فتحت القوات البحرية للجيش الوطني الشعبي ملف المخاطر الأمنية البحرية، سيما في ظل الاضطرابات التي يشهدها البحر الأبيض المتوسط، وانتقال المخاطر من الأبعاد الاقتصادية إلى الأبعاد السياسية والإستراتيجية، وفي هذا الإطار شرعت الجزائر في ضبط سياسة أمنية ودفاعية بحرية لضمان أمن وسلامة الحدود. لم يكن الملتقى الوطني، الذي نظمته القوات البحرية الجزائرية، على مدار اليومين الماضيين، بالمدرسة العليا للبحرية بتمنفوست، مجرد لقاء علمي نظري، بقدر ما كان فرصة لمناقشة السياسات الأمنية الدفاعية التي تسمح للقوات البحرية الجزائرية بحماية المياه الإقليمية الجزائرية في ظل تنامي المخاطر والتهديدات، الناجمة عن التحولات السياسية وما صاحبها من اضطرابات في العديد من الدول المجاورة، حيث أصبح الفضاء المتوسطي يتطلب المزيد من اليقظة والأمن والاستعداد لمواجهة المخاطر المحتملة. في هذا السياق شدد اللواء نسيب قائد القوات البحرية بالمناسبة، على أن الجزائر مطالبة بتبني استراتيجية سلامة وأمن بحريين، تعطي الأولوية للمراقبة في الأعماق وتسمح برد الفعل، وهو ما يعني أن القوات البحرية تبحث عن آليات دفاعية ذات ليونة لمواجهة المخاطر. وتقوم المقاربة الأمنية البحرية التي ستشكل مستقبلا عقيدة البحرية الجزائرية، على مزيد من التنسيق بين مختلف الأطراف والمصالح الداخلية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأمن البحري، فضلا عن تعزيز التعاون والتنسيق مع باقي القوات البحرية الأجنبية التي لها علاقات مع الجيش الجزائري. ومن بين الرهانات التي تشكل تحديا للقوات البحرية الجزائرية حماية نقل المحروقات خاصة أن الفضاء البحري المتوسطي يشهد حركية كثيفة لتجارة ونقل المحروقات، وازدياد حركة الهجرة غير الشرعية، والقرصنة. إلا أن التحول الذي يفرض على البحرية الجزائرية تعزيز دورها الأمني، يكمن في المتغيرات التي تشهدها المعادلة الأمنية البحرية وانتقال المخاطر من طابعها الاقتصادي إلى طابعها السياسي، حيث أصبحت الجرائم اليوم ذات أهداف سياسية من خلال التهديدات التي تجبر بعض البلدان على تبني مواقف والتخلي عن مواقف أخرى، في إشارة إلى تحرك العديد من أساطيل حربية للدول الكبرى في عرض البحر لأهداف لها علاقة بأجندة سياسية، مذكرا أن الجزائر صادقت على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأمن البحري والتي أدرجتها ضمن قوانينها الداخلية. بدوره أوضح ممثل وزارة الشؤون الخارجية قشطولي محمد، أن الجزائر تبذل جهودا إضافية من أجل تعزيز قدراتها الوطنية بخصوص الإمكانيات البشرية والمادية من أجل الاستجابة للمتطلبات الوطنية والدولية. معلوم أن طرح مشكلة الأمن البحري وإن لم يكن بالجديد بالنسبة للقوات البحرية الجزائرية التي شرعت خلال العقد الماضي في تطوير خبراتها الدفاعية والأمنية والمراقباتية من خلال برامج التعاون وتبادل الخبرات مع الحلف الأطلسي وباقي الجيوش عموما والقوات البحرية، الأمريكية منها والأوروبية، إلا أن تزامنه مع الإجراءات التي أقرتها المؤسسة العسكرية مؤخرا لحماية الحدود البرية بفعل الاضطرابات التي تشهدها دول الجوار ومنها ليبيا على وجه الخصوص، توحي أن السلطات الجزائرية من خلال الجيش الوطني الشعبي قد دخلت في تطبيق استراتيجية شاملة ومتكاملة لحماية الإقليم الوطني.