يكشف لنا الدكتور خالد شاوكت ،رئيس مهرجان الفيلم العربي في روتردام الهولندية، خلال هذا الحوار العديد من القضايا التي تعنى بوقع وآفاق السينما العربية ، كما يستعرض برنامج الدورة ال11 للمهرجان التي ستنظم هذا العام في شهر سبتمبر عوضا من جوان، وستتوقف عند وضع العلاقات الغربية العربية سينمائيا بعد مرور10 سنوات على أحداث 11 سبتمبر فضلا عن احتفائها بالثورات العربية . +-نود منكم في البداية تعريف القراء الكرام بمهرجان الفيلم العربي بروتردام وأهدافه على أرض روتردام الهولندية؟ -ربما ما لا يعرفه كثيرون أن فكرة المهرجان كانت وليدة الجزائر العاصمة، فقد نبتت من خلال حوار دار بيني و بين الكاتب والسيناريست المصري الكبير الأستاذ محفوظ عبد الرحمن على هامش المؤتمر القومي العربي الذي انعقد سنة 2000 في الجزائر. و مهرجان الفيلم العربي في روتردام هو اليوم واحد من أبرز الأنشطة الفنية و الثقافية العربية في أوربا، وهو تظاهرة تنعقد بشكل سنوي مستمر منذ سنة 2001، حيث جرى عرض ما يزيد عن 500 فيلم عربي على شاشات مدينة روتردام السينمائية، كما جرى أيضا استضافة ما يزيد عن 500 شخصية سينمائية عربية، من بينها أبرز نجوم السينما العربية كنور الشريف ويحيى الفخراني و ليلى علوي و منى زكي و أحمد حلمي و حنان ترك و إلهام شاهين وغيرهم، فضلا عن تكريم عشرات الفنانين العرب، و إقامة عشرات الندوات و حلقات النقاش حول القضايا المتعلقة بالحوار الثقافي العربي الغربي، فضلا عن استضافة جل الدول العربية المنتجة للسينما كضيوف شرف المهرجان، ومن بينها الجزائر التي استضافها المهرجان في دورته لسنة 2009، بمناسبة مرور 400 سنة على إقامة علاقات ديبلوماسية جزائرية هولندية. +-إلى أي مدى ساهم مهرجان الفيلم العربي بروتردام في دوراته السابقة في التعريف بسينما العربية الحديثة في أوروبا ؟ -لقد خصص المهرجان جل برامجه للتعريف بالسينما العربية غير التجارية، أي السينما الجادة التي يطلق عليها البعض إسم »سينما المؤلف«. و قد أتاح المهرجان طيلة السنوات الماضية الفرصة أمام ما يقارب المائة ألف مشاهد لمتابعة جديد السينما العربية. ولم تقتصر العروض على مدينة روتردام، بل وسعنا دائرة العروض لتشمل أهم المدن الهولندية، فضلا عن تعاوننا مع عدد كبير من الأصدقاء لإقامة مهرجانات مشابهة في عدد من الدول الأوربية الأخرى، في بلجيكا وفرنسا و سويسرا و ايطاليا وأنجلترا و اسبانيا و الدنمارك و السويد، بل وصل تعاوننا إلى حدود استراليا و أندونيسيا و الهند واليابان و الولاياتالمتحدة. ما تقيمكم للدورة الفارطة من المهرجان -العاشرة -؟ -كانت الدورة العاشرة دورة متميزة من جميع النواحي، فقد كانت دورة احتفالية بمناسبة مرور عقد كامل على تأسيس المهرجان، وهذه التظاهرة التي انطلقت على احتشام سنة 2001، اضحت بعد عشر سنوات عنوانا بارزا للمشاركة الإيجابية العربية في بناء الثقافة الأوربية الجديدة المتعددة. كما كانت الدورة دورة تحد للأزمة المالية التي عصفت بجل التظاهرات الثقافية المماثلة، خصوصا و أن المهرجان لا يحظى بأي دعم مالي عربي. وكانت الدورة أخيرا دورة تتويج لعقلية البناء و العمل في مواجهة عقلية الهدم والتخريب، حيث تعرض المهرجان إلى مؤامرة تخريبية شارك فيها بعض مدمني الفشل و أعداء النجاح، ممن ثبتت محدودية كفاءتهم و عجزهم عن تقديم الجديد والإضافة للجاليات العربية، و لم يفلحوا إلا في خوض معارك التهديم و التخريب، لكننا فضلنا الرد العملي على هؤلاء و مواصلة تنظيم المهرجان رغم الداء والأعداء كما يقال. +يحتفي المهرجان هذه السنة بدورته الحادية عشر، كيف تشخصون وضعيته الآن، مقارنة بالدورات السابقة؟ - بالنسبة لنا فإن كل دورة هي دورة أولى، تحمل نفس التحديات المطروحة، و اعتقد أن الدورة 11 ستكون لنا مناسبة لإحداث انطلاقة جديدة، نستفيد فيها من ملاحظات الأصدقاء النقدية، ونقوم فيها اعوجاجاتنا، كما نطرح فيها رؤى و أشكال جديدة، ستكون بحول الله هديتنا لجمهور المهرجان و محبيه والغيورين عليه. و نحن الآن نشتغل على أكثر من مستوى لاستكمال التفاصيل النهائية للبرنامج، وخصوصا البرامج الخاصة التي ستشكل العناوين الرئيسية للدورة من قبل الاحتفاء بالثورات العربية و برنامج السينما السعودية الشابة و الوقوف على وضع العلاقات الغربية العربية سينمائيا بعد مرور عشر سنوات على أحداث 11 سبتمبر. -ماذا تحمل الدورة ال11 للمهرجان من جديد ؟ ستكون الدورة 11 فرصة كما أشرت لطرح أفكار تنظيمية جديدة تغير من شكل المهرجان، من بينها توحيد المسابقات الثلاث في مسابقة واحدة، تقديرا لفكرة أن الفيلم بأنواعه يجب أن يعامل على قدر المساواة، و كذلك الإعلاء من شأن البرامج الخاصة على نحو يخدم حوار الحضارات والثقافات، و منح مساحة أكبر للسينما العربية المهاجرة، وسينما الشباب، والسينما المستقلة. + هل سيكون للثورات التي عرفتها بعض الدول العربية مؤخرا وقفة في المهرجان ؟ - ستكون هذه الدورة بالكامل احتفاء بالثورات العربية التي منحت العرب فرصة لرفع رؤوسهم في كل مكان، ولطالما كان السينمائيون في مقدمة المناضلين من أجل التغيير والإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، ولهذا فمن الطبيعي أن يخصص المهرجان في دورته 11 حيزا كبيرا لتكريم الدور الذي لعبه السينمائيون العرب في هذه الثورات، وكذلك الاستعانة بأعمالهم لتقديم صورة متميزة لهذا الحدث الكبير الذي يشتاق الجمهور الهولندي للتعرف عليه أكثر. و ربما يهمز البعض في قناة أننا نستغل الثورات العربية لصالح المهرجان، و على هؤلاء نرد بالقول أن عناية المهرجان بالمشروع الديمقراطي هي عناية عريقة ميزته منذ انطلاقته، و لربما يجهل هؤلاء أو يتجاهلون أن الدورة العاشرة تضمنت برنامجا خاصا تحت عنوان »نحو الجنوب..إدعم التغيير والإصلاح في العالم العربي«، وكانت نبوءة المهرجان في محلها، حيث صدقت الثورات العربية ما جرى توقعه من قبل مبرمجي المهرجان. ثم إن من حق العرب في رأيي استغلال الثورات العربية خدمة لهذه الثورات أولا، التي تستحق فعلا كل تكريم و احتفاء، و كذلك عملا على مساعدتها في تحقيق أهدافها من خلال توضيح الصورة للغربيين بأن هذه الثورات خلافا لما قد تزعمه بعض الأطراف المعارضة لها، ستكون عاملا مساعدا على تحسين العلاقات العربية الغربية وإعادة بنائها على أسس عادلة و صحيحة و حافظة لمصالح الطرفين. +-ماذا عن برنامج الطبعة الجديدة ؟ - الطبعة الجديدة للمهرجان الذي سينعقد من 7 إلى 11 سبتمبر، ستتضمن إلى جانب مسابقة الصقر الذهبي، التي ستأخذ شكلا موحدا وستكون مفتوحة على أنواع الأفلام الأربعة: الطويلة و القصيرة و الوثائقية و التحريك، ثلاثة برامج خاصة الأول يتعلق بالاحتفاء بالثورات العربية، و الثاني يتصل بسينما الشباب السعودي، أما الثالث فسيخصص لشباب الضواحي من أصل عربي. و إلى جانب المسابقة والبرامج الخاصة، سيجري تكريم عدد من نجوم السينما العربية، خصوصا أولئك الذين عرفوا بمواقف مساندة للثورات العربية، كما ستقام ندوات وحلقات نقاش، و سوق خيري لمنتجات من صناعة جمعيات نسائية في بعض الدول العربية النامية. +-ماهي في نظركم القيمة الثقافية والفنية التي يضيفها المهرجان كمساهمة في إشعاع المنطقة؟ - كل مهرجان ثقافي و فني عربي خارج العالم العربي هو قيمة مضافة في حد ذاته، وبصرف النظر عن حجمه أو جودة مضمونه، فالعرب أحوج الناس بإقامة السفارات الثقافية و الفنية، وذلك لما لحق بصورتهم من تشويه ومغالطات، لعل الوسائل الفنية هي الأفضل لتصحيحها. و لربما كان مهرجان روتردام للفيلم العربي، الذي هو مهرجان مستقل يقام بجهود ذاتية محدودة، من الأحداث الفنية و الثقافية القليلة التي تمكنت من ربح رهان الاستمرارية لحد الآن، و استطاعت من خلال هذه الاستمرارية مراكمة النجاح وتحقيق إشعاع سنوي متنامي. +-هل أنت مع المنافسة المفتوحة بين المهرجانات السينمائية العربية أم تؤيد فكرة التنسيق فيما بينها؟ -أنا من الذين يعتقدون بأن كل مدينة وبلدة عربية محتاجة اليوم إلى إقامة مهرجان سينمائي، و ذلك لأن هذه المهرجانات أصبحت قناة العرض الرئيسية لما يسمى بالسينما بالمعنى الجاد. فضلا عن الفوائد الجمة للمهرجانات السينمائية، ومن بينها تسويق المدن و الدول و تنشيط الحياة الثقافية والفنية وتحفيز السلطات على تعهد البنى التحتية و إعادة ترميم أو بناء دور السينما و شاشات العرض ودعم الانتاج. ولهذه الأسباب فإنني أرى أن مشكلة التنافس التي يتحدث عنها البعض بين المهرجانات السينمائية العربية هي مشكلة مفتعلة، لأننا لدينا كعرب نقص في المهرجانات وليس العكس. +-تعيش السينما العربية حاليا مفارقة، ففي الوقت الذي ارتفع فيه معدل إنتاج الأفلام، لم يعد هناك إقبال جماهيري على مشاهدتها، ما هي الأسباب في رأيك؟ - هناك أزمة متعددة الأبعاد تقف وراء مسألة تراجع الإقبال الجماهيري لعل من ملامحها تداعي دور العرض التي شهدت تناقصا كبيرا، و ما بقي منها بعيد كليا عن الشكل العصري المطلوب، فضلا عن مشاكل تتعلق بعملية التوزيع و الملكية الفكرية و عدم وجود مخططات حكومية جادة للنهوض بالحركة السينمائية، سواء على المستوى القطري أو المستوى القومي العربي. و قد لاحظنا أن مصر عندما عالجت موضوع القاعات و التوزيع تمكنت من إعادة الجمهور للقاعات، و نحن ندرك أن القياس على النموذج المصري يجب أن يكون مع فارق لكنه على أية حال حالة يمكن الاستفادة منها. +-ما هي اقتراحاتكم للنهوض بالفعل السينمائي العربي في ظل غزو الأعمال السينمائية التركية والهندية على غرار الأمريكية في الآونة الأخيرة؟ -العالم العربي مليء بالمواهب و أصحاب الأفكار الخلاقة، وإذا ما تضافرت جهود الحكومات مع القطاع الخاص، و جرى وضع مخططات صائبة للنهوض بالحركة السينمائية و توفير الموارد المالية الكافية لذلك، فإن السينما العربية قادرة على مجاراة الجميع، وتحقيق أرباح على كافة الأصعدة و في زمن قياسي. الدكتورخالد شوكات، كاتب وإعلامي و منتج سينمائي تونسي مقيم في هولندا، و هو مؤسس و رئيس مهرجان الفيلم العربي في روتردام. صدرت له عديد الكتب خلال السنوات الماضية من بينها »انهيار الصنم«، »المسلم الديمقراطي«، و »استكمال الاستقلال«، و »فريضة التأويل«، كما أنتج عددا من الأفلام الوثائقية و القصيرة من بينها »شكري..المشي على حافة الغرب«، » قاع البئر«، و » فتوى تيك أوي«.و إلى جانب نشاطه الإعلامي و السينمائي يرأس شوكات المنتدى العربي في هولندا و يدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي.