تباينت مواقف الطبقة السياسية في الجزائر من خطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي وجهه للشعب مساء الجمعة الماضي، بين مؤيد لجملة القرارات والإصلاحات السياسية المعلن عنها، وبين متحفظ ومطالب بمزيد من التوضيحات والجداول الزمنية المرتبطة بتنفيذ الوعود المعلن عنها، وإن كانت معظمها أبدت تثمينها وارتياحها لما جرى الكشف عنه على لسان القاضي الأول في البلاد . مهري: الخطاب يحتاج إلى قراءة معمقة قال عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، إن خطاب الرئيس حصر في تقديم إصلاحات تخص أساسا تعديل النصوص، وأكد أن خطابه تجاهل حقيقة كبرى ممثلة حسبه في ''عجز نظام الحكم'' الذي تكمن مساوئه في ممارسات النظام وقواعد عمله المتسترة أكثر مما هي ناشئة عن النصوص سواء تعلق بالدستور أو القوانين''. وأوضح مهري، أمس، كرد فعل له عن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة في خطابه للأمة، أن مضمون الخطاب كان يلتصق أكثر بالواقع السياسي لو جاء تتويجا لنقاش وطني عميق واستشارات واسعة بين كل الذين يدعون بصفة أو بأخرى لمساندة مسيرة الإصلاح والعمل على إنجاحها''. ويرى مهري أن الاعتقاد السائد هو أن الإصلاح يكون أسلم كلما كان بعيدا عما تفرزه أو تطرحه الساحة السياسية، في إشارة إلى تغييب مختلف الفعاليات السياسية وإشراكها في هذه الإصلاحات، وأشار مهري إلى أن خطاب الرئيس بحاجة إلى قراءة معمقة لمقارنته بما يطح إليه الشعب الجزائري وتطرحه الساحة السياسية. حمس تثمّن وتطالب بتحديد سقف زمني من جهتها، ذكر بيان لحركة مجتمع السلم أنها تثمن من حيث المبدأ ما بادر به رئيس الجمهورية في خطابه الأخير وتبارك شجاعة الإعلان عن سلسلة الإصلاحات المأمولة، وتثمن قرار فتح النقاش الوطني. كما أبدت حمس إقرارها بواقعية الإنجازات المحققة خلال العشرية الماضية متمسكة في الوقت نفسه بقناعتها القائمة على أن الإصلاح السياسي هو مفتاح جميع الإصلاحات المرتقبة. في حين دعت الحركة إلى تحديد سقف زمني وتحديد آليات لتطبيق الإصلاحات المعلن عنها بصفة عاجلة لتجنيب الجزائر السقوط في توترات جديدة. الأرندي يعتبر الخطاب أجوبة لتطلعات الشعب التجمع الوطني الديمقراطي لم يحد كثيرا عن شريكه في التحالف حركة حمس، حين ثمن ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية، حيث عبر حزب الوزير الأول عن ''ارتياحه أمام طابع الاستمراريةئوالشمولية الذي ميز هذه الرسالة سواء فيما يتعلق بتعزيز التتنمية وتعميق إصلاح الدولة أو فيما يخص إكمال بناء الصرح الديمقراطي والتعددية السياسية''. وقد أكد الناطق الرسمي للحزب، ميلود شرفي، قناعة تشكيلته السياسية بأن ما أعلنه الرئيس بوتفليقة من ''قرارات وورشاتئ تشكل أجوبة فعالة لتطلعات غالبية شعبنا''. حزب العمال: الخطاب خال من القرارات ثمن القيادي في حزب العمال، جلول جودي، الجانب الاقتصادي الذي ورد في خطاب رئيس الجمهورية الموجه ل''الأمة''، والمتمثل في الرجوع إلى تدعيم الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى ''النوايا الحسنة'' للرئيس في طرح جملة من الإصلاحات السياسية، مؤكدا على ضرورة الذهاب بعيدا في إصلاحات سياسية من شأنها أن تعيد احترام السيادة والإرادة الشعبية. وأكد المتحدث في قراءة أولية لخطاب رئيس الجمهورية، أن هناك ''نوايا'' حسنة في إحداث إصلاحات سياسية، أهمها فصل المال والأعمال عن السياسة، إلغاء تجريم الكتابة الصحفية. كما أشار جودي إلى ما وصفه بالتناقض في خطاب الرئيس، متسائلا كيف يمكن الرجوع إلى البرلمان لإقرار التعديلات الدستورية، في الوقت الذي يعترف بعدم شرعية الهيئات المنتخبة. كما أوضح أن خطاب رئيس الجمهورية جاء خاليا من القرارات التي كان ينتظرها حزب العمال، أهمها الذهاب إلى مجلس تأسيسي وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، مع ضرورة إلغاء الحظر على المسيرات في الجزائر العاصمة. الإصلاح: الخطاب جاء موافقا لرؤيتنا في التغيير الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، جمال بن عبد السلام، أكد أن حركته تلقت خطاب رئيس الجمهورية ب''انتباه'' كبير، حيث سجلت الحركة ارتياحها لعدة نقاط، كما طرحت رؤيتها بخصوص تجسيد هذه الإصلاحات، حتى لا تتحول هذه ''الوعود'' إلى مسكنات ظرفية لربح الوقت وتهدئة الساحة. واعتبر بيان الإصلاح أن مبادرة الرئيس جاءت في وقتها كونها طرحت سلة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة أنها من المطالب التي ظلت الحركة تطالب بها، وأن الإصلاحات المرتقبة جاءت بنسبة كبيرة موافقة لرؤية ومقترحات الحركة في التغيير، بالإضافة إلى استجابة الرئيس لدعوة ضرورة إشراك الطبقة السياسية، وجميع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، قبل الإقدام على أية إجراءات بشكل انفرادي. كما استحسن بن عبد السلام خلو خطاب الرئيس من التهجم على أية جهة، واستيعابه شرعية المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتركيزه على تجنيب الجزائر المزيد من الدماء والدموع. النهضة: الرئيس اتخذ قرارات إصلاحية ''شجاعة'' اعتبرت حركة النهضة جملة الإصلاحات السياسية والقانونية التي اتخذها القاضي الأول في البلاد ''شجاعة'' وتنسجم مع التعهدات التي تقدم بها سابقا إلى الشعب الجزائر. وقالت الحركة، في بيان لها، إنها ''تلقت خطاب رئيس الجمهورية إلى الأمة بنظرة إيجابية'' بخصوص جملة الإصلاحات السياسية والقانونية في مختلف القوانين المسيرة لأجهزة الدولة، مبرزة أن استجابة الرئيس للمطلب الشعبي الذي دعت إليه الحركة والطبقة السياسية من أجل تجنيب البلاد مخاطر انزلاق هي في غنى عنه، هو ''اعتراف ضمني بفشل مختلف القوانين والآليات الموجودة حاليا لدفع البلاد نحو الاستقرار والتقدم والرقي''. وطالبت الحركة بوضع آليات واضحة المعالم لتحقيق إصلاحات الرئيس والذهاب إلى عمق التغيير ووضع جدول زمني لتحقيقها. جاب الله: الخطاب لم يكفل الحق في تأسيس الأحزاب من جهته أكد عبد الله جاب الله ل''البلاد''، أن خطاب الرئيس على الرغم من أنه تحدث صراحة عن حاجة الجزائر الملحة إلى إصلاحات عميقة وإبانته عن إرادة عميقة بما يخدم الديمقراطية النيابية عبر التعديلات التي ستضفى على الدستور وقانون الانتخابات، إلا أن الخطاب لم يكفل الحق في تأسيس أحزاب جديدة وهو ما يتعارض ونهج الديمقراطية النيابية. واحتاج الخطاب إلى تكريس أكبر لمبدأ توازن السلطات. كما رأى أن هذه التعديلات المقررة يجب أن تقوم على مراعاة ثوابت المجتمع الجزائري وألا تبقى مفتوحة على كل الخيارات، وأضاف إلى أن الرئيس لم يأت على ذكر الضمانات التي من شأنها تحمي الحريات الفردية والجماعية في إطار دولة القانون. وفي السياق نفسه قال جاب الله إن الخطاب اكتنفه الغموض فيما يخص قوانين الانتخابات التي أكد أنها تحتاج إلى توضيح أكبر، مبينا أن النظام البرلماني الذي أشار إليه الرئيس في خطابه بديل للنظام الحالي يبقى أقل الأنظمة ضررا بالنسبة لتطبيقه على الجزائر. وأشار جاب الله إلى أن خطاب الجمعة أغفل الحديث عن الحراك الاجتماعي المتزايد، كما سجل غياب الملف الاجتماعي عن كلمة الرئيس. مقري: الخطاب لم يحمل رؤية واضحة للإصلاح وبعيدا عن موقف حركته، أكد عبد الرزاق مقري نائب رئيس حمس أن خطاب الرئيس تضمن إجراءات مهمة كفتح ورشات لمراجعة الدستور وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الجمعيات وفتح مسار للحوار بين الأحزاب ورفع العقوبات عن الإعلاميين، غير أنه أبدى تخوفا من صيغة الخطاب الذي قال إنه لم يحمل رؤية خاصة به للإصلاح، وإنما رمى الكرة في ساحة الطبقة السياسية للنقاش بينها عكس ما حدث حينما أراد الرئيس جعل اللغة الأمازيغية لغة وطنية. وأضاف مقري أن الرئيس لم يحدد إطارا زمنيا للإصلاحات رغم أنه صرح بأنها ستتم قبل الانتخابات التشريعية المقبلة مما يعطي الانطباع بأن هذا المشروع قد يكون مجرد ربح للوقت لفتح مسار طويل لا يعبر عن إرادة سياسية حقيقية للإصلاح. وأضاف مقري أنه يتخوف من أن فتح النقاش في شكل لجان يشارك فيها ثلاثون حزبا سيقود للتمييع الذي وقع في مسار الحوار الوطني حول قانون الأحزاب وقانون الانتخابات الحاليين. محمد السعيد: لا بد من مواصلة الضغط الشعبي لتحقيق التغيير مرشح الرئاسيات الأخيرة محمد السعيد فضل التعليق على خطاب الجمعة بتوجيه دعوة إلى الجزائريين من أجل ما أسماه مواصلة الضغط على السلطة لأجل تحقيق التغيير السلمي، مشككا في نية الحكومة المضي في هذه الإصلاحات. وقال بيان صادر عن حزب العدالة والحرية غير المعتمد إن الإصلاحات المعلنة توحي بأنها جاهزة منذ الآن، واعتبر أن توسيع الاستشارة لا يجب أن يكون شكليا غايته إعادة إخراج النظام في حلة جديدة، على حد تعبيره. واعتبر البيان أن حث الرئيس للأحزاب على العمل في إطار الدستور والقانون قفز فوق الحقيقة، محملا السلطة مسؤولية تجاهل الدستور والقانون ومنع تأسيس الأحزاب دون مبرر قانوني، مضيفا أن الإعلان عن الإصلاحات دليل على أن بلادنا تعيش أزمة سياسية ومن مظاهرها الاحتجاجات الشعبية. وخلص إلى القول ''مهما كانت النوايا المعلنة أو الخفية فإن الجزائريين مدعوون إلى العمل من أجل الإبقاء على تجنيدهم في هدوء وانضباط إلى أن يتحقق التغيير السلمي الذي يرفضه.