قبرت مسيرة التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية في نقطة انطلاقها بساحة أول ماي، وتحولت إلى تجمع لأعضائها محاط بقوات الأمن والمواطنين الفضوليين والصحافة الأجنبية والمحلية التي تواجدت بكثرة، إضافة إلى رجال الحماية المدنية مسيرة تتحول إلى تجمع أبطاله سعدي، بوشاشي وعلي يحيى عبد النور وأعادت صورة المتجمهرين وهم يرددون ويرفعون شعارات مناهضة للسلطة إلى الأذهان، صورة المسيرة التي حاول تنظيمها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يوم 22 جانفي الماضي، حين لم يتمكن مناضلوه وبعض المتعاطفين معه من تخطي عتبة مقر الحزب بشارع ديدوش مراد، وهو نفس السيناريو الذي تكرر أمس مع أعضاء التنسيقية الذين وجدوا أنفسهم دون مساندة جماهيرية، حيث لم يسجل استجابة المواطنين لندائهم، وكذا التنظيمات الطلابية والحركات الجمعوية والتشكيلات الحزبية التي تحدثت عنها التنسيقية منذ إعلانها تنظيم المسيرة، ومثلما أكدته قبل موعدها بيوم. فما عدا حزب الأرسيدي، ممثلا برئيسه سعيد سعدي ونوابه في البرلمان، وعبد القادر مرباح، رئيس التجمع الوطني الجمهوري، وعبد الحق برارحي رئيس لجنة المواطنين من أجل الدفاع عن الجمهورية، والحقوقيين مصطفى بوشاشي، وعلي يحيى عبد النور، وبعض ممثلي نقابتي “السناباب” و”الكلا”، وممثلين لمبادرة “البيان من أجل الحقوق والحريات”، لم تلتحق أحزاب سياسية وتنظيمات أخرى بساحة أول ماي أو ساحة الوئام المدني، الأمر الذي أرجعه مسؤولو التنسيقية للطوق الأمني المضروب على العاصمة عشية المسيرة لمنع وصول المشاركين، وهو تبرير “غير موضوعي” ما دام قوات الأمن لم تمنع أي مواطن من الوصول إلى ساحة أول ماي، مثلما لم تمنع أعضاء التنسيقية من ذلك صبيحة انتقالهم إلى نقطة انطلاق المسيرة، كما أن إقبال المواطنين الفضوليين الذين فاق عددهم أعضاء التنسيقية، كان بدوره محتشما، وهو ما يترجم عدم الالتفاف الشعبي حول مثل هذه المبادرات. وفعلا لم يتمكن أعضاء التنسيقية على قلتهم، من اختراق الجدار الأمني المحكم والمضروب على ساحة أول ماي من كل جهاتها، خاصة بعد تفريقهم من قبل قوات الأمن إلى ثلاث مجموعات، مجموعة يديرها سعيد سعدي، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والثانية يقودها الحقوقي علي يحيى عبد النور، والثالثة ينشطها المحامي مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، لكن مبرر التضييق الأمني لم يكن وحده العامل الذي حول المسيرة “المفترضة” إلى تجمع مصغر أبطاله بوشاشي، سعدي وعلي يحيى عبد النور، الذين لم يكفوا عن إطلاق تصريحات معارضة للنظام القائم، بل كان انعدام تحقيق استجابة واسعة لنداء المسيرة هو العامل الرئيسي في قبر المسيرة في موقع انطلاقها بساحة الوئام المدني، ومرد ذلك هو قطيعة الشعب مع الطبقة السياسية التي أصبحت تستغل انشغالاته لتحقيق مطالبها. وحتى وإن كللت المحاولات المتكررة للتنسيقية باختراق الطوق الأمني المفروض عليها من كل جهة، ونجحت في الوصول إلى ساحة الشهداء، فلن تستطيع ضم 500 مواطن إليها على الأكثر، خاصة في ظل اختراق بعض الشباب المناهض للمسيرة مكان تجمع التنسيقية، وترديدهم لشعارات معادية لشعاراتها، ومناداتهم ببقاء الرئيس بوتفليقة في الحكم، ما تسبب في بعض الصدامات بينهم وبين عناصر من التنسيقية، خاصة حين قام بعضهم بشتم سعيد سعدي، واتهامه بالعمالة الأجنبية.