هل تحدث مواجهة واسعة بين الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين وغير الغربيين من جهة وبين وإيران ومن يساندها من جهة أخرى حول الملف النووي، أم أن الضربة المصمَّمة لإيران ستكون محدودة والرد عليها سيكون محدوداً أيضاً؟ سؤال تطرحه الأحداث بقوة بعد التصريحات الاستفزازية "الإسرائيلية" والأميركية والرد الإيراني المحتمل عليها، وبعد مناورات سلاح الطيران الإسرائيلي في البحر الأبيض المتوسط بين تونس واليونان وتدرّبه على العلمية المقصودة، وإعلانه عن صنع طائرة تجسس متطورة تستهدِف إيران بالذات وتساعد على التحكم والسيطرة وتنفيذ ما هو مقرر ضدها من هجوم عليها، وبعد التجارب الإيرانية لصواريخ: زلزال، وفاتح، وشهاب 3 وإطلاقها طوربيداً متقدم القدرات قالت إنه من نوع لا تملكه إلا هي ودولة أخرى في العالم لم تسمها؟! وهل تخفيف حدة الكلام حول توجيه ضربة لإيران من جانب وزير الدفاع الأميركي ومن ثم البيت الأبيض وناطقين صهاينة بعد تجارب الصواريخ الإيرانية مجرّد مناورة كلامية لكسب الوقت وللتمويه على المخططات والنوايا، أم أنها نتيجة لحسابات جديدة بعد الإطلاق المشار إليه وبعد تصريحات قادة إيرانيين قالوا إن ما تعرفه الولاياتالمتحدة وصنيعتُها " إسرائيل" عن قدرات إيران العسكرية هو طفيف للغاية، أو " غيض من فيض" على حد تعبير القائد الإيراني صاحب التصريح المشار إليه؟ ما من شك في أن توجيه ضربة لمنشآت إيران النووية أحد الخيارات الأولية بل المحسومة لدى الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي ومن يسيرون في ركب السياسة الأميركية، وهي في صلب الاستراتيجية الأمنية الثابتة للكيان الصهيوني حتى في حال التوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي بين ما يسمى المجتمع الدولي وإيران، ذلك لأن الضربة المبيَّتة التي يجري التدرّب عليها والترتيب العسكري لها وتهيئة المناخ الدولي بشأنها تشكل عاملاً حيوياً لأمن الكيان الصهيوني الذي اعتاد على أن يقوم بعمليات استباقية في هذا المجال منها ضرب مفاعل تموز العراقي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وما توهم أنه منشأة نووية سورية قرب دير الزور عام 2008.. لأنه يحرص على تفوّق نوعي على كل الدول العربية والإسلامية في المجال العسكري، ولا يسمح بامتلاك سلاح نووي في منطقة يرى أنه القوة المهيمنة فيها وصاحبة حق غير منازع في امتلاك أسلحة نووية لا يفتَح ملفها أبداً، ولا يريد أن ينافسه أحد في هذا المجال أو سواه من مجالات امتلاك التقنية والقوة، ويتمتع بدعم وتغطية سياسية ودبلوماسية وعسكرية في هذا المجال وسواه من مجالات الإرهاب والعدوان والتوسع من الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي على الأقل.. عدا من هم في فلكها القريب والبعيد. ولم يعد السؤال بتقديري: هل سيكون هناك عدوان صهيوني أميركي على إيران أم لا .. بل متى يكون وكيف، وما نوع الرد عليه ومدى اتساعه.. وهل ستكون حرب في المنطقة من بعد أم مجرد ردود أفعال على عمليات محصورة النطاق؟ إن العدوان واقع لأن هدفه القضاء على طاقة إيران النووية، ولو أن الضربة التي يُخطَّط لتوجيهها لإيران كفيلة بالقضاء على كل منشآتها النووية لنُفِّذَت منذ زمن وقبل أن تتعاظم بعض قدرات إيران العسكرية، ولكن إيران وزعت منشآتها النووية في أماكن مختلفة من البلاد حيث يصعب الوصول إليها جميعاً في ضربة واحدة أو في ضربات متلاحقة، وهي تملك قدرات عسكرية متطورة قادرة على الحماية من جهة وعلى أن تلحق خسائر وأضراراً فادحة بالكيان الصهيوني وبالمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وفي أماكن أخرى من العالم.. ولهذا تجري حسابات دقيقة للعملية ويُعاد النظر في ترتيباتها في ضوء المعلومات المستجدة والنتائج المحتملة والقراءات المتعددة للحدث وما سيترتب عليه من أحداث وتطورات في المنطقة وداخل الولاياتالمتحدة الأميركية وفي الكيان الصهيوني تحديداً.. مع ملاحظة الموقع الاستراتيجي لإيران في مضيق هرمز الذي تمر منه معظم ناقلات النفط وما يمكن أن يصيب تلك المادة الحيوية في حال جرى تحرك عسكري إيراني نشط في الخليج بعد عملية من هذا النوع، وحساب ما يمكن أن تقوم به المقاوَمة التي تستهدف الاحتلال الصهيوني والأميركي في كل من العراق وفلسطين ولبنان في هذه الحالة، حيث يمكن أن تقف إلى جانب إيران المستهدَفَة من عدو مشترك لهما هو الاحتلال. إن قرار توجيه الضربة العسكرية لإيران أمر محسوم في الدوائر الاستعمارية والصهيونية، وكان الحديث يدور في السابق حول قيام إدارة بوش بتنفيذها، ثم تحول الأمر إلى أن يقوم بها الكيان الصهيوني بتنفيذها مع تغطية أميركية شاملة عبرت عنها كونداليزا رايس بوضوح وهدد بها باراك علناً.. والمسألة مسالة وقت وترتيبات من وجهة نظري، لأن إيران تجاوزت الحدود المسموح بها صهيونياً وأميركياً فيما يتعلق بامتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية أو لأغراض أخرى بعد تمكّنها من تخصيب اليورانيوم بقدرات ذاتية خالصة، وتقدمها التقني في مجال صناعة الصواريخ طويلة المدى " 2000كم لشهاب 3 " وأسلحة وذخائر ومعدات وتجهيزات أخرى، الأمر الذي يجعلها قادرة على حماية نفسها وثرواتها، ومنافساً خطراً، أو لاعباً ينبغي القضاء عليه إذا لم يتم احتواؤه تماماً. إن كلاً من الجانبين الأميركي الصهيوني والإيراني يدرك أن المفاوضات والعقوبات والضغوط الدولية المختلفة والحوار المتصل مع سولانا حول الملف النووي الإيراني، وتوظيف المؤسسات والهيئات الدولية وزجها في هذا المجال.. كل ذلك يدخل في الترتيب للعملية الأمنية الاستراتيجية التي تهدف إلى القضاء على طاقة إيران العلمية بكل أشكالها وشل تطبيقاتها وفعالياتها، والقضاء على قدراتها القتالية، والسيطرة على قرارها فيما يتعلق بثروتها النفطية، ووضع حد لالتزامها المبدئي في الموقف من الصراع العربي الصهيوني ومن وجود إسرائيل وتوسعها واحتلالها القدس. وحين تصبح إيران الثورة الإسلامية في مواقع ومواقف مغايرة لمواقفها ومواقعها الحالية، أي في مواقع ومواقف حليفة للصهاينة وللغرب كما كان عليه وضع إيران في عهد الشاه أو في وضع قريب من ذلك الوضع فإنها ستحظى بمعاملة مغايرة وعناية خاصة، ولكن بعد شطب قدراتها النووية والعسكرية في أي حال من الأحوال.. فالصديق الجيد للغرب والصهيونية هو صديق ضعيف متخاذل راكع خاضع.. تماما مثلما العربي الطيب عند اليهود هو العربي الميت. من المسلم به أن مواجهة بين إيران والكيان الصهيوني ومن خلفه الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي ستنتشر نارها وشرورها أبعد من المواقع التي يُراد حصرها فيها، وعند ذلك سينال الكيان الصهيوني نصيب كبير من الرد الإيراني العنيف ومن غضب المقاومة ولكن المنطقة بأكملها سوف تدفع ثمن عنف بغيض سببه الغطرسة وانعدام الحس بالعدالة.. إن المواجهة المحتمَلَة ستنعكس على معظم مناطق العالم من حيث ارتفاع تكاليف المعيشة وسعر النفط الذي يتجاوز اليوم 141 دولاراً للبرميل الواحد.. ولكن من يسأل في هذا العالم المنتَهَك عن النتائج والتكاليف والأضرار والأسعار والأعمار.. حين يتعلق الأمر بالصهيونية التي تتحكم بعقول غربية وغريبة وتأمرها فتطيع؟ من يقول للكيان الصهيوني مثلاً إن ملف إيران النووي قضية مطروحة للمعالجة بقوة وحزم ورغبة في الحسم ولكن ماذا عن الملف النووي الإسرائيلي؟ إنهما ملفان يحتاجان إلى المعالجة مع التنويه بالمخاطر الشديدة للسلاح النووي الإسرائيلي.. إن الملف النووي الإسرائيلي يهدد العرب والمسلمين، وإسرائيل تمتلك أسلحة دمار شامل محرمة دمر بذريعتها العراق.. فلماذا لا يعالج هذا الملف بالقوة ذاتها وبالتزامن مع الملف الإيرايني؟! إن بلداناً عربية مثل لبنان وسورية معرَّضة للخطر في هذه المواجهة التي سببها الكيان الصهيوني وأطماعه غير المحدودة، وستكون منطقة الخليج العربي بؤرة من بؤر الاستهداف لأن فيها قواعد وبوارج حربية وحاملات طائرات ومواقع عسكرية ومناطق حيوية للولايات المتحدة الأميركية، وفيها قوات غربية قد ستشارك في الحرب لحماية " إسرائيل" وتنفيذ خططها العدوانية في المنطقة.. فهل سيكون للعرب موقف يتجاوز الصراخ والاحتجاج إذا ما وقعت حرب في المنطقة وانتشر شررها وأخذ يحرق من بلدانهم بقعة بعد أخرى.. هل سيكون لهم موقف ما أم أنهم سوف يساهمون في المجهود الحربي الأميركي كالعادة بذريعة أن الولايات الأميركية تحميهم وتقاتل من أجلهم، فهي تدافع عن حلفائها ومنهم عرب في مواجهة يُحشَد بعضُهم لها منذ زمن بذريعة مخاطر المفاعل النووي الإيراني مع شطب ضرر المفاعلات النووية الإسرائيلية لأنها مفاعلات صديقة يتسرب منها إشعاع صحي يستخدم للاستشفاء؟ هناك ملفان نوويان في المنطقة.. أحدهما ينتج السلاح النووي والآخر في طور التكوين، فأي الملفين هو الأخطر والأولى بالمعالجة؟ العالم يصمت ويتابع ويستكين، والحرب تنذر بالخطر، والدول العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تبحث عن مصالحها وتقايض مواقف بمواقف ومصالح بمصالح.. ولا يوجد من يرفع صوته من أجل الحق والعدل والسلام.. من أجل السيادة والاستقلال والحرية.. من أجل المساواة بين الأفراد والشعوب والدول في الحقوق والواجبات. الانحياز للقوي ظاهرة بشرية ليست جديدة ولكن الجديد في هذا العصر هو انعدام الصوت الآخر الذي ينصر الضعيف أو ينظر بعدالة للأمور أو يقول لا لمن يخرق مركباً يضم الناس كافة ولا يسأل عن نتائج إغراقه.. ولا يأخذ على يد المعتدي والأحمق والشرير ومن يريد أن يحرق العالم ليكسب أكثر ويحكم أطول ويبقى سيداً قوياً وآمراً مطاعاً وجشعاً بلا حدود وفوق الأخلاق والقوانين والديانات والناس.. تلك قضايا لا يهتم بها المجتمع الدولي المحكوم بهوس القوة ومصادر الطاقة ومناطق النفوذ، بينما يموت الناس جوعاً ولا تجد مئات ملايين البشر لقمة العيش.. أي عالم وأية عدالة وأية مؤسسات تحكمه وترعى شؤون الناس فيه؟.