياء العاصمة هموا لمطالبة »الأرسيدي« ومناضليه بمغادرة حيهم فورا والذهاب نحو مكان آخر يُسوّقون فيه لأفكارهم التي تنادي إلى التخريب والتمرّد، لأن ما عاشه هؤلاء خلال العشرية السوداء جعلهم أكثر وعيا بالمؤامرات التي قد تحاك وتُحيط بهم في مثل هذا الظرف بالذات. والواقع أنه زيادة على ضُعف التجنيد ومحدودية التجاوب فإن وقوع »ساحة الشهداء« في إحدى المناطق الأكثر حساسية بالعاصمة والتي تضرّرت كثيرا من سنوات الإرهاب، لم تكن كافية هي الأخرى بأن تُحقّق الدعاية التي أرادها أنصار هذا الحزب الذي جاؤوا إلى عين المكان، ف »الأرسيدي« أراد بذلك أن يسير خارج المنشقين عنه في »التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية« بعد الخيبة التي جناها في المرتين السابقتين، إلى جانب حرصه على أن يكون التظاهر غير بعيد عن مبنيي الهيئة التشريعية ويتعلق الأمر بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. وحتى قوات الأمن التي تعاملت مع هذه المسيرة لم تحضر بنفس الكثافة التي اعتدنا عليها في مسيرتي الأسبوعين الماضيين بعد أن عرفت بأن الأمر يتعلق بمناضلين محدودي العدد، ولكنها مع ذلك حرصت على التعامل بكل حزم مع إصرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على التظاهر، فقد طوّقت المكان بإحكام وأغلقت كل المنافذ التي كان من الممكن أن يُحاول أنصار سعيد سعدي الاستثمار فيها لتحويل »ساحة الشهداء« إلى »ساحة الفوضى«.