تدل المراجعة البسيطة لمعظم -إن لم يكن كل- التحليلات الخاصة بالعلاقات الإيرانية-الأميركية على غلبة محور محدد ألا وهو كيفية إدارة العلاقات بين الطرفين في ظل نمط معين من أنماط التسوية المستمرة، وهو الأمر الذي خلق نوعا مما يمكن تسميته ب ''ثقافة التسوية'' التي أصبحت الإطار الوحيد لرؤية حركة الواقع، ضمن مجموعة من الأحداث المتفرقة منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، وفي مقدمة هذه الأحداث مداهمة السفارة الأميركية في طهران واحتجاز موظفيها الأميركيين العام .1979 وقد تمكن الطرفان في كل مناسبة من خلق ميكانيزمات جديدة للتكيف مع أي معطى مفاجئ أو تغير طارئ، ما أرسى بين الطرفين شكلا من أشكال التعايش السلمي المحفوف بالحذر بحكم حالة عدم الثقة السائدة. ولكي يمكن النظر إلى مستقبل هذه العلاقة نظرة خارجة عن هذا الإطار بين معسكرين متناقضين على مستوى عدة أصعدة، يجدر بنا أن ننطلق من نقطة محددة، وهي التمييز بين قوة ''الحدث'' وقوة ''الاتجاه''، وهذا التمييز يستدعي أيضا مستوى آخر هو التمييز بين الاتجاه السطحي وبين الاتجاه الحقيقي. فلو عدنا مثلا إلى الوراء أيام كانت الجمهورية الإسلامية تحت إمرة آية الله الخميني ومع تصاعد «نظرية الشيطان الأكبر»، لكان من المفروض أن نتنبأ بحرب بين الطرفين في ذلك الوقت، وهو ما لم يحدث -لعدة أسباب لا يتسع المجال لذكرها- منها فقط نشوب الحرب العراقية-الإيرانية التي كان يقول كيسنجر دائما إن بلاده تنتظر أن تكون نتيجتها منهزمين وليس منهزما واحدا، وهو الأمر الذي يقودنا إلى الاعتقاد بأن الإطار الحالي للعلاقات بين الجانبين لن ينتهي عند حدود ما تروج له ''ثقافة التسوية» السائدة حاليا. كل هذا يدفعنا إلى طرح موضوع لم يعد خافيا على أحد، وهو الحرب المقبلة بين إيران والغرب، وأعتذر مسبقا لاستعمال كلمة ''الغرب'' التي ليست موقفا إيديولوجياً، بل مجرد تقسيم جغرافي أواستراتيجي يقصد به أميركا وإسرائيل والدول الحليفة لهما. غير أن الحرب المقبلة تحتاج إلى ظرف موضوعي يحتضنها، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال 10 احتمالات نرى أنها كافية لإشعال الحرب الرابعة في الخليج وهي كالتالي: 1 - قيام نوع من التوازن الاستراتيجي بين إيران وإسرائيل. 2 - تزايد الثقة بضرورة شن الحرب وكسبها. 3 - قيام حكومة أكثر عداء لإسرائيل في لبنان. 4 - قدرة الطرف الإسرائيلي على اتخاذ قرار الحرب بصورة منفردة. 5 - مدى حرية تحرك سوريا تجاه إيران. 6 - تحديد دول الخليج لموقفها النهائي من إيران. 7 - فشل كل المساعي الدبلوماسية وسقوط خيار العقوبات. 8 - مدى حرية الرئيس الأميركي في اتخاذ قرار الحرب. 9 - تحرك النخب الداخلية في إيران بشكل فاعل. 10 - إصرار الإدارة الأميركية على منع إيران من حيازة أسلحة نووية. وقبل الدخول في شرح تفاصيل الظروف الدافعة للحرب، تجدر الإشارة فقط إلى أن نسبة تحقق أي من هذه الاحتمالات تتفاوت زمنيا، فبعضها قد لا يحدث في مدى زمني بعيد أو مباشر، وبعضها قد لا يحدث إطلاقا، كما أن ترتيبها في هذه الورقة لا يدل على درجة احتمال حدوثها. 1 - قيام نوع من التوازن الاستراتيجي بين إيران وإسرائيل نجحت إيران أكثر من مرة في اختبار صواريخ جديدة متوسطة المدى قادرة على بلوغ إسرائيل وجنوبي أوروبا، وقد أصبحت ترسانتها الصاروخية تشكل هاجسا حقيقيا لدول المنطقة وعلى رأسها إسرائيل التي ترفض أي نمط من أنماط التوازن الاستراتيجي مع كل من ترى أنه يشكل خطرا على أمنها. وهو سبب كاف لإعلان الحرب. ومع أن إيران تقول إن برنامجها الصاروخي أهدافه علمية وأمنية ودفاعية، لكن الغرب يخشى أن تستخدم الصواريخ لنقل رؤوس نووية، خاصة إذا ما توصلت إيران إلى اكتساب هذه التكنولوجيا. ويعتقد البعض أن عدد التجارب الصاروخية والمناورات سواء التي قامت بها إيران أو إسرائيل وحليفاتهما في المنطقة ليست بديلا عن الحرب وإنما مقدمة لها. وحسب التقدير الاستخباري الإسرائيلي للعام 2009-2010 ''إيران قريبة جدا من امتلاك قدرة نووية عسكرية'' و ''ثمة خطر في العام 2010 لحصول تصعيد خطير». وبينما تضغط الولاياتالمتحدة على إيران بشأن برنامجها النووي، وهي التي بررت الحرب على العراق بزعم امتلاكه أسلحة دمار شامل، ضاعفت إسرائيل ترسانتها النووية من 13 قنبلة نووية عام 1967 إلى 400 قنبلة نووية وحرارية طبقا لتقرير نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية في أكتوبر .2003 وحتى نفهم نظام التوازن الاستراتيجي في المنطقة، يكفي فقط أن نشير إلى مقولة أحد السياسيين الإسرائيليين ذات يوم بأن «بناء مدرسة لمحو الأمية في جنوب السودان يعتبر إخلالا بميزان القوى''. فكيف سيكون الوضع وإيران تعلن على الملأ أنها تبني عشرات المواقع النووية؟ إن تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 يدل بشكل واضح على إصرارها على احتكار امتلاك هذا العامل، وعدم السماح بتطوير الطرف الآخر لقدراته في هذا المجال، ما يدفعها للحرب ''الوقائية'' تحت أي بند. و يتعزز السلوك العدواني الإسرائيلي كلما زاد إصرار إيران على امتلاك هذا النوع من الأسلحة. 2 - تزايد الثقة بضرورة شن الحرب وكسبها على خلاف ما يظهره قادة النظام الإيراني من القوة ومن استعراض وسائلها بكل الطرق المتاحة إعلاميا ورسميا، فإن نقطة الضعف الأساسية لدى إيران تكمن في ضعف قدرتها العسكرية على عكس ما تدعيه. يقول عسكريون متابعون للشأن الإيراني إن ''الجيش الإيراني والحرس الثوري مزودان بسلاح قديم. أما السلاح الاستراتيجي المتطور الذي في حوزة الحرس الثوري فلا يؤمن سوى قدرة دفاعية محدودة النطاق فقط''. ويذكرنا هذا الأمر بتهديدات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بحرق إسرائيل واستعمال أسلحة جديدة ومفاجآت و..و.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل إن سقوط بغداد حدث بصورة فاجأت الجميع رغم الحديث الأسطوري عن الجيش العراقي. هذا الوضع يغري بشكل أو بآخر الطرف الغربي على شن الحرب مع تزايد احتمالات كسبها بأقل الخسائر وأخفض التكاليف. ومن بين الأدلة التي تبرز أكثر هذا السيناريو: الاستعداد من الآن بوضع خطط كاملة لكيفية الضربة وتوقيتها والدعم اللوجستي الكافي لتنفيذها وعدد المواقع والأهداف المراد تدميرها والوقت اللازم لإتمامها. بل إن التغييرات في مناصب كبار العسكريين والطلبات الرسمية للمؤسسات الأميركية والإسرائيلية المعنية بالحرب بضرورة توفير الأموال والذخيرة الكافية يعكس في الحقيقة التصميم على خوض الحرب وليس مجرد تكتيكات نفسية كما يهيأ للبعض أنها كذلك. أما الاحتمال الأكثر تأثيرا على الإدارة الأميركية فهو أن يتوصل قادتها العسكريون -خاصة سلاح الجو- إلى «قناعة علمية» بأن باستطاعتهم نسف كل المواقع النووية بأقل الخسائر وأخفض التكاليف وفي وقت قياسي، وهو أمر من المرجح جدا أن يجد قابلية للتصديق والمصادقة عليه من قبل قادة واشنطن السياسيين. لكن يبدو لي أنه قبل أي ضربة لإيران سيعرف المجتمع الدولي مرحلة وجيزة من فرض العقوبات الصارمة والحصار قصير الأمد، الذي سيكون هو نفسه أحد الدوافع الحقيقية وراء اندلاع الحرب، خاصة إذا ما نفذت إيران تهديداتها بغلق مضيق هرمز وهو كما وصفه شاه إيران ب «الشريان الوريدي للغرب». 3 - قيام حكومة أكثر عداء لإسرائيل في لبنان إسرائيل دولة لا تثق بأي ضمانات لأمنها لا تتحكم فيها بنسبة %100، فقد قال موشي دايان ذات يوم إن الأمن بالنسبة لإسرائيل يشبه إلى حد بعيد مسألة شرف البنت في المجتمعات العربية، وبالتالي ليس من السهل على إسرائيل القبول بفض غشائها الأمني والتنازل عن هذا العنصر الحيوي الهام في وجودها وبقائها. أما وجود حكومة أكثر عداء لإسرائيل في لبنان، فلا يعني بالنسبة لإسرائيل إلا شيئا واحدا هو تهديد أمنها، إما بتزايد تهديدات المقاومة بضربها، أو احتمال مؤازرة إيران وسوريا، خاصة بعد زيارة سعد الحريري التاريخية إلى دمشق وإلى طهران أيضا. ضمن إطار الخوف هذا تواجه إسرائيل حاليا خمس جبهات: ثلاثة منها ''جامدة'' (مصر والأردن وسوريا) واثنتان منها جبهات ''غير باردة'' (حزب الله بجنوب لبنان وحماس بغزة). ومع أن جبهة الجنوب اللبناني مجمدة في الوقت الراهن بعد حرب يوليو 2006 التي خرج منها حزب الله أقوى من ذي قبل -على الأقل سياسيا وشعبيا- فإن توتر هذه الجبهة هو الأخطر على المنطقة بحكم العلاقة الخاصة بين إيران وسوريا وحزب الله. وإذا كان هذا الأخير قد خطف شعار التوازن الاستراتيجي الذي فشلت فيه سوريا، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تبقى في موقع المتفرج، خاصة بعد أن خاب رجاؤها في حكومة لبنان الجديدة التي رفضت نزع سلاح المقاومة وأبقت على حق حزب الله في التسلح. وحتى تقطع إسرائيل أواصر هذه العلاقة فقد تندفع نحو الحرب لمنع حزب الله المدعوم من إيران من تحقيق أي نوع من أنواع التوازن في المنطقة. وتتفق الدوائر السياسية في إسرائيل على أن حيازة إيران لسلاح نووي يعني بالضرورة حيازة حزب الله وحماس نفس السلاح. 4 - قدرة الطرف الإسرائيلي على اتخاذ قرار الحرب بصورة منفردة إلى أي مدى تستطيع إسرائيل القفز فوق وثيقة التحالف الاستراتيجي الموقعة بينها وبين الولاياتالمتحدة؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدد ما إذا كان الطرف الإسرائيلي قادرا على اتخاذ موقفا منفردا بدون الاعتماد كليا على واشنطن أم لا؟ فرغم أن إسرائيل نجحت عام 1981 في تدمير المفاعل النووي العراقي الذي كان تحت الإنشاء، فإن كثيرا من المحللين يعتقدون أن المنشآت النووية الإيرانية أكثر بكثير من أن تتولى إسرائيل أمرها بمفردها. ومع ذلك بدا على ساسة إسرائيل نوع من الإحباط نتيجة سياسة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، فقد رأى كثيرون إن صبر إسرائيل على دبلوماسية هذا الرجل في التعامل مع الملف النووي الإيراني قد بدأ ينفذ. ويصر معظم الإسرائيليين -بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو- على أن الهدف الاستراتيجي الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن هو منع البرنامج النووي الإيراني بكل الطرق والوسائل. والحقيقة أن السلوك الإسرائيلي بدأ فعلا في رحلة البحث عن خلق نوع من ''الحادث الاستفزازي'' لشن الحرب على إيران، وتقول تقارير إعلامية إن إسرائيل تقوم بتطوير قدراتها العسكرية بجيل جديد من الأسلحة المصممة لخوض حرب محتملة مع إيران، وتستعد لشراء غواصتين من طراز ''دولفين'' يمكن تزويدهما بأسلحة نووية لضمها إلى ثلاث أخريات في أسطولها البحري، ويتوقع المراقبون أن تضعها إسرائيل قبالة الشواطئ الإيرانية. 5 - مدى حرية تحرك سوريا تجاه إيران تتجه الأنظار الإسرائيلية بشكل كبير إلى اعتبار الرئيس السوري بشار الأسد «سادات جديد» بحكم أنه قد يفاجئ إسرائيل على غرار ما قام به الرئيس المصري الراحل، لتليين العلاقة معها وتوجيهها نحو التسوية بدل الصراع، وأن دمشق تنوي طي صفحة الماضي في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهي مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل مقابل العودة إلى حدود عام 67 وتلقيها مساعدات أميركية سخية. بل إن جهات من داخل النظام السياسي الإسرائيلي بدأت تروج فعليا لأن السلام مع سوريا قد يتحقق قبل السلام مع الفلسطينيين نظرا إلى التعقيدات الكبيرة التي تعتري المسار الثاني. هذا ما يراه الطرف الإسرائيلي، إلى حد ما، أما الطرف السوري فقد توصل إلى قناعة شبه كاملة بأنه لا يوجد طرف آخر حتى تتفاوض معه دمشق، وقد سبق للأسد أن صرح بأن الوسيط موجود والطرف العربي موجود لكن الجانب الإسرائيلي غائب. والحقيقة أن هذا التوجه لا ينفي النظرية الإسرائيلية باستعداد سوريا للتسوية بقدر ما يؤكدها، لكن المعضلة تكمن في مدى بقاء السوريين متمسكين بالتسوية الغائبة، وهو الأمر الذي تحكمه عدة تفاعلات إقليمية أساسها العلاقة مع لبنان وحزب الله وإيران. وتقول بعض التقديرات إن دمشق تخلصت من المقاطعة الدولية التي كانت مفروضة عليها بمجرد الموافقة على جعل المفاوضات مع إسرائيل علنية، وإن دمشق كانت في أوقات ما على استعداد تام لدفع ثمن تجميد علاقاتها مع إيران إذا ما طرح على جدول الأعمال اتفاق سلام يرضيهم. 6 - تحديد دول الخليج لموقفها النهائي من إيران منذ 1991 شاركت دول الخليج، بصورة متفاوتة، في العمليات العسكرية التي قامت بها الولاياتالمتحدة ضد العراق، لكن الأمر يختلف في حالة إيران، لأن كل دول الخليج أجمعت على موقفها الرافض لخيار الحسم العسكري للملف النووي الإيراني، وأعلنت صراحة أنها لن تكون منطلقا لأي عمل عسكري يستهدف إيران. وإذا كانت دول الخليج تخشى من أن يؤدي أي هجوم عسكري على إيران لتعرضها لهجمات انتقامية إيرانية، أو أن تتحول المنطقة إلى ساحة معركة بين إيران والغرب، فإن هذه الدول تؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- أن امتلاك إيران لأسلحة نووية أمر غاية في الخطورة؛ لأنه يهدد أمنها وأمن المنطقة ككل، ولم تخف دول الخليج موقفها الرافض لاحتمالات التوسع الإيراني، وطالبت طهران في قمة الخليج الأخيرة التي جرت بالكويت بأن ترد بإيجابية على مخاوفها وتوضح نواياها الحقيقية من إصرارها على الملف النووي. فإذا علمنا أن مساهمة دول الخليج في الحروب السابقة بالمنطقة لم تتعد أكثر من %30، فإن هذه الدول في الغالب ستحاول الموازنة بين أميركا التي تلتزم معها باتفاقيات دفاع ثنائية، وبين إيران التي تربطها بها علاقات حسن جوار، لكن الذي سيحدد فعلا الموقف النهائي لدول الخليج هو إيران. ماذا تريد أن تفعل الجمهورية الإسلامية بالعنصر النووي؟ ما الضمانات التي يمكن أن تقدمها لدول الخليج؟ كيف ستتمكن طهران من محو صورة النظام العراقي الذي غزا الكويت، وهي صورة يبدو أن ملامحها بدأت تعود للتشكل في الذهنية الخليجية، وتتضح أكثر في الدور الذي يقوم به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حاليا؟ فلا أحد يمكنه أن ينفي أن لدول الخليج مصلحة ما في توجيه ضربة لإيران لتحجيم قوتها التي أصبحت الآن تدعوا إلى القلق في المنطقة. في تقديري، وبالنظر إلى أمثلة سابقة، فإن دول الخليج ستتوصل إلى حل يوازن بين الموقفين المتناقضين بأن ترفض فعلا السماح لأميركا وحلفائها باستخدام أراضيها وأجوائها منطلقا لأي عمل عسكري ضد إيران، وفي الوقت نفسه قد تتيح لهذه القوات استخدام التسهيلات المختلفة في تنفيذ مثل هذه الأعمال. كما أن الذي سيعزز موقف دول الخليج من ضرب إيران هو شكل الضربة ذاتها، إذ تشير العديد من التحليلات والسيناريوهات العسكرية المرجحة إلى استبعاد قيام الولاياتالمتحدة بغزو بري لإيران، وترجح الاعتماد بشكل رئيسي على القصف الجوي المكثف، وهو الأمر الذي قد يستثني أي مشاركة من قبل دول الخليج، بحكم أن مواصفات الطائرات الأميركية بإمكانها الاستغناء عن القواعد العسكرية في الخليج، فضلا عن إمكانية استخدام قواعدها في أوروبا وتركيا والعراق. 7 - فشل كل المساعي الدبلوماسية وسقوط الرهان على خيار العقوبات يوما بعد يوم يزداد يأس الدول الغربية من نتيجة المفاوضات التي يجرونها مع إيران، بسبب تصلب آراء الجمهورية الإسلامية التي تعتقد أن الملف النووي مسألة حياة أو موت، باعتباره قضية وطنية تمس الكبرياء الفارسي. وعلى ذلك فإن أي فشل للمفاوضات الدبلوماسية بين البلدين وضغط مجلس الأمن قد يعطي الولاياتالمتحدة وإسرائيل مبررا كافيا لشن هجوم عسكري على إيران. ورغم المواقف المتعصبة للطرفين الغربي والإيراني، ولا تزال جهات عديدة تفضل المساعي الحميدة والوساطات لمحاولة فك رموز العلاقة بين المعسكرين المتناقضين. وفي هذا الصدد كان ثمة دور محتمل لتركيا وبعض الدول العربية والغربية، لكنها اصطدمت كلها ب «الصلف الإيراني وفشلها المستمر في الوفاء بالتزاماتها»، وبالنهاية فإن الجميع سيذعنون لأي إجراء يتخذه مجلس الأمن إذا امتنعت إيران عن التعاون مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. والحقيقة، ثمة قرار حاسم تم اتخاذه بالفعل من طرف واشنطن وتل أبيب والدول الحليفة لهما باللجوء إلى القوة إذا أصرت إيران على التخصيب النووي والمضي بأبحاثها النووية، فكل ما يجري من نشاط دبلوماسي ومناورات وعروض لصفقات، مشروط بتخلي إيران عن مشروعها النووي بصفة كاملة، في ظل عدم القبول بأنصاف الحلول من الطرفين. ويتجه الاعتقاد إلى أن مسألة فرض عقوبات على إيران ستكون نتيجتها الفشل، رغم نقاط ضعف عديدة يعاني منها النظام الإيراني، خاصة ارتباطه بالاقتصاد العالمي، واعتماده الكلي على تصدير النفط واستيراد المواد الأولية من الخارج، فضلا عن الأوضاع الحرجة التي يعاني منها المجتمع الإيراني. وبالتالي فإن قرار معاقبة إيران سيطيل أمد الأزمة، بل إن النظام السياسي الإيراني سيستفيد من عامل الوقت لتطوير مشروعه النووي، والجميع يذكر كيف تعامل النظام العراقي مع حصار استمر لسنوات؛ ولأن القوى الغربية ليس لديها وقت، فسيكون آخر الحلول «الكي» من خلال اللجوء إلى البند السابع لميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة ضد أي دولة بعد استنفاد جميع خيارات التسوية السياسية الممكنة. 8 - مدى حرية الرئيس الأميركي في اتخاذ قرار الحرب يرجح أن الإدارة الأميركية التي وضعت جدولا زمنيا للانسحاب من العراق في صيف 2010 ثم من أفغانستان فيما بعد، أخذت في الاعتبار فتح جبهة ثالثة مع إيران. بل إن البعض بدأ يتحدث فعلا عن أن بداية الانسحاب من العراق ما هو إلا مقدمة للتحضير لحرب جديدة ضد إيران. الملاحظ في الخطاب السياسي الأميركي خلال الفترة الماضية تركيزه على نقطة أساسية، وهي تذكير طهران في كل مرة بأن «الوقت ينفد»، وهي إشارة ضمنية إلى استعجال مسألة الحسم العسكري، خاصة وأن إيران حاليا تقع على رأس قائمة أولويات الرئيس الأميركي بعد تراجع الاهتمام الأميركي بمسألة الشرق الأوسط. ولأنه لكل رئيس أميركي حربه الخاصة من جورج واشنطن إلى جورج بوش، فإن الاعتقاد السائد أن لا يحيد أوباما عن هذه القاعدة، وستكون إيران «حرب أوباما». وحتى يحدث ذلك، يجب أن تهيمن على أوباما أفكار إحدى أكثر المدارس الثلاثة تطرفا في التعامل مع الملف الإيراني، وهي مدرسة المحافظين الجدد التي يقودها ديك تشيني والداعية طبعا لضرب إيران تحت أي بند. في حين تدعو مدرسة المعتدلين الواقعيين بقيادة روبرت غيتس وبعض العسكريين إلى الحل عن طريق الحوار. أما المدرسة الثالثة فتتحدث عن العمل من الداخل لإسقاط النظام الإيراني، ويتبناها مجموعة من السياسيين السابقين ورجال المخابرات. لكن في النهاية، فإن قرار الحرب يعود للرئيس أوباما القائد الأعلى للقوات المسلحة بناء على الدستور الأميركي. والإدارة الأميركية حاليا هي أقرب من أي وقت مضى إلى اتخاذ قرار جدي بتوجيه ضربه عسكرية ضد إيران من المحتمل أن تكون في الربع الأخير من سنة 2010 أو خلال الربع الأول من العام ,2011 بعد فترة وجيزة من انسحاب القوات الأميركية من العراق. ومما يرجح هذه الفرضية، فشل دبلوماسية أوباما حتى الآن في ثني إيران للتنازل عن طموحاتها النووية. 9 - تحرك النخب الداخلية في إيران بشكل فاعل لقد رأينا كيف انتفض الإيرانيون بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التي ذهبت لصالح الرئيس أحمدي نجاد، ولا يزال الوضع في إيران هشا إلى حد ما، ففي كل مناسبة لها علاقة بالثورة الإسلامية أو برموزها، يخرج الإيرانيون إلى الشارع للتعبير عن سخطهم، وهذا من شأنه أن يعطي شعورا لدى القوى المعلنة للحرب بأن المقاومة ستكون أقل خطرا، وبأن هناك معارضة حقيقية داخل إيران من شأنها أن تدفع إلى اتخاذ قرار الحرب. ومما يرجح حدوث تغير مهم في الداخل الإيراني: الأوضاع غير الجيدة التي يعيشها معظم الناس في الجمهورية، سواء من حيث التحديات الكثيرة التي تواجههم، كالبطالة والفقر والأمية وتدني مستوى المعيشة وعدم المساواة في توزيع الدخل وعدم تكافؤ الفرص، أو بالنسبة للرهانات السياسية التي يحملها قادة المعارضة في إيران خاتمي وكروبي وموسوي الذي ترشح للرئاسة في مواجهة الرئيس أحمدي نجاد. إن الذي يحدث في إيران حاليا يدل بشكل واضح على أن البلاد مقبلة على تغييرات كبيرة من شأنها أن تعيد النظر في ميكانيزمات تسيير النظام السياسي بشكل كامل. ذلك أن الهزة السياسية القوية التي تعرض لها النظام بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة -ولا تزال توابعها تضرب الدولة في العمق- ستتيح حتما التفكير في البحث عن طرق جديدة للتكيف مع الأصوات الرافضة لوجود إيران على هذا النحو. ويبدو لي أن العديد من الكتاب حتى الإيرانيين منهم توصلوا إلى قناعة ثابتة بأن التغير في إيران أصبح أمرا أكيدا، ولم يبق سوى معرفة كيف ومتى؟ وهذا ما يدل عليه استمرار المظاهرات والمجابهات بين الطلبة الذين يشكلون الغالبية الساحقة في البلاد، والذين يذكرهم التاريخ بأنهم من ألهبوا نار الثورة الإسلامية قبل 30 عاما، وبين قوات الباسيج التي تدافع عن روح هذه الثورة. 10 - إصرار الإدارة الأميركية على منع إيران من حيازة أسلحة نووية لتفسير النزعة الأميركية القائلة بضرورة ضرب إيران، يجب التأكيد على ثلاثة عوامل رئيسية في تشكيل هذا الموقف: - العامل الأول: أن هناك جبهة داخلية سياسية ترفض جملة وتفصيلا مسألة التعايش مع النووي الإيراني على عكس التعايش السلمي الذي ساد مع الاتحاد السوفيتي والصين. - العامل الثاني: أن تنامي صعود التيار المحافظ في إيران (لاحظ الخطاب السياسي للرئيس أحمدي نجاد ومرشد الثورة علي خامنئي، تعامل السلطة مع الاحتجاجات السلمية للمعارضة..) واستمرار هذه الروح المتشددة في الجمهورية الإسلامية، يشكل حلقة رئيسية في تغذية مواقف الجبهات الداخلية في الولاياتالمتحدة التي تطالب بضرب إيران وتقليم أظافر آيات الله. - العامل الثالث: أن تصميم الإدارة الأميركية على ضرورة توجيه ضربة موجعة لإيران ليس موقف الشارع الأميركي الرافض لهذه الحرب، وإنما هو موقف طبقة سياسية وشخصيات تمثل مجموعات من الوزن الثقيل في المؤسسات الأميركية الرسمية على غرار الكونغرس الأميركي بشقيه الديمقراطي والجمهوري، وأيضا البنتاغون الذي ليس سرا أبدا أن نعرف أنه كلف بإعداد خطط كاملة لذلك. وبحكم هذه العوامل تشكلت نزعة أميركية حادة ومصممة على التخلص من النظام الإيراني، وقد ترسخت هذه القناعة مع امتداد إيران الإقليمي من العراق إلى المتوسط، مرورا بطموحاتها في ممارسة دور مهيمن في منطقة الخليج العربي. وقد زادت هذه القناعة رسوخا عندما بدأت إيران في عملية بناء مشروعها لامتلاك النووي. ومن غير المعقول أن تقبل أميركا بدولة نووية في المنطقة عدا إسرائيل، حتى وإن وقعت اتفاق سلام مع الدولة العبرية. وبخلاف الموقف الأميركي، نجد أن هناك تصميما أكبر من الجانب الإسرائيلي على ضرب إيران تزايدت حدته مع مجيء نتنياهو إلى السلطة. ويكفي هنا أن نورد تصريحا لنائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوس في عام 2004 حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل لوقف برنامج إيران النووي فقال: «2000 كيلومتر».. وهي تحديدا المسافة الفاصلة بين البلدين. التفاعل بين الاحتمالات لقد تمت الإشارة في بداية هذه الورقة إلى ضرورة التمييز بين الحدث والاتجاه، إذ قد يؤدي الحادث إلى تغيير مؤقت في مسار الاتجاه، وقد يؤدي إلى تعديل في مواصفاته وأنماطه، لكن الاعتقاد أن الحادث يغير الاتجاه تغييرا كاملا يشكل مبالغة مضللة، مع ضرورة التأكيد على أن الحادث قد يكون مقدمة لاتجاه جديد، ولكي يحدث ذلك لا بد من ثورة في الاتجاه السائد. فرغم ما حدث ويحدث من مظاهرات وأحداث شغب منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، فإن ذلك يشكل ''حادثا'' يخلق سلسلة من الآثار، ولكنه بكل مواصفاته عاجز عن تغيير الاتجاه تغييرا جذريا، إلا ضمن ظروف معينة و خاصة جدا. وبإلقاء نظرة عامة للمنطقة ككل نجد أيضا نفس التفسير للوضع الدولي. فرغم الآثار المترتبة على حرب غزة وحرب جنوب لبنان والانقسام الحاصل في الشأن الفلسطيني الداخلي، بقيت هذه التطورات مجرد ''أحداث'' عاجزة عن رسم اتجاه معين، وبالمقابل نجد أن الأطراف الغربية أكثر إدراكا للاتجاه من إيران ومن الأطراف العربية التي تشغلها الحوادث كثيرا. ويستفيد الغربيون من جملة الأحداث الدولية التي ترسم في مجملها اتجاها واقعا يسير نحو السيطرة التامة على المنطقة العربية (تكبيل مصر والأردن باتفاقات سلام مع إسرائيل، والتحكم بالنفط، وإقامة قواعد عسكرية في الخليج، وعزل دول المغرب العربي، واحتلال العراق..). وحتى تكتمل ملامح الاتجاه العام للدول الغربية، فإن الحرب على إيران تصبح ضرورة قصوى، ويبدو لي أن الاحتمالات العشرة التي ذكرناها تمثل أحداثا كافية لخلق حالة جديدة في المنطقة تدعمها في ذلك عشرة عوامل مساعدة هي كالتالي: 1 - الصراع حول مضيق هرمز. 2 - تطور الوظيفة الإقليمية لإسرائيل من منظور القوى الغربية. 3 - تنامي صعود التيار المتشدد داخل إيران. 4 - قدرة إيران على تطوير الخيار النووي بصورة فاعلة. 5 - سلاح حزب الله. 6 - مدى حياد المنظمات الدولية المعنية بالصراع. 7 - تطور نمط الكيان السياسي في غزة. 8 - ضعف الالتزامات الغربية تجاه الأمن الإسرائيلي. 9 - تخلي دمشق عن ''التزاماتها'' حيال طهران. 10 - تفعيل دور الشيعة في المنطقة. وانطلاقا من التفاعل بين الاحتمالات العشرة للحرب والعوامل العشرة المساعدة لها، يمكن القول إن ثمة سلسلة من المعطيات المتوفرة تقودنا إلى التنبؤ بعودة دورة الحرب إلى المنطقة من جديد مع انتهاء لملمة الجيوش الأميركية المنتشرة في العالم. فقد خاضت الولاياتالمتحدة عدة حروب للحفاظ على مصالحها في المنطقة، ولن تتردد في خوض حرب أخرى، وهو الأمر الذي يدعونا للاستعداد للمعركة المقبلة. إعداد: قسم الدولي