قد لا يكفي الدعم الأمريكي أو الأوربي لمسار الإصلاح السياسي في الجزائر رغم الرسائل الايجابية التي قد يحملها، خاصة فيما يتعلق بسيناريو »تثوير« العالم العربي، فالمهم هو أن تقنع السلطة باقي الشركاء السياسيين بوجود نية وإرادة للذهاب بعيدا في الإصلاحات التي شرع في مرحلة التشاور بشأنها بداية من الأمس، فالمحيط الإقليمي والدولي لا يقبل الخطأ والرهانات السياسية والأمنية التي تمس الجزائر بشكل مباشر أو غير مباشر كبيرة وربما غير مسبوقة. بعد الأمريكيين الذين أطنبوا في إعلان ثقتهم في مسار الإصلاحات التي أعلن عليها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، جاء الدور على الاتحاد الأوربي، بحيث أثنى المفوض ستيفن فو، المكلف بالتوسيع وسياسة الجوار، على إصلاحات بوتفليقة مؤكدا بأن الاتحاد الأوربي يدعم هذه الإصلاحات ويتمنى أن تكون في مستوى تطلعات الشعب الجزائري، وجاء ذلك على هامش اتفاق الجزائر والاتحاد الأوربي على إنشاء لجنة للحوار السياسي. هذا الدعم يكتسي أهمية كبيرة من حيث أنه يؤشر ربما لرضا خارجي، السلطة بحاجة ماسة إليه في ظل سيناريو »التثوير« الذي يغرق العالم العربي في حركات احتجاجية، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمباركة أمريكا لها، وإن حاول من جهة أخرى نفي أي علاقة لواشنطن بما يحدث في بعض الدول العربية من عنف تجاوز حدود المعقول ليغرق دولا مثل ليبيا في حرب أهلية طاحنة قد تفنيها من الوجود. لقد وفرت السلطة كل الأسباب التي تسمح بإبراز نواياها الحسنة في الذهاب بعيدا في الإصلاحات. فرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي كلف منذ أكثر من أسبوعين بقيادة الحوار مع الأحزاب والشخصيات الوطنية حول الإصلاحات السياسية والدستورية التي وعد بها الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير للأمة، باشر مهمته الجديدة بدء من أمس، ويرافقه في عمله كل من الجنرال محمد تواتي، الذي توارى عن الأنظار منذ فترة، ومستشار الرئيس، القيادي في حركة النهضة الوزير السابق محمد علي بوغازي. ويبدو أن قرار تعيين هاتين الشخصيتين يأتي لتأكيد نية السلطة في إنجاح الإصلاحات ومدها بالكادر المطلوب للوصول بها إلى أهدافها، ومن ثمة الوصول إلى إقناع بعض تشكيلات المعارضة التي لا تزال تتخوف من وجود نية حقيقية لدى صناع القرار للذهاب إلى عملية إصلاح حقيقي، وليس مجرد إصلاح صوري، ويبدو أن اختيار الجنرال تواتي المحسوب كما هو معروف على تيار »الجانفيين« الذين أوقفوا المسار الانتخابي في جانفي 92، جاء تلبية لمطالب بعض القوى السياسية، خصوصا جبهة القوى الاشتراكية التي تطالب بضرورة مشاركة المؤسسة العسكرية التي تصفها بالسلطة الفعلية في أي حوار للوصول إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، وأما تعيين بوغازي فإنه يستجيب فقط للأمور تقنية، فالرجل يحظى بثقة رئيس الجمهورية بصرف النظر عن اللون السياسي الإسلامي الذي يحمله. والملاحظ أن شروع فريق بن صالح في محاورة الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية يتزامن مع تواصل التصعيد في عدد من القطاعات خصوصا قطاع الصحة الذي وصلت فيه الصراعات مع الوزير جمال ولد عباس ذروتها، فالزيادات التي أقرتها الوزارة لم تقنع الأطباء بمختلف فئاتهم، وتهديدات الوزير بفصل المضربين لا يبدو أنها ستجدي نفعا، علما أن إضراب أصحاب المآزر البيضاء ضاعف من معاناة الجزائريين وزاد من مآسي المرضى في قطاع يوصف على أنه منهك ومريض منذ سنوات. وتجدر الإشارة أنه بالتوازي مع الشروع في عملية الحوار التي تعتبر أساسية وحاسمة في تحديد طبيعة الإصلاحات التي سوف تفضي إليها، تعج الساحة السياسية بنقاش محموم حول النظام الدستوري الذي يلائم الجزائر. ففي الوقت الذي يطالب فيه العديد من الوجوه المعارضة بنظام برلماني، ويعتقد البعض بأن الرئيس بوتفليقة قد لمح إليه في خطابه للأمة، يصر البعض الأخر بأن النظام الرئاسي هو الخيار العقلاني، فالنظام الرئاسي، وخلافا للنظام البرلماني، يوفر الاستقرار السياسي الذي يعتبر أساسي خاصة في الجزائر التي تخرج لتوها من أزمة خانقة ومتعددة الأوجه. ويرى بعض أنصار هذا الطرح أن النظام البرلماني يتطلب ثقافة ديمقراطية، وتقاليد ممارسة ديمقراطية طويلة هي غير موجودة حاليا في بلد مثل الجزائر، وهو الموقف الذي تبناه رئيس الغرفة السفلى عبد العزيز زياري، ويشار إلى أن حزب جبهة التحرير الوطني يراهن كثيرا على نجاح الإصلاحات وهو ما أكد عليه أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم من بوسعادة حيث دعا مناضلي الحزب العتيد إلى المشاركة الفعالة في إنجاح مشروع يراهن عليه الجميع من أجل ضمان انتقال سلس وسلمي نحو مرحلة جديدة تتكرس خلالها الديمقراطية وتتوسع فيها الحريات، علما أن نجاح هذه الإصلاحات يعد خيارا لا غنى عنه إذا كانت الجزائر تريد فعلا تفادي السقوط في وحل »الثورات المصطنعة« التي تغزو بعض البلدان العربية على غرار ليبيا. الحديث عن جماهيرية القذافي يقودنا إلى الوقوف عند مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالمخاطر التي أصبح يمثلها الوضع في ليبيا على دول المنطقة وفي مقدمتها الجزائر، فتراجع المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا عن التحرش بالجزائر، حسب ما تناقله عضو في المجلس الذي أكد رغبة المجلس في بناء »علاقات أخوية« مع الجزائر، من دون الاعتذار عما بدر من هذا المجلس فيما يتعلق باتهام الجزائر بدعم القذافي بالسلاح والعتاد والمرتزقة، ربما يخفي حسابات أخرى تتعلق بالجزائر ومواقفها. والمؤكد أن ما يهم دول الساحل التي اجتمعت في باماكو ليست أولائك الذين يتحدثون باسم »ثوار ليبيا« الذين يقلقلهم أن تفضح الجزائر العلاقة الموجودة بين التمرد المسلح في جماهيرية القذافي والنشاط الإرهابيين، وتركيز النقاش خلال اللقاء الذي ضم وزراء خارجية الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، على دور النزاع في ليبيا في تسليح تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وتوسيع نشاطات هذا التنظيم الذي وجد في المحنة الليبية موطئ قدم لتوسيع نفوذه وتجنيد عناصر جديدة وإعادة تنظيم نفسه. لقد شكّل لقاء باماكو، الذي تقرر فيه تكوين قوة من 75 ألف جندي تتكفل بحماية حدود دول الساحل الصحراوي من التهريب والنشاط الإرهابي، سانحة أخرى لتمتين عملية التنسيق الأمني، فالخطر الذي تمثله القاعدة، واحتمالات قيامها بعمليات انتقامية بالمنطقة تدفع بكل دول الساحل إلى التحرك وعدم البقاء على الحياد، فضلا على أن ما يجري في ليبيا له تأثيراته المؤكدة على أمن واستقرار دول الساحل الصحراوي، ووصول أسلحة ثقيلة إلى معاقل الإرهابيين، منها صورايخ أرض جو »سام 7« يشكل تهديدا داهما على المنطقة. وتواصل الجزائر من جهتها معالجة معضلة الإرهاب، وقد بات لزاما، بالتوازي مع عملية الإصلاح السياسي، تفعيل المسار الأمني والبحث عن جرعة جديدة لتفعيل المصالحة الوطنية، وضمن هذا السياق كشف الشيخ هاشمي سحنوني والداعية السلفي عبد الفتاح بن زيراوي في بيان لهما، استنادا إلى مصادر من رئاسة الجمهورية، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيوقع على مرسوم يقضي بالإفراج عن نحو سبعة آلاف سجين من المحكوم عليهم في قضايا متصلة بالإرهاب، وسارع رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني إلى مباركة المبادرة، في وقت استغل فيه مروان عزي الفرصة ليتبنى مشروع جديد لتفعيل المصالحة الوطنية. والمؤكد أن هذه الجرعة سوف تفتح الأبواب على مصراعيها أمام النقاش حول الخيارات المتاحة أمام الرئيس بوتفليقة لطي الملف الأمني بشكل نهائي، وهل المبادرة سوف تقتصر فعلا على المساجين الذي تلقى الكثير منهم منذ مارس الفارط زيارات لأئمة فوضتهم السلطات، عرضوا عليهم التوقيع على وثيقة بعدم العودة إلى النشاط الإرهابي، مقابل إخلاء سبيلهم واستفادتهم من العفو الرئاسي، أم ستتوسع العملية لتشمل المسلحين الموجودين في الجبال؟، ثم ألا يتعلق الأمر بعفو شامل، في وقت يعتقد فيه الكثير من المراقبين بأن الوقت ربما هو ملائم لإقرار هذا الخيار.