اشتدّت وتيرة التصعيد بين وزارة الصحة وشرائح الأطباء العامين والأخصائيين والمقيمين وجراحي الأسنان والصيادلة، الذين هم في إضراب وطني مفتوح، إذ في الوقت الذي شرعت فيه هذه الأخيرة في تنفيذ تهديدات الخصم من الأجور والفصل من العمل، والضغط عليهم بأشكال عديدة، قرر هؤلاء تصعيد الموقف بمواصلة الإضراب مع تنظيم اعتصامات واحتجاجات، أمام وزارة الصحة، وداخل الهياكل الصحية. يُنتظر وفق ما هو مقرر أن يعتصم غدا الأحد أمام مقر وزارة الصحة الأطباء العامون والأخصائيون والصيادلة وجراحو الأسنان، بشكل متزامن مع الإضراب الوطني المفتوح الذي هم فيه منذ يوم 16 ماي الجاري، ويأتي هذا في الوقت الذي تتواصل فيه الاعتصامات المحلية على مستوى الهياكل الصحية والاستشفائية الجامعية. ومن المقرر أن يُنصّب غدا وزير الصحة الدكتور جمال ولد عباس لجنة الخدمة المدنية التي أطلق عليها اسم »لجنة العقلاء«، في غياب ممثلين عن الأطباء الأخصائيين، وتتشكل وفق ما أعلن عنه الوزير من الأطباء المقيمين فقط ، ومسؤولين من وزارة الصحة، وأساتذة في العلوم الطبية، وأعضاء برلمانيين من الغرفتين، وأعضاء من المجلس الاجتماعي والاقتصادي، وينتظر أن تعكف وفق ما وعد الوزير على دراسة مسألة الخدمة المدنية، ولكن حتى الآن ليس هناك ما يُشير إلى أن الطرفين سيتّفقان عليها، لاسيما إذا سجلنا التباين الكبير الموجد في رِؤية الطرفين بهذا الخصوص، ويبدو من الآن أن وزير الصحة يتّجه نحو تكليف اللجنة باعتماد قرار توفيقي بينه وبين الأطباء المقيمين، يقضي بالتأكيد على أنه سيشرع من الآن في توفير مستلزمات المهنة الطبية التي تسمح للطبيب المقيم بأداء المهمة الموكلة إليه، وفي نفس الوقت توفير ما يُمكن توفيره من الجوانب الاجتماعية للمقيم، وفي مقدمتها السكن الوظيفي، الذي تحدث عنه الوزير مؤخرا، وقال بشأنه: من حق الطبيب المقيم أن يرفض العمل في حال عدم وجود مسكن له بعين المكان، وهو ما لا يراه الأطباء المقيمون قابلا للتحقيق على المدى المنظور، سواء أكد عليه الوزير أو لم يؤكد، ذلك لأن إصلاح هذه الأوضاع برأيهم ، العامرة بالتراكمات السلبية، وبالفراغات، والحلقات المفقودة بالقطاع عبر عديد السنوات تحتاج إلى وقت أطول مما يأمل فيه الأطباء المقيمون، زد على هذا عدم توفر عامل الثقة بين المقيمين والوزير، بحيث أن من تقرّبت منهم »صوت الأحرار« يرون أن وزير الصحة تحدث طويلا، وقدّم وعودا كبيرة لهم ولكافة الشرائح المذكورة، من دون أن تكون له ضمانات حقيقية، تُمكّنه من الوفاء بكل ما وعد به، ذلك لأنه أعطى انطباعا منذ مجيئه على أنه قادر على تلبية المطالب المرفوعة، وتقديم الحلول لها جميعها، وقد فتح أبواب الحوار بالفعل، وعقد أكثر من 135 اجتماعا منذ مجيئه على رأس القطاع الصحي مع مختلف الفئات، ولكنه في النهاية وجد نفسه محاصرا بمطالب، صلاحياتها تتجاوزه، نذكر منها على سبيل المثال المساواة في إعفاءات الخدمة الوطنية وجزء كبير من مسألة الخدمة المدنية. ولعل ما ضاعف من تعقيدات الوضع القائم بين الوزارة وشركائها الاجتماعيين هو لجوء هذه الأخيرة إلى لغة التهديد والوعيد، والمبادرة من أول وهلة باللجوء إلى منع الإضراب، الذي هو حق دستوري، ومباشرة الخصم من الأجور، والتسخير، بل والتهديد بالفصل من منصب العمل، وهذا تحديدا ما ضاعف من تعقيدات المواجهة القائمة بين الوزارة وشركائها الاجتماعيين. وحسب ما هو مقرر، فإن نقابتي يوسفي ومرابط هما الآن بصدد إقرار جملة من الأشكال الاحتجاجية، التي سبق الإعلان عنها في آخر ندوة صحفية لهما، موازاة مع الإضراب الجاري، وينتظر أن يتم الإعلان عن تواريخها وأمكنتها لاحقا.